العدد 51 - حريات
 

حمزة السعود

"الدعوة عامة للرجال والنساء والأطفال".. هذه العبارة بدت غير مسبوقة في دعوة الأطفال علانية للمشاركة في اعتصام نفذه حزب جبهة العمل الإسلامي في نيسان/أبريل الماضي للتضامن مع أهل غزة.

تحت شمس الظهيرة، تعالت صيحات نساء خلال الاعتصام، وارتفعت أصوات أطفالٌ يحاولون محاكاة ذويهم.

يقترب المرء ليستمع إلى هتاف الأطفال الخافت، فيسمع شعارات من مثل: «فليعد للدين مجده أو ترق منا الدماء.. الجهاد غايتنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا».

"أن يكون الأطفال جزءاً من الواقع الذي يعيشونه، لا يعني أن يكونوا جزءاً من أدوات العنف فيه". هذا ما يقوله الطبيب النفسي محمد الحباشنة الذي يرى أن إقحام الأطفال في الصراعات عموماً يعد "تلويثاً" للطفولة، ويؤكد أن المجتمع مدعوّ لتنمية المبادئ والأخلاق والمعرفة لدى الأطفال بعيداً عن العنف ومفرداته.

الطفولة السليمة يجب أن تحمل معها معنى «الأمان» تجاه العالم، دون تشويهٍ لبراءة الطفولة بعبارات العنف والإيذاء، بحسب الحباشنة الذي يضيف: «العنف بأشكاله فوق التصور الطبيعي والمنحى التطوري المعرفي للطفل الذي يستقي هذه العبارات والأفكار من الآخرين دون قناعة».

عمران (7 أعوام)، يشعر بالسعادة لوقوفه بجانب أهل غزة. «لا أشعر بالعطش أو حتى التعب من حَرّ الشمس، المهم أن أشارك ضد حصار الإسرائيليين لغزة».

إبراهيم (9 أعوام) يردد ما يطلقه قائد الاعتصام من عبارات، وببراءة الأطفال وجد نفسه "يخربط"، فتصبح إحدى العبارات المنطلقة من حنجرته: "يا مسلم فجر فجر.. جيش اليهود يكبّر».

أُبي (13 عاماً)، جاء من بيته البعيد وحده للمشاركة في الاعتصام. "الجو مغبر. هذا غير مهم، فنحن فدا أهل غزة، ونريد أن نعلّم اليهود أننا لا نسكت على حقنا».

أطفال يتدافعون في أجواء تغلب عليها الانفعالية، وغالباً ما يتم توجيههم في مناسبات كهذه، فيرددون ما لذ وطاب من هتافات المشاركين، أو ما يملى عليهم من "الدخلاء".

إعلامي تابع للحزب، يحمل بيده الميكروفون وبصحبته مصور، تقدَّمَ من مجموعة أطفال بخطوات واثقة تنم عن خبرة طويلة، وقال لهم: «احكوا: إحنا ضد الحصار المفروض على غزة، وجينا نتضامن معهم"، فردد الأطفال وراءه فَرِحين.

خالد الرنتاوي، أب لثلاثة أطفال، يؤمن بمشاركة الأطفال في المسيرات والاعتصامات كونهم جزءاً من هذا الواقع. «أعتقد أن مشاركة الأطفال مهمة في الاعتصامات ليدركوا ما يجري من حولهم، وأنا مقتنع بجدواها".

يضيف الرنتاوي أن "الواقع الذي نعيشه فرض هذه المواجهة، وسيفرضها على أطفالنا في المستقبل.. والهتافات التي تُردد في المسيرات وتتضمن مفردات مثل القتل والاستشهاد، هي وليدة المشاهد الحاضرة دائماً على شاشات التلفزة».

المحلل الاجتماعي مجد الدين خمش، يرى أن مشاركة الأطفال في هذه المسيرات تؤثر سلباً في مشاعرهم وطفولتهم. "هناك أحزاب تستغل أطفالاً لا يعلمون شيئاً عن السياسة، ويكون ذلك بهدف زيادة عدد المشاركين».

خمش يتفهم مشاركة الأطفال في فعاليات لا تخوض في السياسة، مثل المسيرات المنددة بحوادث السير، أو للتوعية بمخاطر المخدرات أو مرض ما. ويرى في ذلك "نوعاً من التدريب على الخدمة الاجتماعية، يعزز مفهوم المشاركة لديهم".

أمين عام حزب حشد أحمد يوسف، قال إن مشاركة الأطفال في المسيرات التي ينظمها حزبه تعتمد على معايير محددة. "يجب أن يكون المكان والزمان ونوع المسيرة مناسباً، أنا مع أن يعبّر الطفل عن تضامنه أو تنديده بما يحدث، لكن ليس بالهتافات التي تعلّم أطفالنا العنف". 

استخدام الأطفال في المسيرات لا ينحصر في حزب دون غيره، وقلّما تغيب المفردات التي تشير إلى العنف فيها. لكن حثّ الأطفال على المشاركة بشكل صريح لم يحدث سوى في دعوة حزب جبهة العمل الإسلامي، وهو الذي كان نظم مسيرة للتنديد بالرسوم المسيئة للرسول محمد، اعتمدت مسيرة في جزء منها على أطفال مدارس "دار الأرقم".

تفعيل المشاركة ورفع مستوى الوعي لدى الأطفال، وحثهم على أن يكونوا نواة لجيل واع ومنتج عبر تفاعلهم بما يحيط بهم، هدفٌ مشروع، إلا أنه يتطلب الانتباه بجدية وإنسانية لآلية تنفيذه.

مشاركة الأطفال في المسيرات السياسية: “استغلال” لبراءتهم أم رفعٌ لمستوى وعيهم؟
 
13-Nov-2008
 
العدد 51