العدد 51 - ثقافي | ||||||||||||||
مراجعة: عز الدين لياخي* في الوقت الذي يمر فيه العالم بعملية سريعة للعولمة، يتم الضغط على الدول والمجتمعات لاستيعابها وهي تتعامل مع عدد كبير من التحدّيات الداخلية والخارجية. ويبدو أن قوة الدولة والسلطة والموارد تتدهور في ما يتعلق بالحاجات المجتمعية والتوقعات الخاصة بها، في حين أن سيطرة المجتمع على هويته ومصيره تزداد مراوغة في وجه قوى السوق العالمية، والوصفات الاقتصادية الليبرالية الجديدة، ومحددات الثقافة العالمية. الدول والمجتمعات ليست الكيانات الوحيدة التي تقف في مواجهة هذا التحدي الوجودي، فالأفراد والجماعات أيضا يواجهون معضلات الهوية والمصير نتيجة ارتباطهم الذي يضعف بالدولة من جهة، والجذب المتزايد للبيئة العالمية من جهة أخرى. يعالج كتاب شانا كوهين هذه الظاهرة تحديدا في حالة المغرب؛ فهو يقترح من البداية أنه، ونتيجة لإصلاحات السوق الليبرالية، التي غيرت "التركيبة الاجتماعية للمجتمع بإنتاج مجموعات اجتماعية جديدة.. ربما نكون شهودا على ميلاد طبقة لا تأخذ الدولة بوصفها هدفا لها، بل إنها تدفع في اتجاه دور في الاقتصاد العالمي" (ص 3). بالنسبة لكوهين فإن العامل الأساسي هو "الاندماج في السوق العالمية"، وهي عملية تجمع بين "بنية اقتصادية عالمية من خلال تطبيق سياسات إصلاح موحدة، وهيمنة أيديولوجيا نيوليبرالية وإنتاج عالمي لثقافة الاستهلاك" (ص 3). باستخدام هذا التعريف، وانطلاقاً من دراستها الميدانية التي تشتمل على آراء شبان مغاربة ومقابلات معهم، ترى المؤلفة أن "القوة الاجتماعية للمؤسسات العامة والدولة والقومية انتقلت إلى الشركات والعولمة ورأسمالية السوق العالمية، التي تفرض جميعها رؤيا ذرية غير متعينة للنظام الاجتماعي". بالنتيجة فإنها تجد أن الشبان وأهل المدينة والمغاربة المتعلمين يشعرون –ويَبدون– مغتربين عن دولتهم، وأنهم يصبحون جزءا من طبقة وسطى جديدة عالمية. في إطار هذه العملية، فإن الجيل الشاب يبتعد عن الفضاء الوطني العام، لأنه غريب وغير ذي صلة، وشديد النقد للحياة السياسية والاجتماعية في الوطن، و"يضفي مثالية" على المواقع البديلة لتحرره الاجتماعي في الساحة العالمية. هؤلاء الأفراد "ينبغي أن يجتازوا عقبة الحاضر والمستقبل خارج نظام للتمثيل الجمعي للأمة" (ص 7). تنسج كوهين على منوال ماكس فيبر وكارل ماركس في ما يتعلق بالاغتراب والتصنيع، مفسّرة هذا الميل بـ"فقد الأهداف والمعاني الفلسفية المشتقة من المواطنة" (ص 8)، كما أنها تستخدم في تحليلها الذي يتمحور حول تكوين الطبقات في المغرب أعمال مجموعة منتقاة من المفكرين من بينهم أنطونيو غرامشي وعبد الله العروي وبيير بورديو ودو توكفيل، ومنهجا متعدد المشارب يجمع بين علم الاجتماع، والسياسة، والاقتصاد السياسي، وعلم النفس. تقدم كوهين الشباب المغربي الذي درسته بوصفه شبابا "فقدَ الاتصال مع الفضاء الاجتماعي والهدف الوجودي للأمة،" (ص 12). وبين هؤلاء متعهدون ومدراء من المستوى المتوسط في القطاع الخاص (في صناعة الخدمات العامة والشركات متعددة الجنسية)، ومتعطلون عن العمل وعمال مؤقتون وموظفون ومهنيون وأصحاب أعمال غير رسمية وعاملون في القطاع العام من الطبقة الوسطى القديمة في مرحلة ما بعد الاستعمار، ومدرسون وأطباء وفنيون في القطاع الخاص. ومن داخل هذه الجماعات ولدت طبقة وسطى جديدة تبحث عن التحرر والحرية في الخارج، مستخدمة وسائل تراوح بين الإنترنت والعمل غير الشرعي في ما وراء البحار. هذه المجموعة غير المتجانسة من الناس، الذين يشكلون ما تدعوه كوهين "الطبقة الوسطى الجديدة"، لا تسعى إلى تغيير الدولة أو سياساتها، بدلا عن ذلك فإنها تختار "الخروج"، من خلال البحث عن مستقبل في الاقتصاد العالمي (ص 34). بالنسبة للمؤلفة، انطلقت هذه الظاهرة مع بدء الأزمة الاقتصادية وتراجع الدولة عن "الاقتصاد الاجتماعي" في الثمانينيات، والتي أدت إلى مستويات متردّية من المعيشة وانحدارا اجتماعيا بين أوساط الطبقة الوسطى. في النهاية فإن مشاريع تطوير المغرب وإصلاحات السوق تركت من دون "طبقة وسطى تؤدي دور الوكيل". وهي تجد ذلك مثيرا للقلق، ليس فقط بالنسبة للمغاربة، بل وكذلك لهذه "الطبقة الوسطى العالمية،" التي قد لا تجد أبدا الوضع الذي تسعى إليه في الاقتصاد العالمي. مع أن عمل كوهين قائم على البحث الذي أجري كله في مدينة مغربية واحدة هي الدار البيضاء، فإنه كتاب تعريفي في ما يتعلق بأثر العولمة وفشل الدولة في التحولات الاقتصادية الاجتماعية والهوية في بلدان الأطراف. وهذا الأثر يصل القارئ عبر مقابلات تجرى وحكايات تستخدم إيضاحات. بالنسبة للتحليل نفسه، يبدو أنه أضعف من خلال انتشار مجاله والأطر النظرية الانتقائية التي استُخدمت فيه. وفي النهاية، فإن القارئ يترك وهو يتساءل عما إذا كانت هنالك حقا "طبقة وسطى عالمية" مغربية، وهل يمكن تشكيل طبقة من جماعات اقتصادية اجتماعية غير متجانسة تحددها كوهين؟ وهل لهذه الطبقة وعي بنفسها بوصفها طبقة؟ وما الذي يجعلها "عالمية" غير السعي إلى مغادرة البلاد والبحث عن مستقبل وراء الحدود الوطنية؟ وهل هي حقا بعيدة عن السياسة، وليست مرتبطة بالسياسات الاجتماعية ولامبالية؟ إجابات واضحة ودقيقة عن هذه الأسئلة كان من شأنها أن تقوّي هذه الدراسة الجريئة، التي تحتوي على كثير من المعلومات، كما أنها، ولا شك، مصدرُ وحي للتوجه لدراسات مستقبلية من هذا النوع في العالم العربي وما وراءه. وتجدر قراءة هذا الكتاب من جانب أي مهتم بالتطورات السياسة والاقتصادية الاجتماعية الأخيرة في المغرب وبالتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي ولّدتها، أو من جانب كل من يتأثر بالعولمة والسياسات النيوليبرالية في العالم النامي. * قسم الحكومة والدراسات، جامعة سانت جون، نيويورك. بالتعاون مع: المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط International Journal of Middle East Studies |
|
|||||||||||||