العدد 50 - أردني | ||||||||||||||
السّجل - خاص في المنطقة العربية، كما هي الحال في كثير من دول العالم الثالث، يختلف دور الدولة في المجال الاقتصادي، جوهرياً عن المسار الذي اتخذته الرأسمالية المتقدمة. وفي ظل ضعف البنى الاقتصادية الرأسمالية وضعف مبادرة البرجوازية، وارتباطها بعجلة الرأسمالية في الغرب، قامت الدولة بقيادة عملية الرسملة لنظامها الاقتصادي، وبذلك فإن صيرورة التحول للرأسمالية تمت بمبادرة، أو على الأقل، بمساعدة ذات قيمة من قبل الدولة. المشاريع الاقتصادية الكبرى تولت الدولة إنشاءها، أو ساهمت بها بقدر كبير، وقد خدم هذا التوجه شرعية تلك الدول التي استقلت لتوها عن الاستعمار، ورفعت شعارات المحافظة على الاستقلال. وكان مصدر قوة الدولة ونجاحها وإنجازها، يقاس بمقدار حجم القطاع العام ومساهمته في المشاريع الاقتصادية، ولعل أهم نموذج للدولة القائدة في الاقتصاد وتطويرالقطاع العام هي مصر الناصرية بجدارة. لم تلغ تلك الدولة القطاع الخاص.. فالإصلاح الزراعي بحد ذاته أنشأ طبقة اجتماعية ضخمة، من صغار الملاك الزراعيين، كما تركت الدولة مساحة مهمة للقطاع الخاص في مجال الخدمات والعقارات والتجارة. في حين أخذت على عاتقها المشاريع التصنيعية الكبرى، وحققت معدلات نمو مرتفعة سنةتلو سنة. سرًع تدخل الدولة في الاقتصاد من عجلة سيرورة التحول الرأسمالي في تلك الدول العربية، من خلال ربط دورها في الاقتصاد بأيديولوجيا الاستقلال وحمايته، وتمتع هذا التوجه بقاعدة اجتماعية جماهيرية كبيرة تؤمن به وتلتف حوله كالاتحاد الاشتراكي في مصر أو الأحزاب الحاكمة في دول عربية أخرى. من المهم الإشارة إلى أن تدخلية الدولة في الاقتصاد في المنطقة العربية، تم بتشجيع ومباركة مؤسسات مالية دولية كالبنك الدولي الذي اقترح بناء السد العالي، كما اقترح أن تقوم الدولة الأردنية بإنشاء مصفاة للبترول. دول مثل السعودية أو المغرب أو الأردن وهي مناوئة للاشتراكية في توجهها الأيديولوجي، أخذت بمبدأ تدخلية الدولة وقيادتها للنشاط الاقتصادي. الحالة الأردنية نموذج فرضته الظروف الموضوعية، لا الاتجاه الأيديولوجي ما أضعف السوق الأردني، وبخاصة بمعزل عن إطاره الطبيعي بلاد الشام. ضعف البنى التحتية وعدم تراكم رأس المال تاريخياً، جعل من الدولة منذ نشأتها ذات طبيعة تدخلية، مع اعتناقها واعتمادها للنموذج الرأسمالي الحر. بل إن صراع بعض النخب السياسية مع بريطانيا المنتدبة، كان قائماً على السخط من عدم مساهمة الانتداب، في تحفيز الاقتصاد وإبقائه ساكناً قائماً على الكفاف. وفي حين كانت الغاية في مصر والدول ذات التوجه شبه الاشتراكي، إرساء التوازن بين فئات المجتمع ومقاومة أطماع الاستعمار، كان الحافز في الأردن موضوعياً وغير أيديولوجي، فتوسع القطاع العام وشاركت الدولة أو بادرت لإنشاء مشاريع اقتصادية كبيرة. على أن انسحاب الدولة من دورها في المجال الاقتصادي لم يبدأ، كما يروق للبعض أن يراه، في السنوات القليلة الماضية فحسب، فقد بدأ مع النصف الثاني من الثمانينيات، في سياق عجز الموازنة وعدم القدرة على تسديد الديون، وانخفاض قيمة الدينار، وضمن تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي كشرط استباقي، لأي تفاوض حول مديونية البلاد. ولم تأت الإجراءات من خلال تيار فكري يضغط بهذا الاتجاه، إذ إن ميلاد هذا الفريق جاء من رحم الدولة ليبرر الإجراءات التي قامت بها الدولة وليس لقيادة هذا التيار، الذي جاء نتيجة طبيعية لانسحاب الدولة والخصخصة كتيار يبرر الإجراء ولا يقوده. لقد بادرت الدولة من جانبها بالحد من دورها في الاقتصاد. فإذا كان انسحاب الدولة والشروع في الخصخصة بدأ قبل نهاية الثمانينيات، كاستجابة لمتطلبات صندوق النقد الدولي والمانحين، فمن الخطأ الفادح الادعاء بأن النخبة السياسية الحاكمة تضم المدافعين عن تدخل الدولة في الاقتصاد ومن يطالبوا بانسحابها. الدولة نفسها تقوم بالانسحاب من المجال الاقتصادي. الصراع السياسي الذي نشب خلال أشهر الصيف وقبيل الأزمة الاقتصادية لم يكن على خلفية تعريف دور الدولة في الحياة الاقتصادية، فمن نعتوا أنهم محافظون جدد او ليبراليون جدد، كانوا قائمين، وبالدرجة نفسها على انسحاب الدولة من الاقتصاد، دون أن يكون هناك بعد سياسي لمثل هذا الانسحاب على الديمقراطية. فالصراع في أفضل حالاته دار حول من يقود الملفات الهامة في البلاد، أو من يشرف على مزيد من الخصخصة. الأزمة الاقتصادية العالمية وعدم نجاح العديد من برامج الخصخصة الاقتصادية في الأردن، يمثل فرصة ممتازة لفتح حوار حول دور الدولة في الاقتصاد بصفة عامة، وبالذات في مجالات حيوية مثل: التعليم والصحة والنقل. |
|
|||||||||||||