العدد 50 - أردني
 

حسين أبورمّان

رغم التباين في زوايا النظر وتنوع المقاربات، فإن مداخلات 41 نائباً ونائبة، في جلسة المناقشة حول الأزمة المالية العالمية، الاثنين 3 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، عكست وضوحاً في المواقف الاقتصادية، يفوق ما عبّر عنه النواب من مواقف في جلسات مماثلة سابقة، هيمنت عليها زاوية النظر السياسية.

النواب الجدد لم يكونوا أقل قدرة من زملائهم القدامى. يفسر ذلك جزئياً أن المجلس الحالي يشتمل على رجال أعمال أكثر من مجالس سابقة، وأن النواب "حضّروا درسهم بطريقة أفضل". وإذا كان هناك من فرق بين مواقف الجدد والقدامى، فهو أن الأخيرين كرسوا مساحة أكبر ضمن مداخلاتهم للخروج باستخلاصات ذات طبيعة سياسية.

التحسن العام على مستوى الخطاب النيابي، لم يقابله تحسن في استخدام النواب لسلطتهم، لحمل الحكومة على الاستجابة للمطالب التي تحظى بتوافق واسع، كما هي الحال في موضوع الرقابة على الأسعار. فقد شكا معظم المتدخلين من النواب من عدم هبوط أسعار المواد التموينية رغم خفض أسعار الوقود وتراجع أسعار المواد الغذائية على الصعيد العالمي، ودعوا إلى بسط الرقابة على الأسعار. عدد من النواب قدموا مقترحات محددة، فقد دعا محمد البدري ويوسف القرنة إلى تشكيل هيئة عليا لرقابة الأسواق، وطالب الأخير بالإسراع في "إصدار قانون حماية المستهلك". ورأى عبد الكريم الدغمي في عودة وزارة التموين فكرة معقولة، فيما دعا محمد أبو هديب إلى عودة وزارة التموين أو تشكيل هيئة عليا لرقابة الأسعار، مستدركاً أن الوزارة أهم. محمد عواد، قال إنه إذا عادت وزارة التموين، "فلن يعود معها إلا الفساد الإداري والمالي".

رئيس الحكومة تجنب في رده على النواب، مناقشة الاقتراحات والمطالب المثارة، واكتفى بالإشادة بالمداخلات والتأكيد أنها موضع اهتمام. أشاد الذهبي بالنواب الذين لم يتحدثوا، معتبراً أنه "كما أن للكلام بلاغة، فإن للصمت بلاغة"، ما يثير تساؤلاً حول قيمة المواقف النيابية التي لا تفصح الحكومة عن اتجاه التعامل معها، بما يعفيها من أي التزامات محددة.

رئيس المجلس عبد الهادي المجالي، ذكّر النواب بالحق الذي يحفظه لهم النظام الداخلي في طرح الثقة بالحكومة أو بأحد الوزراء. التذكير قوبل بابتسامة من الذهبي، الذي لم يسمع إلا عبارات الإطراء والإشادة بالبيان الذي تلاه في بداية الجلسة، وبسياسة الحكومة.

في مجال الربط بين مناقشة تداعيات الأزمة العالمية والاستخلاصات السياسية، قال ممدوح العبادي: "أسجل أن النظام الرأسمالي ليس السبب الحقيقي لما جرى، بل عدم المراقبة والفساد المالي في البنك الفيدرالي الأميركي". العبادي هو رئيس الفرع الأردني لمنظمة "برلمانيون عرب ضد الفساد". العبادي طالب الحكومة أن تقدم دراسة لإعادة النظر في المؤسسات المستقلة وهيئات التنظيم، وركّز على ما تتطلبه من إنفاق أموال، وما تمثله من ازدواجية مع الوزارات ذات الصلة.

بسام حدادين قال: "المدرسة الفكرية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تسببت بالأزمة الاقتصادية والمالية، لها بين ظهرانينا متحمسون ومدافعون"، وأضاف أن هذه النخب "هيمنت على دفة الاقتصاد، واندفعت نحو تسريع برامج الخصخصة وتشكيل المجالس والمؤسسات المستقلة"، وتابع أن المشكلة الأهم هي رفضها قبول الحوار والمشاركة للوصول إلى رؤية وبرنامج وطني للتعامل مع عصر العولمة، وتوجهات انسحاب الدولة من الأنشطة الاقتصادية المباشرة. واستدرك حدادين أن هذا لا يعني العودة إلى دولة القطاع العام أو العودة عن سياسة الانفتاح، معتبراً أنها ليست مناسبة لأصحاب الفكر الشمولي ولا التيار المحافظ "ليصطهجوا"، أو ليذكّروا بمقولة "ألم نقل لكم".

عبد الكريم الدغمي، طالب الحكومة بالحزم في "إقصاء كل مسؤول (وهم كثر) من أصحاب النظرية الاقتصادية الليبرالية المتطرفة". وأوضح أنه لا يدعو إلى "النظرية الشمولية أو دولة القطاع العام"، بل يدعو إلى مسؤولين "يؤمنون بما ورد في بيان دولته من أن اليد الخفية للسوق يجب أن تضبطها يد ظاهرة لهيئات الرقابة الحكومية".

نواب جبهة العمل الإسلامي، رأوا في الموضوع مادة دسمة لتسليط الضوء على مسألة الربا والترويج للبنوك الإسلامية. محمد القضاة، دعا الحكومة أن تعمل على "أسلمة البنوك الربوية"، وإلى عدم الاقتراض منها، مشيراً إلى أن "حجم الأصول المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية يبلغ 400 مليار دولار".

عزام الهنيدي، دعا للتوجه نحو "أسس الاقتصاد الإسلامي والاهتداء بهديها"، و"السماح بمزيد من البنوك الإسلامية". وانتقد محمد عقل "مدرسة الليبرالية المتطرفة"، ودعا إلى اشتقاق "نظام اقتصادي يأخذ حسنات المدارس الاقتصادية العالمية ولا يرتبط بها بلا انفكاك"، مؤكداً الحاجة إلى إعادة قراءة الاقتصاد الإسلامي الذي سيطر على الاقتصاد العالمي 1300 عام.

حمزة منصور رئيس كتلة النواب الإسلاميين، شدّد على موضوع النظام الربوي، وتساءل: هل نحن بمنأى عن "النظام الرأسمالي الآيل للسقوط"، بحسب تعبيره.. ورأى أن الفرصة سانحة "ليتقدم عقلاء الأمة بنظام عادل، متسق مع الفطرة". سليمان السعد، دعا إلى "العودة إلى النظام الاقتصادي الإسلامي"، مشيراً إلى تعالي "صيحات الاقتصاديين الغربيين الموضوعيين بأن الحل الوحيد هو الاستفادة من نظام اقتصادي إسلامي".

في الموقف من الإجراءات لمواجهة الأزمة، اتفق عدد كبير من النواب على تثمين ضمان الودائع في البنوك الأردنية حتى نهاية العام 2009. محمد عواد وعدنان العجارمة شكَرَا الحكومة على ذلك. زياد الشويخ قدّر لها "التوجه الحكيم". الدغمي وصف الإجراء بـ"أكثر من معقول". حدادين قال إن الحكومة أحسنت بهذا الإعلان. القضاة رأى أن القرار خفف من آثار الأزمة. السعد عدّها خطوةً في الاتجاه الصحيح. وتساءل خالد البكار، عن الإمكانيات المتوافرة لدى الحكومة لضمان الودائع، فيما ذهب مشيل الحجازين إلى أنها خطوة في الإطار السياسي.

النواب كانوا أكثر حذراً إزاء سياسة مستقرة بربط الدينار بالدولار، فقد ثمّن محمد عواد عملية الربط، بينما دعا عدنان العجارمة إلى ربط الدينار بسلة عملات.

جلسة المناقشة النيابية للأزمة المالية العالمية: خطاب اقتصادي متقدم لا نتائج له
 
06-Nov-2008
 
العدد 50