العدد 51 - ثقافي | ||||||||||||||
فريهان الحسن صورتان متقابلتان: سينمات عمّان في فترتين مختلفتين؛ الستينيات والسبعينيات، والألفية الجديدة. ترى كم تقترب الصورتان، أو كم تبتعدان؟ قبل عقود عدة، اعتادت عائلات عمّانية أن تكون السينما وجهتها، في طقس يكاد يكون أسبوعياً، حين كانت صالات السينما من الوجهات الترفيهية القليلة في عمّان ذلك الحين. اليوم، الصورة مختلفة تماماً. فرواد السينما هم فقط من الشبان. في الماضي لمعت أسماء عديدة لدور عرض محلية، معظمها تركّز في منطقة وسط البلد، وكانت بمثابة أماكن لقاء للأصدقاء، وملتقيات ثقافية، وأماكن للحوار، بحسب ما يؤكده الحاج زهير عبد الرحيم. يبين الحاج زهير (71 عاماً) أنه كان يحرص على الذهاب إلى دور السينما هو وزوجته ليجلسا في المقاعد الأولى أمام الشاشة مباشرة، لمشاهدة أفلام عبد الحليم حافظ، وليلى مراد وغيرهما. مثله كانت الحاجة فاطمة أحمد سعيد التي اعتادت قبل زهاء أربعين عاماً على اصطحاب أبنائها، والذهاب إلى سينما النصر في مدينة الزرقاء لحضور أفلام فريد الأطرش وفاتن حمامة وغيرهما. الحاجة فاطمة (70 عاماً) كانت تجد متعة حقيقية وترفيهية في الذهاب إلى السينما في ذلك الوقت، وتتذكر أن سعر التذكرة كان 5 قروش للدرجة العادية، و20 قرشاً للدرجة الأولى. تقول إنها كانت تتزين وترتدي أجمل ما لديها عند ذهابها إلى السينما التي كانت تخصص حينها يومين في الأسبوع للسيدات فقط. «كانت القاعات تكتظ بالسيدات، وكنا نشاهد فيلمين أو ثلاثة أفلام بالتذكرة نفسها». المشهد تغير كثيراً. هذا ما يؤكده أبناء الجيل الذي واكب تطور دور العرض السينمائية في الأردن. بعضهم يلقي التهمة على «هوليوود» التي حوّلت السينما إلى سلعة عبر أفلام تجارية لم ترَ في ضرورات إنتاجها سوى الربح المالي. آخرون يقولون إن الحياة تغيرت بجميع تفاصيلها، وأنه لا بد أن تصيب السينما بعض من هذه التغيرات. لكن العشرينية «دارين» تجد أن الأمر متشابه بين الأمس واليوم بالنسبة إلى صالات عرض العائلات: «دور العرض، وبخاصة في المولات الكبيرة، تناسب العائلات بشكل كبير، لأنها تشتمل على النظام والخدمات المتميزة». إلا أن تلك السينمات لا تشهد حضوراً عائلياً كثيفاً، فالمتابعون غالباً شبابٌ في مقتبل العمر، يسارعون في العادة إلى حجز أماكنهم لمشاهدة أحد أفلام الآكشن، أو الخيال العلمي. وسط هذا العدد الكبير من الشبان أكثرهم دون سن العشرين، ليس هناك سوى عدد قليل من العائلات جاءت لحضور الفيلم نفسه. انتقال دور العرض السينمائية القديمة التي تركزت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من مناطق وسط البلد إلى مناطق عمّان الغربية لتتركز داخل المولات الفخمة، أثار حزناً كبيراً، وتحسّراً من جيلٍ ارتبطت ذكرياتُ شبابه بها. نقاد وخبراء في مجال الفن السينمائي يرون اختلافاً كبيراً في نوعية الأفلام، بخاصة الأفلام الرومانسية التي لم يعد لها سوق في دور العرض الحديثة. مدير «غراند سينما» في «سيتي مول» عمر أبو عمر، يؤكد أن الخدمات التي تتمتع بها دور العرض الحديثة أصبحت تستقطب عدداً كبيراً من العائلات، وبخاصة في بعض الأفلام التي تتناسب وطبيعة العائلة. ويلفت إلى أن الفيلم نفسه يلعب دوراً في استقطاب العائلة، أو استقطاب الفئة الشبابية التي عادة ما تستهويها أفلام «الآكشن». العشريني سيف جمال الدين، يجد أن دور العرض السينمائية في الوقت الحالي تحتوي على أفلام تستهوي فئة الشباب فقط، وهي غير ممتعة للكبار. «قبل أربعين عاماً كانت السينما أداة الترفيه الرئيسية في مجتمعاتنا»، يقول الناقد السينمائي محمود الزواوي. ويحيل ذلك إلى أن التلفزيون لم يكن موجوداً، أو ثورته الحقيقية لم تكن قد بدأت بعد. الزواوي يقول إن تركُّز دور السينما مثل «بسمان» و«رغدان» و«الأردن»، في منطقة وسط البلد، جعل هذه الدور أشبه بـ«القصور السينمائية». ويلفت إلى أن «سينما الأردن» كانت متخصصة بالأفلام العربية، وسينما «الخيّام» بالأفلام الإيطالية والعربية. «دخول التلفزيون إلى البيوت وضع دور العرض السينمائية في تحدٍّ كبير»، بسبب استسهال العائلات هذا النوع من التكنولوجيا الذي يقدم ترفيهاً غير مكلف، وهو ما أدى إلى أن يصبح 90 بالمئة من رواد السينما في جميع أنحاء العالم دون سن 25 عاماً، وفقاً للزواوي الذي يرى أن صانعي الأفلام باتوا يسعون إلى تلبية طلبات المستهلكين الشباب، كأفلام الآكشن والحركة والمغامرات، فانتهى بذلك عصر أفلام الكابوي والفيلم الموسيقي الغنائي الذي كان يستقطب فئة معينة، فضلاً عن تراجع الفيلم الرومانسي والغرامي. «دور السينما التي كانت تتمتع بمكانة كبيرة، أصبحت الآن للطبقة العاملة، وتعرض أفلاماً إباحية»، يقول الزواوي الذي يعتقد أن التكنولوجيا الحديثة والتطورات التي حدثت في مجال صناعة الأقراص المدمجة والإنترنت أدت إلى عزوف العائلات عن الذهاب إلى دور السينما. الناقد السينمائي رسمي محاسنة، يقول إن السينما دخلت الأردن في نهاية عشرينيات القرن الماضي، ويضيف أن فترتها الذهبية كانت في الستينيات من سينما «الخيّام» التي كانت بمثابة ملتقى للنخبة الأردنية وعائلات عمّان الراقية. «حتى العروض غير المخصصة للعائلات كانت المشاهدة فيها لها جمالياتها واحترامها، من خلال أفلام لها جاذبيتها وحضورها الجميل.. كما أن المرأة كانت تخرج إلى السينما في الستينيات بكامل زينتها وألقها»، بحسب محاسنة الذي يلفت إلى أن ما أثّر في نسبة المشاهدة في الوقت الحالي، هو أن دور العرض الحديثة انتشرت في مناطق عمّان الغربية لتستقطب الأثرياء وأصحاب القدرة المادية، دون غيرهم. «الدور القديمة والمعروفة أصبحت مكاناً للأفلام الهابطة»، يقول محاسنة بأسى. الكاتب عزمي خميس يرى أن السينما في السبعينيات كانت تجمع بين «المتعة والترفيه والثقافة»، وأنها شكلت ملتقى وحيدا للعائلات، ومختلف فئات المجتمع. ويضيف أنه في عصر كل يوم خميس كانت هناك حفلات مخصصة للشباب، فيما تُخصص عروض الساعة السادسة للسيدات وربات البيوت، أما حفلة الثامنة مساء فهي مخصصة للعائلات، ومجهزة لتلك الغاية. «كان سعر تذكرة الدرجة الأولى 12 قرشاً، و5 قروش للدرجة الثانية، وعشرين قرشاً للجلوس في (اللوج)، وهو ما يشكل ثمناً معقولاً للترفيه في ذلك الوقت، بحيث يسهل على جميع الطبقات تحمّله». يردّ خميس تراجع السينما إلى طغيان التلفاز، لكنه يرى أن السينما عادت لتستعيد ألقها في منتصف التسعينيات مع دخول مستثمرين وشركات أقامت دور عرض حديثة وفخمة في عمّان بخاصة. المخرجة السينمائية سوسن دروزة، تلقي باللائمة على «وجود التلفاز و(الدي في دي)، ما جعل العائلات تفضّل المشاهدة في المنزل بدلاً عن الذهاب إلى السينما»، فضلاً عن التكلفة العالية للتذاكر. وتضيف أن السينما في الماضي كان إنتاجها قليلاً بنوعية أفلام جيدة، أما الآن فيوجد أكثر من 40 فيلماً تُعرض في الأسبوع الواحد، ولا تشد العائلات لمتابعتها. «غياب أوجُه الترفيه قديماً» هو السبب في متابعة العائلات لدور العرض، بحسب الناقد السينمائي ناجح حسن الذي يرى أن السينما ببداياتها شكلت مسار دهشة للعائلات باكتشافهم لهذا «الاختراع الجديد» منذ الثلاثينيات، ما جعلهم يتسابقون على متابعتها. «القصص المطروحة في الأفلام والمتمثلة في الرومانسية، والمغامرة والحركة»، أمور أخرى شدت عائلات عمّان نحو تلك المتعة، بحسب حسن، الذي يؤكد أن صالات السينما المعروفة في عمّان كانت تستقطب الأفلام فور عرضها في هوليوود. ويبيّن أن «السينما كانت طقساً من طقوس المتعة والمشاهدة تجذب العائلات باستمرار». عددٌ من دور العرض السينمائية القديمة أُغلقت، أما ما بقي منها على قيد الحياة، فيعتمد غالباً على القرصنة في عرض أفلامه، أو يكتفي ببث المباريات الرياضية، بحسب حسن. |
|
|||||||||||||