العدد 50 - أردني
 

حسين أبو رمان

بعض البنى الكلاسيكية للمجتمع المدني في الأردن من نقابات مهنية وأحزاب سياسية وهيئات أعمال، تستشعر المسؤولية تجاه مخاطر الأزمة المالية العالمية على البلاد، لذا فإنها تبحث عن إسهامها الخاص في بلورة الأجوبة المناسبة أو التعبير عن موقفها تجاه ذلك. لكن الجيل الجديد من مؤسسات المجتمع المدني من منظمات حقوق إنسان وبيئة ما زالت غائبة عن المشهد.

النقابات المهنية من جهتها، تستعد لعقد مؤتمر اقتصادي في موعد قريب كي تقدم رؤيتها الخاصة لتفسير أسباب الانهيار المالي العالمي، وكيفية مواجهة آثاره السلبية على الأردن.

وصفي الرشدان، رئيس مجلس النقباء ونقيب أطباء الأسنان، قال في تصريح لـ "ے" توقفنا أمام الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها المحتملة على الأردن، و"اخترنا ألا نلجأ إلى وسائل التعبير أو الاحتجاج التقليدية التي لم تعد مجدية أو مؤثرة بالضرورة، وقررنا عقد مؤتمر اقتصادي غير خطابي، يستند إلى جهد علمي وإعداد أوراق عمل متخصصة". وأضاف بأن مجلس النقباء شكّل لجنة تحضيرية من ممثلين عن النقابات المهنية، ستقوم بدعوة غرف الصناعة والتجارة والأحزاب السياسية بأطيافها المعارضة والوسطية، والجهات والخبرات المعنية بالشأن الوطني العام للمشاركة في أعمال المؤتمر.

الرشدان أكد أيضاً أنه سيتم توجيه" الدعوة للأطراف الحكومية المعنية للمشاركة في أعمال المؤتمر، بما يتيح سماع الرأي والرأي الآخر، والبحث عن حلول علمية للمشاكل التي تواجه الأردن مع كل المعنيين من حكومة ومجتمع مدني".

واعتبر رئيس مجلس النقباء للدورة الحالية أن النقابات المهنية تجسد بذلك القول المأثور للملك الحسين من أنها "بيوت خبرة". وقال "نحن بصفتنا جزءا لا يتجزأ من مؤسسات الوطن، شركاء له في السراء والضراء ومعنيون بعملية التنمية الوطنية الشاملة كي نسهم بتقدم الأردن تجسيداً لواجبات المواطنة علينا".

كذلك أوضح الرشدان أن الأزمة العالمية ليست وليدة اللحظة، وأن مواجهة مشاكل البلاد الاقتصادية تتأثر بالسياسات السابقة، موضحاً أن النقابات المهنية تطالب الحكومة بإعادة النظر في سياساتها، واتخاذ إجراءات سريعة لفرض رقابة حقيقية على الأ سعار، وعدم تمكين فئات من التجار تتحكم بها بدعوى حرية السوق.

يلتقي الناطق الإعلامي لحزب جبهة العمل الإسلامي رحيّل غرايبة مع الدعوة لعقد مؤتمر وطني اقتصادي لتدارس الحلول المناسبة لحماية الاقتصاد الأردني، بمشاركة كل الأطراف المعنية من حكومة وأحزاب ونقابات وقطاع خاص.

وأوضح الغرايبة أن حزبه طالب الحكومة "بوقف سياسة خصخصة المؤسسات الوطنية وشراء نسبة من أسهم الشركات الوطنية،" معتبراً أن ذلك "سيسهم في السيطرة على الأزمة المالية المحلية ويساعد في ضبط إيقاع السوق الأردنية". وأضاف أننا نطلب من الحكومة أن تقف وقفة تقييمية للسياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة بالتعاون مع كل الخبرات في هذا البلد "للبحث عن مسار اقتصادي بديل ثابت ومدروس". وشدّد على "وقف مشاريع الخصخصة وبيع أراضي الدولة التي على "النار" كمشروع خضخضة البريد وبيع أراض في دابوق".

على صعيد آخر، وجّه "التيار الوطني الديمقراطي"، وهو ائتلاف من ثلاثة أحزاب معارضة وشخصيات يسارية وقومية، مذكرة إلى رئيس الوزراء نادر الذهبي لتعريف الحكومة بتصوراتهم حول تداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الأردني، ورؤيتهم لكيفية مواجهة آثارها المتوقعة على الأردن.

هيئة رئاسة التيار لم تكتف بتقديم رؤيتها لمعالجة الانعكاسات المباشرة للأزمة، وإنما قدمت خطوطاً عامة لمواجهة مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك على صعيد الإصلاح السياسي.

فهمي الكتوت، الناطق الإعلامي باسم التيار الوطني الديمقراطي، أوضح لـ "ے" أن مذكرة التيار إلى الحكومة استندت إلى تشخيص الانعكاسات السلبية والإيجابية للأزمة المالية العالمية، معتبراً أن الاقتصاد الأردني سيتأثر بالأزمة مثله مثل غيره من الاقتصادات العربية، لكن ليس بالقدر الذي ستتأثر به الدول العربية النفطية.

واعتبر الكتوت أن مواجهة تداعيات الأزمة يتطلب من الحكومة أن تتبنى برنامجاً استثنائياً، وأنه كان من المفترض أن يكون ذلك من خلال الموازنة العامة، لكن الحكومة لم تفعل. فالنفقات تزيد على نفقات العام الحالي بقيمة 500 مليون دينار، والإيرادات الضريبية بقيمة 390 مليون دينار، بينما المتوقع هو انخفاض الأخيرة. ودعا إلى الاستغناء عن جزء كبير من النفقات الرأسمالية خارج نطاق المشاريع الملحة ذات الصلة بالصحة والتعليم والبنية التحتية.

وزير المالية حمد الكساسبة صرّح لصحيفة العرب اليوم (2/11) أن بيانات مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2009 جرى تعديلها وفقاً للتغيرات في الأسواق العالمية وتحوطاً لأثرها على الاقتصاد الوطني، لكن الوزير لم يعط أمثلة تدعم وجهة النظر هذه.

أما بخصوص معدلات الفائدة، فأشار الكتوت إلى أن هناك انخفاضاً كبيراً في معدلات الفائدة في العالم، بينما حافظت الفائدة في الأردن على ارتفاعها. خفض الفائدة مفيد للاستثمار، وبخاصة بالنسبة للصناعة. لافتاً إلى أن الأردن ملتزم باتفاقية منظمة التجارة العالمية أكثر من الدول التي فرضت هذه الاتفاقية. ودعا إلى الاهتمام بالصناعة الوطنية وتأمين تسهيلات خاصة لها.

يلتقي هذا التوجه، مع الرؤية التي ركز عليها مدير عام غرفة صناعة الأردن، زكي الأيوبي، باعتبارها رؤية موضوعية تلبي مصالح الصناعة الأردنية. وقال "إننا نأمل أن تؤدي الإجراءات التي ستتخذها الحكومة والبنك المركزي إلى زيادة السيولة داخل قطاع الأعمال، وليس العكس، فالأزمة وصلت إلى الاقتصاد الحقيقي عن طريق أزمة ائتمان، هذا يتطلب توفير السيولة للعملية الإنتاجية عن طريق خفض الفائدة لقطاعات معينة في مقدمتها القطاع الصناعي، وخصوصاً المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل 90 بالمئة من المنشآت الاقتصادية، آخذين بالاعتبار أن الدورة الاقتصادية للصناعة طويلة."

كما أوضح الأيوبي حاجة الصناعة في الأوضاع الراهنة إلى استرداد ما تدفعه لضريبة المبيعات في فترات زمنية أقصر. وأشاد بسرعة تحرك الحكومة لمواجهة تداعيات الأزمة، وتشاورها المستمر مع قطاع الأعمال، لافتاً إلى أن الغرفة ستضع الحكومة ووسائل الإعلام في صورة أية توجهات أو مواقف تبلورها في القادم من الأيام.

وأضاف الكتوت، الخبير الاقتصادي في التيار الديمقراطي، أن الدولار يعيش وضعاً جيداً قياساً بالعملات الأخرى، لكن هذه الحالة لن تدوم. وتوقع أن يتم الاتفاق في الاجتماع الدولي المقبل، المخصص لبحث الأزمة، على تخلي الدولار عن دوره في تسعير النفط، وهذا سيؤثر على قوته ودوره. ورأى الكتوت أن الدولار سوف يتجه لاحقاً نحو الانخفاض، مشيرا إلى أن هذه ليست دعوة لفك ارتباط الدينار بالدولار فوراً، لكن ينبغي التهيئة لفك الارتباط واختيار الوقت المناسب لذلك، لصالح الارتباط بسلة من العملات حتى تكون البلاد في منأى عن أي تقلبات درامية.

حزب الرسالة الأردني الذي يعتبر نفسه حزباً ليبرالياً ومن دعاة اقتصاد السوق، لا يتفق تماماً مع وجهة النظر هذه، حيث أكد أمينه العام، حازم قشوع، أن على الأردن أن يتمسك بربط الدينار بالدولار. واعتبر أن أهم السياسات التي يتعين على الحكومة أن تأخذ بها في الفترة المقبلة هي جذب استثمارات خاصة لمساحات زراعية واسعة في البلاد، وبذل الجهود اللازمة لتأمين التمويل لمشروع قناة البحرين (الميت- الأحمر) في نطاق رؤية متكاملة لتوفير المياه والأمن الغذائي، والعمل على تسويق الأردن كمكان ملائم للاستثمار، ومعالجة العوائق البيروقراطية التي تعرقل جذب الاستثمار.

أما حزب الجبهة الأردنية الموحدة، فقد دعت قيادته بهذا الخصوص إلى إجراء تقييم لسياسة ربط الدينار بالدولار وانعكاساتها على المصالح الاقتصادية الوطنية. وشدّد الحزب في بيان له على ما أسماه "تعزيز استمرارية التواجد الاستثماري العربي والأجنبي" في الأردن، وحفز المزيد من الاستثمارات، كما طالب البنك المركزي بإجراء مراجعة فورية لسياساته النقدية، وإعادة النظر في أنظمة السيولة، وخفض الفوائد لتشجيع الاستثمار. واعتبرت قيادة الحزب أنها "في حالة انعقاد دائم"، من أجل رصد ومتابعة تطورات الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها، واقتراح السياسات والآليات التي تسهم في تحصين اقتصاد الوطن ونظامه المالي والنقدي.

المجتمع المدني والأزمة العالمية: تنوع في الرؤى والاجتهادات
 
06-Nov-2008
 
العدد 50