العدد 50 - أردني | ||||||||||||||
تقوم وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس، برحلة وداعية في المنطقة، بعد ثماني سنوات من دبلوماسية عبثية أوصلت القضية الفلسطينية إلى طريق مسدودة، رغم الوعود البراقة، وتركت النار تحت رماد عراق آيل للتفتت. تأتي رايس إلى عمّان خلال الساعات المقبلة، وقد تغيّر ساكن البيت الأبيض، وسط توقعات بترحيل جهود السلام الأميركية إلى أجل غير مسمّى، أمام طغيان ملفات داخلية ودولية – من أفغانستان إلى العراق- على أجندة الإدارة الأميركية الجديدة. إنها جولة رايس المكوكية العاشرة، منذ مؤتمر أنابوليس أواخر العام الماضي، حين جدّد الرئيس السابق جورج بوش التعهد بإقامة دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته الثانية. على أن "اللعبة انتهت" (The game is over)؛ طبقا لتوصيف يسقطه سياسي أردني مخضرم على دبلوماسية المحافظين الجدد، حيال محاولات إنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. يذكّر هذا المصطلح بعبارة ممثل العراق لدى الأمم المتحدة محمد الدوري، التي قالها للصحفيين عقب دخول الجيش الأميركي إلى بغداد في 9 نيسان/أبريل 2003. مسؤول آخر ينعى "المسار الفلسطيني"، كما نعاه قبل أشهر في عمان أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى. ويتوقع المسؤول تكثيف محاولات الدوائر الأميركية المتصلة باللوبي الصهيوني واليمين الإسرائيلي، لتوريط الأردن بدور أمني وإداري في الضفة الغربية. إرهاصات "المؤامرة" أطلت برأسها قبل ثلاث سنوات، حين انسحب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارييل شارون من قطاع غزّة، في إطار خطة فصل أحادي الجانب، أراد إسقاطها لاحقاً على الضفة الغربية، قبل أن يتهاوى أمام المرض. إذن، فإن استراتيجية إسرائيل تتمحور حول محاولة "تعكيم" جزء من الضفة الغربية، بعدد سكانها المليونين ونصف المليون نسمة للأردن، وإلحاق قطاع غزّة بمصر- امتدادا للترتيبات التي سبقت وقوع هاتين المنطقتين تحت الاحتلال الإسرائيلي العام 1967. فلماذا تأتي رايس إلى المنطقة فيما تلتئم الرباعية الدولية بحضورها؟ لتقديم العزاء بمسار السلام أم لحقن شعوب المنطقة وقيادات دولها، بجرعات جديدة من المورفين لحين البحث عن مبادرات وخرائط طريق وهمية جديدة؟. منذ خطّة روجرز قبل أربعة عقود، جالت في المنطقة عشرات الوفود الأميركية ضمن مهمات "تقصي حقائق" أو لطرح مبادرات تلو المبادرات. رئيس الديوان الملكي الأسبق عدنان أبو عودة، يؤكد أن استراتيجية إسرائيل ظلت متكئة على مدى العقود الماضية على قاعدة "شراء الوقت". وجاءت الدبلوماسية الأميركية لتمرير هذه القاعدة. مسؤول بارز يؤكد أن الأردن، وسائر ما يُعرف بـ"دول الاعتدال"، وصلوا إلى قناعة بـ"عبثية الجهود الأميركية أمام تخندق إسرائيل خلف عقلية القلعة". تشعر هذه الدول بالمرارة حيال إغلاق نافذة الفرصة الأخيرة، التي ما فتئ الأردن يطالب باستغلالها منذ مطلع العام الجاري. الخيار الوحيد أمام الأردن الآن، يكمن في مواصلة الترويج للسلام مع الاستدارة لإعادة ترتيب البيت الداخلي- لا سيما الانفتاح على مختلف مكونات المجتمع، إشاعة الحريات العامة وتحرير الصحافة. يجادل مسؤولون سابقون بأن الأردن – كغيره من دول المنطقة-، حصروا رهانهم بالتوصل إلى سلام بعيد المنال على حساب تنمية المجتمعات المحلية وانتهاج التعددية السياسية. واليوم، يفترض أن يشكّل الارتداد إلى الداخل مصدّا في مواجهة تداعيات فرص السلام؛ بما فيها إلحاق غزة بمصر والضفة الغربية بالأردن. وتتساءل النخب الأردنية فيما إذا ستتجه الحكومة لنفض الغبار عن مجلدات الأجندة الوطنية، التي وضعت بين عامي 2003 و 2005 لتشكل خريطة طريق متعددة المسارب لعشر سنوات، بهدف تطوير المملكة اقتصاديا وسياسيا ومجتمعيا. وزير البلاط ووزير الخارجية الأسبق مروان المعشر، مهندس الأجندة وصاحب كتاب "نهج الاعتدال العربي"، يستبعد حصول أي تقدم في غياب انفتاح السلطة على مختلف مكونات المجتمع المحلي. ويتحدث المعشر عن "إصلاح تدريجي" يأخذ في الاعتبار الخصوصية الأردنية. لذلك آن الأوان لتغليب مبدأ الحوار الوطني، والبحث عن ترياق داخلي بدل ملاحقة مورفين المفاوضات مع عدو غير معني بنجاة المريض. وإلا، فإلى اللقاء رايس؛ بانتظار بائع متجول جديد من واشنطن حاملا بضاعته المستهلكة. |
|
|||||||||||||