العدد 51 - أردني
 

محمد شما

ينشط الأردن منذ منتصف التسعينيات في عمليات إزالة آلاف الألغام المزروعة في شمال المملكة، حيث تعمل منظمات ناشطة في مجال إزالة الألغام على تطهير حقول ممتلئة بالألغام.

«الهيئة الوطنية لإزالة الألغام وإعادة التأهيل» أعلنت عن «تطهير» منطقة وادي عربة في أيار/ مايو الماضي، بعد عامين من العمل، حيث وصل عدد الألغام المزالة إلى 51 ألف لغم أرضي، ويجري حالياً تطهير مناطق متاخمة للحدود السورية، يبلغ طولها 104 كيلومترات.

بالتعاون مع جمعية المساعدات الشعبية النرويجية، بدأت الهيئة بتغطية مسافة 52 كيلومترا جرى فيها إزالة 136 ألف لغم مضاد للأفراد ومضاد للدبابات في 93 حقل ألغام.

«تم تنظيف غور الأردن ووادي عربة كاملا، وشمل ذلك 126 حقلا»، يقول رئيس الهيئة محمد بريكات.

بدأت الهيئة إزالة الألغام في العام 1993. وبعد توقيع الأردن على اتفاقية «أوتاوا» الدولية لحظر الألغام في العام 1998، «جرى العمل على قدم وساق لإزالة جميع الألغام من أراضي المملكة خلال عشر سنوات، بدأت في الأول من أيار / مايو 1999».

جمعية المساعدات الشعبية النرويجية، الداعمة للهيئة، عملت على إزالة الألغام بين البحر الميت والبحر الأحمر قبل الانتقال إلى الواجهة الشمالية في آب/ أغسطس الماضي. ومن المتوقع أن ينتهي العمل فيها خلال ثلاث سنوات.

وفق تقديرات الهيئة، يصل عدد الضحايا منذ زرْع الألغام بعد الحروب العربية الإسرائيلية إلى 670 شخصاً ما بين قتيل وجريح. وفي العام 2007 قدّم الأردن طلبا لتمديد المهلة المنصوص عليها في اتفاقية «أوتاوا»، وتمت الموافقة عليه. ومن المفترض الانتهاء من عمليات الإزالة في العام 2011 على مساحة إجمالية تقدر بحوالي 10 ملايين متر مربع.

بريكات، يحذر المواطنين من التهور والدخول في مناطق يُشتبه باشتمالها على حقول ألغام، معترفاً أن الخطوات الاحترازية التي قامت بها الهيئة، بوضع أسوار شائكة، لا تجدي في كثير من الأحيان، لعوامل الانجراف التي تغير موقع اللغم أو المتفجرات.

وفقا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، واتفاقية حظر أو تقييد استخدام أسلحة تقليدية معينة، ورغم حظر انتشار الأسلحة، وإقرار اتفاقية «أوتاوا» العالمية حول نزع الألغام، إلا أن الألغام ما زالت مختبئة في جحورها تترصد من يقترب منها.

مصطفى الرواشدة (55 عاما)، كان يعمل خبيرا للمتفجرات بسلاح الهندسة الملكي. في العام 1976 قام بجولة للكشف عن مواقع حقول الألغام، وفي المنطقة المتاخمة لأم قيس وقف قرب لغم وبيده «واخز» كاشف للألغام، وما هي سوى لحظات حتى انفجر اللغم، ففقد مصطفى بصره، وترك الحريق ندوبا لا تزول في وجهه. «عندها طلبت (ترميجي)، متآلفا مع حياتي كضرير. بدأت أعمل في مجال الدفاع عن حقوق المكفوفين والعمل لأجلهم لأني أصبحت واحدا منهم وأعاني ما يعانونه».

يضيف: «التحقت بجمعية الصداقة للمكفوفين، وخضتُ العمل الاجتماعي في العام 1986، إلى أن أصبحت حاليا رئيسا لنادي الشعلة للمكفوفين». أصبح الرواشدة مدير التجمع لجميع الإعاقات لدى الجامعة العربية في القاهرة. يقول: «الفراغ قاتل لنا نحن المعاقين، نطلب تفعيل القانون وتشغيلنا، وأن لا يتم التعامل معنا نحن ضحايا الألغام كعاجزين، نحن لسنا كذلك».

وفق الهيئة الوطنية لإزالة الألغام وإعادة التأهيل، هناك 305 آلاف لغم على الأراضي الأردنية، بينها 73 ألف لغم إسرائيلي، و232 ألف لغم أردني، معظمها في وادي الأردن على الحدود مع إسرائيل.

الهيئة، بدأت في العام 2000 عملها مدعّمة بقانون «الهيئة الوطنية لإزالة الألغام وإعادة التأهيل»، الذي يهدف وفق نص المادة الثالثة إلى: «إزالة الألغام المزروعة في أراضي المملكة ضمن إستراتيجية وطنية يقرها مجلس الوزراء».

بدأت الهيئة في نيسان/ أبريل الماضي، تنفيذ مشروع البحث عن مخلفات الحرب بكلفة 500 ألف دينار، وهو يستمر ثمانية عشر شهرا ويشمل جميع أراضي المملكة.

سليمان غنيمات (42 عاما)، يروي حكايته مع الألغام التي كان أحد ضحاياها: «كنت متدربا على الطيران، وفي 13 حزيران/يونيو 1986 خرجت في نزهة مع أصدقائي إلى منطقة البحر الميت، حيث وقفنا في أرض خاوية، ولا أدري لما استفزني جسم غريب، لعله حب الفضول دفعني إلى الاقتراب منه وحمله بيدي، ولحظات حتى انفجر بيدي».

تلك الحادثة كانت منعطفاً في حياة سليمان. «فقدت أطرافي العلوية ومعظم أجزاء كف يدي والأصابع، إضافة إلى جروح متفرقة في جسدي، كانت لحظات صعبة جدا».

يحتفل سليمان بعيد ميلاده مرتين: «الأولى في يوم ميلادي الطبيعي، والثانية لحظة تجدد حياتي بعد حادثة الانفجار».

يقول: «كان حلمي أن أكون طيارا، لكن الحادثة غيرت حياتي، بعدها، دخلت في مسلسل العلاجات وتخللها سفر على حساب الديوان الملكي إلى الولايات المتحدة الأميركية».

«بعد مضي سنوات على الحادث عدت أستخدم يدي بطريقة طبيعية، حيث تكيفت مع يدي من دون أصابع، وأقود سيارتي»، يقول سليمان الذي يعمل حاليا مسؤولا عن ضحايا الألغام في الهيئة الهاشمية للعناية بالمتقاعدين العسكريين من ذوي الاحتياجات الخاصة.

نبيل عوضي (45 عاماً)، فَقدَ قدميه الاثنتين جراء لغم انفجر في صيف العام 1970. وهو يعيش حاليا بقدمين اصطناعيتين. «أعمل في صالون حلاقة. إنه عمل متعب، لكني اعتدت عليه. لا يمكنني الوقوف على أطلال مصيبتي».

طه زيادة (44 عاماً)، فقد هو الآخر ساقاً، وأخرى تضررت جراء لغم أرضي انفجر به قبل 28 عاماً. رفض أن يكون عاجزا، وأقام في الولايات المتحدة الأميركية سنوات عدة، وعاد معافى نفسيا وجسديا، وقادرا على العيش كما الآخرين: «حاليا ألعب مع نادي رياضي، وأطور من مهاراتي».

في العام 1998 وقّع الأردن على اتفاقية دولية لحظر الألغام، يعمل بموجبها على إزالة جميع الألغام من أراضي المملكة، خلال فترة عشر سنوات، ابتداء من مطلع أيار/ مايو 1999.

«هناك حوالي 136 ألف لغم تحتاج للإزالة في منطقة الحاجز الأمني الشمالي»، وفقاً لتقديرات بريكات الذي يؤكد أن الهيئة تمكنت من إزالة حوالي 170 ألف لغم معظمها من الألغام التي قامت إسرائيل والأردن بزرعها في مناطق مثل وادي عربة، ويضيف أن معظم العمل تم خلال العامين الأخيرين بمساعدة الدول المانحة، مثل النرويج وكندا.

شبكة الناجين من الألغام، ومقرها الرئيس في واشنطن، لديها ستة فروع في العالم في أريتيريا وأثيوبيا وموزمبيق والبوسنة وفيتنام وجنيف، إضافة إلى الأردن. أنشئ مكتب الشبكة في عمّان في العام 1999، واستقبل زهاء 2600 حالة؛ منهم 850 ناجياً من الألغام.

مدير الشبكة، عدنان العابودي (49 عاما)، لديه بتر مزدوج في قدميه جراء حادث سير وقع له في العام 1989 على طريق الأردن السعودية، يلخص مهمة الشبكة بـ»تسريع عملية شفاء ضحايا الألغام، عن طريق تركيب أطراف اصطناعية أو مقاعد متحركة أو عكاكيز لأجل عودتهم إلى الحياة الطبيعية تقريباً».

تتعامل الشبكة مع فاقدي الأطراف مهما كانت الأسباب، سواء الإصابة بالسكّري أو حوادث الألغام. «نحاول أن نقوم بالعلاج الطبيعي للشخص، وتأهيله نفسيا واقتصاديا عبر تعزيز دخله عبر تطوير مهارات له» يقول العابودي.

تعمل الشبكة على تمكين الشخص اجتماعيا ودمجه في المجتمع، إضافة إلى الدعم التماثلي النفسي. ففقدان الطرف ليس سهلا لدى الإنسان. «نعزز ثقته بنفسه ليستطيع الاندماج». حاليا، تتعامل الشبكة مع 300 ناجٍ، وتقوم بدعم الناجي على مدى عامين متواصلين.

كامل السعدي (43 عاما)، ذهب مع عائلته في رحلة إلى منطقة الخيبة التحتا قرب منطقة أم قيس، في 13 تموز/ يوليو 1979. «هذا التاريخ غيّر حياتي»، يقول مستذكراً ما حدث له: «وقفت على تلة مزروعة بالشعير، وأسندت قدمي اليسار على صخرة كبيرة، بعد لحظات انفجرت، فأصبحت طائرا في الهواء، وأنا ما زلت بكامل وعيي، رأيت شابين قاما على الفور بحملي وأنا أحمل قدمي التي تفتتت، ووصلت إلى أقرب مستشفى، وبدأ الأطباء يفكرون في ترميمها، لكنهم سرعان ما قطعوها بعد ذلك».

ذهب السعدي لإكمال دراسته في الولايات المتحدة الأميركية، وفي العام 1985 عاد إلى الأردن وقام ببتر أجزاء من قدمه اليسرى للمرة الثالثة، وتغيرت حياته، حيث توقف عن دراسة علم الكمبيوتر ودرس الأطراف اصطناعية. وهو يعمل حاليا على تأسيس مشروع مبادرة «خط الحياة» لمساعدة الناجين من الألغام وذوي الاحتياجات الخاصة، ودعمهم لمواصلة الحياة وتنظيم أنشطة ثقافية وفنية تؤثر في المجتمع الذي ما زال «غير متقبل للضحايا».

وكانت المفوضية الأوروبية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وقّعا في 24 نيسان/ أبريل الماضي في عمّان، اتفاقية لدعم عمليات التخلص من الألغام على طول الحدود الفاصلة بين الأردن وسورية. وخصص الاتحاد الأوروبي مبلغ 4.5 مليون يورو (نحو 7.2 مليون دولار) لمشروع إزالة الألغام في المناطق الحدودية الشمالية في الأردن.

عند الانتهاء من هذا المشروع «ستكون عملية إزالة الألغام قد تمت في ما مجموعه 12 مليون متر مربع من الأراضي، كما سيتم إلغاء المنطقة العسكرية الفاصلة حاليا بين البلدين»، وفقا لما أعلنته الهيئة الوطنية لإزالة الألغام وإعادة التأهيل الأردنية.

«سينتج عن ذلك إضافة ما لا يقل عن 50 كيلومترا مربعا من الأراضي الجاهزة للاستغلال الاقتصادي، وسوف يستريح سكان المنطقة البالغ عددهم حوالي 50 ألفا من مخاطر حوادث انفجار الألغام»، يقول بريكات.

الحكومة الأسترالية قدمت في 29 تشرين الأول / أكتوبر 2007، مليون دولار أسترالي للهيئة الوطنية لإزالة الألغام، للمساهمة في تطهير الأراضي المزروعة بالألغام. وقدمت لدول أخرى في العالم أكثر من 21 مليون دولار أسترالي في العامين 2006 و2007، كما قدمت ضمن مشروع «الأعوام الخمسة» ما يقارب 75 مليون دولار أسترالي، للدول التي تعمل في مجال برامج إزالة الألغام.

«تمكن الأردن خلال العقد الأخير من إزالة عدد كبير من مخزون الألغام، وانخفض عدد ضحايا الألغام، وأصبح بالإمكان مساعدة الناجين من خطرها»، وفق الأمير مرعد بن رعد، رئيس مجلس إدارة الهيئة الوطنية لإزالة الألغام، ورئيس مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر الألغام.

يكشف بريكات عن وصول عدد ضحايا الألغام إلى 670 ضحية منذ العام 1950 حتى هذا العام، وتشمل ضحايا الألغام وضحايا سقطوا من مخلّفات الحروب العربية الإسرائيلية.

ما زال ضحايا الألغام يقفون على خط المواجهة مع مجتمعهم، الذي يرفضهم، كما يرفض ذوي الاحتياجات الخاصة عموما، فأبواب العمل موصدة أمامهم، وتقبّلهم في الحياة العامة يلازمه الاستحياء. العابودي يؤكد أن هناك «تمييزا» يواجهونه من جميع فئات المجتمع. «يعتقدون أننا نشحذ، ونحن لا نقل عنهم شيئا».

ضحايا الألغام على خط المواجهة مع المجتمع
 
13-Nov-2008
 
العدد 51