العدد 50 - أردني | ||||||||||||||
السّجل - خاص يكمن تأثير الأزمة العالمية على الأردن، بمحورين أهمهما انعكاسات الأزمة على آفاق الاقتصاد الخليجي، في ضوء التشابك القوي بين الاقتصاد الأردني واقتصاديات دول الخليج في مجالات متنوعة كالصادرات السلعية والخدمية، وحوالات العاملين، والدخل السياحي، والمنح الرسمية، وتدفقات رؤوس الأموال، مما ينعكس تالياً على الأردن. أما الجانب الثاني، فيكمن في مدى تأثير الأزمة المالية على "الاقتصاد الحقيقي" في الولايات المتحدة، وتحديداً حجم هذا التأثير واستدامته، بما في ذلك فعالية الإجراءات المتبناة لعلاج الأزمة من جانب الإدارة الأميركية. وفي التفاصيل، تتمثل قنوات تأثير الأزمة المالية الأميركية على الاقتصاد الأردني بسعر صرف الدولار، وحجم المساعدات الرسمية التي تمثل 52 بالمئة من مجموع المنح في العام 2008، وقيمة صادرات المملكة من الألبسة التي تشكل 18 بالمئة من مجموع الصادرات الوطنية في العام 2008، وكلاهما يمكن أن يتأثر، بدرجة أو بأخرى، نتيجة نقص السيولة لدى القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة. تأثير الأزمة على الاقتصاد الأردني، يتوزع على المديين المتوسط والطويل، وذلك في حال استمرار هذه الأزمة، وعدم ظهور أثر مباشر للإجراءات التي اتخذتها الدول الصناعية لمواجهتها، دون إغفال الأثر على المدى القصير. تشير التوقعات إلى أن الاقتصاد العالمي سيشهد تباطؤاً كبيراً خلال العام 2009 نتيجة الأزمة، فمن المتوقع أن لا تحقق الولايات المتحدة والدول الأوروبية أي نمو اقتصادي خلال العام المقبل، ومن المتوقع أن يتباطأ النمو، بشكل كبير، في الصين والهند وبقية الدول الآسيوية. نتيجة ذلك تشير التوقعات الى انخفاض الأسعار العالمية للنفط والسلع الأساسية، ما سينعكس إيجاباً على الاقتصاد الأردني، من حيث انخفاض فاتورة المستوردات وتحسن مستوى الصادرات،نتيجة انخفاض كلف الإنتاج نظراً لانخفاض أسعار المشتقات النفطية، ما سيؤدي إلى تحسن الميزان التجاري وزيادة الاحتياطيات من العملات الأجنبية،مما يسهم في تعزيز الاستقرار المالي والنقدي في المملكة. كذلك ستنعكس الأزمة ايجاباً في المدى القصير، على معدل التضخم نتيجة انخفاض الأسعار العالمية للنفط والسلع الأساسية، حيث من المتوقع انخفاض معدل التضخم بشكل ملحوظ العام 2009 ليصل إلى نحو 7 بالمئة بالمقارنة مع نحو 15.8 بالمئة متوقعة لعام 2008. عليه، يتوقع أن يستمر الاقتصاد المحلي على المدى القصير في تحقيق نتائج إيجابية، وأن يحقق نمواً لا يقل عن 5 بالمئة في العام 2009. أثر الأزمة على المديين المتوسط والطويل تحمل الأزمة في طياتها انعكاسات سلبية، ستظهر في المديين المتوسط والبعيد على الاقتصاد الأردني، لكونه اقتصاداً مفتوحاً يرتبط بالاقتصاديات العالمية والمحيطة بعلاقات وثيقة، ويتأثر بصورة مباشرة بالتطورات العالمية والإقليمية. حوالات العاملين في الخارج عرضة للتأثر السلبي، بحكم تراجع حجم استثمارات دول الخليج في أميركا وأوروبا، جراء الأزمة المالية ونتيجة الركود العالمي، وتوقع انخفاض أسعار النفط، والفوائض المالية لدول الخليج، مما سيرتب آثاراً سلبية على اقتصاديات تلك الدول، ويؤثر سلباً على مستوى تشغيل العمالة الأردنية، وانخفاض تحويلاتها من دول الخليج، التي تشكل المصدر الأكبر لحوالات المغتربين والعمالة الأردنية في الخارج. أما الاستثمارات الأجنبية المباشرة FDI فمن المتوقع أن تتراجع، وفي مقدمها الاستثمارات الخليجية، التي تشكل النسبة الأكبر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة، إذ شهدت الاستثمارات العربية الخليجية في الأردن نمواً ملحوظاً خلال السنوات القليلة الماضية، نتيجة ارتفاع الفوائض المالية من عائدات النفط. تشير التقديرات إلى أن حجم الاستثمارات الخليجية المتراكمة في الأردن، حتى نهاية الربع الأول من العام 2008، بلغت نحو 12 بليون دولار موزعة على القطاعات المستفيدة من قانون تشجيع الاستثمار. إلا أن الأزمة المالية الراهنة وتوقع انعكاسها بشكل سلبي على اقتصاديات دول الخليج، وعلى المواقف المالية لكبرى الشركات الخليجية التي تستثمر جانباً من مصادرها المالية في الأسواق العالمية، قد تنعكس تراجعاً في حجم الاستثمارات الخليجية في المنطقة بشكل عام. من جانب آخر، لهذه المعادلة جانب إيجابي، وذلك في حال رغبة الصناديق السيادية الخليجية في تنويع استثماراتها في المنطقة العربية، بعد توقع تحول جانب كبير منها من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يتطلب من الحكومة الأردنية اتخاذ الإجراءات اللازمة، لتطوير المناخ الاستثماري في المملكة واستقطاب أكبر قدر من هذه الاستثمارات. ثالث القطاعات التي ستتضرر نتيجة الأزمة هي الصادرات، لا سيما أن استمرار الأزمة المالية وتعمق الركود الاقتصادي، سيؤديان إلى تراجع حجم الطلب العالمي، مما سيترتب عليه أثر سلبي على الصادرات الوطنية في المديين المتوسط والطويل، بخاصة صادرات المملكة من الألبسة من المناطق الصناعية المؤهلة. أما سعر الصرف، فيتوقع أن يتأثر هو الآخر نتيجة الكساد الذي سيصيب الولايات المتحدة وكونها المتضرر الأكبر من الأزمة، وأن تنخفض قيمة الدولار الأميركي على المدى المتوسط مقابل العملات الأجنبية الأخرى، وكون المملكة تتبع سياسة ربط سعر صرف الدينار الأردني بالدولار، فإن ذلك يؤثر إيجاباً على الصادرات الوطنية. على أن الأزمة تلقي مخاطر على الاقتصاد المحلي، تتمثل في تشكل ضغوط على معدل التضخم في المملكة، نتيجة ارتفاع أسعار السلع المستوردة من دول الاتحاد الأوروبي واليابان، وإلى ارتفاع حجم المديونية الخارجية المقومة بالعملات الأجنبية الأخرى، وبالتالي زيادة حجم أعباء خدمة الدين على الموازنة العامة. من جانب آخر، يؤدي انخفاض سعر صرف الدولار مقابل العملات الأجنبية، إلى ارتفاع درجة انكشاف الاقتصاد أمام العالم الخارجي بخاصة دول اليورو ودول آسيا، مما يشكل ضغوطات كبيرة على الدينار. الاحتياطيات الأجنبية معرضة هي الأخرى لرياح الأزمة، فرغم توافر مستوى مريح من الاحتياطيات التي بلغت نحو 7.5 بليون دولار في نهاية آب (أغسطس) من العام الجاري، وتوقع انخفاض فاتورة النفط، إلا أن المؤشرات السابقة تفقد بريقها، في ظل توقع انخفاض الاستثمارات الأجنبية وتحويلات العاملين من الخارج،وتزايد درجة انكشاف الاقتصاد للعالم الخارجي. ما يشكل ضغطا على الاحتياطيات الأجنبية،لدى البنك المركزي وقدرتها على تغطية مستوردات المملكة وعلى موقف المملكة في تسديد التزاماتها الخارجية. علماً بأنه ليس هناك ما يثير الخوف من تأثر الاحتياطيات بالانهيارات التي تشهدها الأسواق العالمية حالياً، كون هذه الاحتياطيات تستثمر في الودائع والسندات الحكومية الآمنة. يصنف الاقتصاد الأردني ضمن قائمة الاقتصاديات الصغيرة، التي تبقى عرضة للتأثر بالمتغيرات الخارجية دون أن يؤثر بها. ورغم الصدمات الخارجية التي أثرت على الاقتصاد، من ارتفاع في أسعار السلع العالمية والنفط والاضطرابات التي حدثت في الدول المجاورة، إلا أنه تمكن من تحقيق معدلات نمو مرتفعة وصلت بالمتوسط خلال الفترة 2005 - 2007 إلى 6.4 بالمئة وتمكن الاقتصاد من تحقيق نسبة نمو بلغت 6 بالمئة خلال النصف الأول من العام 2008. لكن استمرار الركود الاقتصادي العالمي على المديين المتوسط والطويل، سيؤثر سلباً على العديد من المؤشرات الاقتصادية في المملكة، كحجم الصادرات الوطنية والمستوردات والاستثمارات الأجنبية المباشرة وحوالات العاملين وغيرها. لذلك، فمن المتوقع أن يشهد النمو الاقتصادي تباطؤا خلال السنوات المقبلة، بدءاً بعام 2009 وتحقيق نمو اقتصادي أقل مما تم تحقيقه خلال الأعوام السابقة. |
|
|||||||||||||