العدد 50 - كتاب | ||||||||||||||
لا يدري أحد متى تنتهي الأزمة المالية التي يمر بها العالم. فمنذ وضعت التريليونات من الدولارات في خدمة المصارف الآيلة للسقوط، وتم ضمان الودائع لفك الجليد عن السيولة الراكدة في الاقتصادات القُطرية وعبر الدول، ومنذ خفضت أسعار الفوائد إلى أن وصلت الأمور حد منح الشركات والأفراد المقترضين أموالا شبه مجانية، ولحثهم على الإنفاق استهلاكا واستثمارا، والأزمة ما زالت مستعرة. وتدل على ذلك مؤشرات كثيرة نجد منها: تقلب أسعار صرف العملات حيال بعضها بعضا، انكفاء سعر النفط بسرعة مذهلة، تقلب أسعار البورصات وتغير حظوظ المضاربين وأرباحهم، أو خسائرهم، من يوم إلى آخر، تقلب أسعار السلع الرئيسية وانخفاضها. وحتى لو سيطرت السلطات المالية والنقدية في العالم على الأزمة المالية، فإن ذيولها ستبقى معنا لفترة طويلة، وإن الانكماش الاقتصادي في كثير من دول العالم صار نتيجة محسومة. ومع التشديد على أن الاقتصاد الأردني، بحكم استثماراته الخارجية في أوراق مالية متعافية "غير مسمومة"، وبحكم إجراءات الحكومة، قد عزل نفسه عن كثير من الأضرار والخسائر، إلا أن الأثر النفسي للأزمة ما زال العنصر المهيمن على تقلبات سوق البورصة، واتباعه سلوك البورصات العالمية نفسه. كما أن استمرار الأزمة، وتأثيرها على اقتصادات الدول التي تربطها بالأردن علاقات اقتصادية وثيقة مثل أوروبا والولايات المتحدة، وأهم من ذلك مجموعة دول الخليج، والهند والصين، يحول بين الأردن والركون تماما إلى أن الأزمة، إن طالت وبقيت على حالها من التقلب السريع، فإنها لن تؤثر على مجرياته الاقتصادية. في ضوء ذلك كله، لا بد أن تُراقب أسعار العملات، وأسواق البورصة وأسعار النفط والذهب، وأسعار صرف الدولار والصادرات الأردنية، خاصة السمادية منها (الفوسفات والبوتاس)، وأسعار المستوردات الغذائية وحجم الاستثمارات الآتية للأردن، وحجم الاستثمارات الخارجة منه، ومراقبة أداء البنوك، وأسعار الأسهم. وأُقدّم هنا فكرة يشاركني فيها عدد من الأخوة الذين بادروني بها، ممن يغارون على مصلحة هذا البلد؛ هي أن تنشيْ الحكومة غرفة عمليات تجمع أعضاء من القطاع العام والقطاع الخاص وبعض المختصين، لترصد في صورة يومية المؤشرات العالمية ومؤشرات الاقتصاد الأردني، وتجتهد في وضع الإجراءات والسياسات المناسبة، وتتصل بالناس لتعرف آراءهم، وتُطمئنهم. ويسند هذه الغرفة فريق من الباحثين والإحصائيين الذين يجهزون المعلومات والبيانات للاطلاع عليها أولا بأول، لمواجهتها بالإجراء الصحيح. كما أن هذه الأزمة تنطوي على فرص للأردن. والمطلوب، هو اقتراح خطوات وإجراءات، وتبني المناسب منها لكي نستفيد من الجهود الملكية المتميزة والفرص التي تخلقها نشاطات الملك عبد الله الثاني، وبلورتها في صورة إجراءات ومشروعات ملموسة عملية. إن قدرة الأردن، بقيادته ومؤسساته وقدراته على مواجهة نتائج الأزمة الاقتصادية العالمية واحتوائها، تعطي الآخرين مزيدا من الثقة والاطمئنان في هذا البلد الفتي وتشجع الآخرين على الاستثمار فيه والتعامل معه. إن إنشاء مثل هذه الغرفة لا يعكس حالة خوف، بل يعكس حالة ثقة وعمل إيجابي، وحالة مشاركة فعالة من مختلف الجهات، لمواجهة الآثار وتحويل سيوف الأزمة إلى محاريث، ويعطي الدليل القاطع على أن الحكومة واثقة من نفسها ومتصلة مع غيرها من المؤسسات والأفراد القادرين على دعم قرارها. |
|
|||||||||||||