العدد 51 - حتى باب الدار | ||||||||||||||
تراجع استخدام بعض أدوات القمع التقليدية كثيراً، وبموازاة ذلك تم العثور على أنواع وأدوات جديدة تتناسب والوضع الديمقراطي. بالعودة قليلاً الى التاريخ سنجد أن أقدم أداة قمع محلية استخدمت في قمع المعارضة هي "العقال"، وبالفعل فقد قرأت في إحدى صحف الخمسينيات الحزبية السرية آنذاك، أن مظاهرة في إربد جرى تفريقها باستخدام العقال. لكن أطرف أدوات القمع الخاصة هي تلك التي استخدمت ذات مرة للتشويش على مئات المعتصمين، وذلك باعتماد الدبكة والأهازيج بموازاة هتاف المعتصمين، وقد استخدم أسلوب القمع بالدبكة هذا تحديداً، في مواجهة اعتصام مناهض لإقامة معرض الصناعات الإسرائيلي في عمان في نهاية التسعينيات. لكن السنوات الأخيرة شهدت نمو صنف جديد هو القمع بالحوار، وقد أوجد هذا الأسلوب أدواته الخاصة، مع مراعاة التأصيل الفلكلوري، أي الاستناد الى ما هو متوافر في التراث الشعبي. المجاحرة مثلاً، أي تبادل النظرات الحادة بين المتحاورين، قد تكون اداة قمع لأن أطراف المجاحرة ليست بالضرورة متساوية، ثم إن لها أعرافاً وتقاليد خاصة. والمجاحرة كأداة قمع تم انتقالها من الإطار الشخصي إلى الإطار المؤسسي الحكومي، وقد أصبحت أسلوباً معروفاً في الاجتماعات. ورغم أن المجاحرة تنطوي على تبادل الجحر بمعنى انها أداة لتبادل مواقف، لكن من المعروف أنه ليست كل الجحرات جحرات.. وليس كل من جَحَر جحر!.في العادة هناك ما يعرف بـ"كسر العين"، وهي مبارزات كنا نتدرب عليها منذ الطفولة، بأن ينظر الواحد منا في عيون الآخر، وتكون الأفضلية والفوز لمن يستمر بالبحلقة دون أن يرمش أو يحرك نظره. "بَلع الريق" أو "جَمْط الريق" هي من أدوات القمع التي يلجأ اليها المتحاورون، الى جانب "برم البوز" وهي أداة خاصة لا يقوى كلا الطرفين على ممارستها بالتساوي، وهناك أسلوب يعرف بـ"التحميض" للخصم، وعليك أن تحذر ممن "يتحمض لك".. من أشهر ادوات قمع الخصوم أن تأخذ خصمك "على قد عقله"، أو أن "تزبله" وأن تعتبره شخصاً "لا يؤاخذ"، وهذه من أساليب إدارة الصراع المعروفة والمجدية. ثم هناك القمع "بالعتب" كأن تغضب من خصمك و"تأخذ على خاطرك منه" وهي من الأساليب المعروفة والمفيدة في ظروف البلدان الصغيرة مثل بلدنا حيث يعرف الناس بعضهم بعضاً. في هذا السياق تندرج فكرة أن يكون لأحد "دالّة" أي مدخل على أحد، فيرشح هو للحوار معه لأنه "يمون عليه". أما "التوجيب" فهو من أشهر أساليب إدارة الصراع السلمي مع الخصوم، وأحياناً عمد رؤساء الوزارات إلى استضافة رموز وقادة المعارضة في لقاء أقرب إلى ممارسة "معرفة الواجب" وهو صنف خاص من القمع، وقد يخرج الرئيس مع ضيوفه إلى باب مكتبه، ويخرج هؤلاء من عنده بارتياح لأنه "عرف واجبهم". |
|
|||||||||||||