العدد 50 - بورتريه | ||||||||||||||
خالد أبو الخير ولدت في فلسطين، ونشأت في دمشق، وترعرعت وعاشت في عمّان. مدخل بيتها في أبي نصير، يذكر بحدائق منسية، وقد يقود إذا شاءت أو لم تشأ، إلى حديقة أخرى، تسير على أديمها طفلة في دروب «أهل الطريق» بين أشجار الكباد، والجارنج، وأزهار النارنج، والياسمين بألوانه الأبيض والأصفر والعراقلي «العراقي». تلك بعض صورة بيت العائلة في حي البحصة القديمة بدمشق، الذي لم يعد له وجود. «سكنا في بيت عربي قديم، فيه «بحرة» وحديقتان واحدة في «أرض الديار» والثانية يفضي إليها باب. كانت مقر لقاءات أبي بتلامذته ومريديه. أقرأ فيه «الوظيفة» وأوراد من كتاب الحسن الشاذلي، ثم تقام الحضرة والأناشيد، فأجد نفسي، وأنا ما زلت طفلة أحلق، دون أن أدري أنني أعلو». ما زال بالبال صوت أبيها عبد الرحمن، يقرأ من كتاب «المسامع» للمتصوف الشيخ علي وفا ابن بحر الصيف المصري، ويتضمن نفثات روحية عرفانية على شكل نصوص تطول وتقصر وتبدأ دائما بـ «اسمع» وتنتهي بـ «فأفهم». الكتاب المخطوط من ضمن مقتنياتها الأثيرة. «كان والدي من اتباع الطريقة الشاذلية اليشرطية وهي غير الشاذلية المصرية، أتى بها من تونس الى بلاد الشام جدي الأكبر الشيخ علي نور الدين اليشرطي، وكان هاجر الى مكة، على عادة أهل الطريق الذين كانوا يطلقون على تلك الهجرة «الجوار»، واستمرت لسبع سنوات، ثم قفل عائداً الى تونس بـ «البابور» أي الباخرة، فضربها «النو» قرب الساحل الفلسطيني، فهجرها ركابها إلى عكا التي أقام بها الى أن مات. ثم أتى ابنه من تونس ونشر الطريقة. ويقال إن والدة آخر سلاطين بني عثمان «عبد الحميد» من أتباع الشيخ علي نور الدين، ويقال إن السلطان كذلك». الرواية تنقلها زليخة عن جدتها. عمل والدها في التجارة ولم يصب نجاحاً، كونه شاعراً ومتصوفاً يفتقر إلى حيلة التجار وقدرتهم على الثبات في سوق متقلب. رحلات العائلة إلى «تل كلخ» وقرية القميرة، على الدواب، شكلت واحدة من أجمل ذكرياتها. فقد ارتبط والدها بعلاقة مع شيوخ الزعبية هناك، وانشأ معهم أول مشروع لزراعة القطن في سورية، لم يكلل بالنجاح بسبب الجهل بتقنيات مكافحة الدود الذي آتى عليه. بدائية القميرة الواقعة في مهب الجبال أثارت مشاعرها، فلا كهرباء أو ماء ولا شوارع عدا تلك التي يطرقها البشر والدواب، النبع هو المكان الذي يستحم فيه الناس «يوم للنساء ويوم للرجال»، ويغسلون ملابسهم بضرب الملابس بـ «المضراب»، وهي عصا من خشب لين. فضلاً عن حفلات سمر وحلقات دبكة يتشارك بها شبان وفتيات.. حتى أفول القمر. الشعر حديث العائلة اليومي، فوالدها وأشقاؤها شعراء، وعمها ذائع الصيت «عمر أبو ريشة»، وأشقاؤه شعراء. «حفظنا في البيت ديوان «عمر أبو ريشة» عن ظهر قلب، أحياناً كان يقرأ علينا قصائد لم تنشر. بعد وفاته نجح حاضرون في تسجيل بعضها، منها ما هو سياسي شديد اللهجة تجاه النظام السياسي، وأعتقد أن سورية الرسمية لم تحتف بعمر أبو ريشة، كما ينبغي لهذا السبب». حلت زليخة أبو ريشة في عمان في عمر 16 سنة، سكنت العائلة في جبل الجوفة أيام كان «رومانسياً وسكانه قليلون، يسكنه أرستقراط ونخبة من الطبقة المتوسطة». أنهت التوجيهي العام 1962، وانتسبت في السنة نفسها للجامعة الأردنية دارسة للأدب العربي. حازت الليسانس في اللغة العربية وآدابها العام 1966. لما لم يكن ثمة مجال أمام المرأة للعمل سوى التعليم، عملت في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» وفيها أمضت جلّ حياتها العملية. حرب الأيام الستة تركت أثرها فيها، خصوصاً مع تصاعد خطاب تراه غريباً فحواه أن سبب إخفاقنا في الحرب يرجع لبعدنا عن الدين. «هذا الخطاب الجديد كليا في الوطن العربي أخذ يتجمع ويشتد، وأدى تدريجياً الى طرح فكرة حجاب المرأة، كأن المرأة هي المسؤولة عن الهزيمة، وتحديداً جسد المرأة». تسرح قليلاً: «في طفولتي كنت محجبة، فقد نشأت في أسرة متدينة، لكن البعد الديني عندها كان شفافاً، والجو العام كان قومياً في فترة عبد الناصر، وتدين الناس بسيط غير مفذلك، وكان عفوياً. حتى عندما تطرح أفكار مخالفة كانت تلقى القبول. التوازن كان موجوداً. لا يحمل أحد على الآخر سلاحاً بداعي الاختلاف.هكذا قرأت أعمال سلامة موسى الملحد الذي كان ينشر في الثلاثينيات والأربعينيات بحرية. كما قرأت طه حسين ومشروعه التنويري، ثم مصطفى صادق الرافعي ومشروعه المحافظ. إلى أن أتت حرب الـ 1967 فدمرت التآخي بين الأفكار. المجتمع العربي كان أرحب صدراً وأكثر فروسية وأنظف. هذا الخطاب ابن النكسة، إذا كان لا بد أن نسميها نكسة. لأنه أسس الهزيمة في النفس والروح، لدرجة لم يعد ثمة خلاص منها. منذ 50 عاماً نجتر النكسة ولا نخرج منها. لأن الخطاب الذي تلاها ضعيف ومغرض. به حقق الإسلامويون وجوداً سياسياً لهم». تزوجت في العام 1969: «كنت طفلة لا أعلم ما هو الزواج، ولدي أفكار رومانسية، عشنا معاً فترة طويلة وأنجبنا بنتا «ربى» وولداً «غيث». اعتقدت أن الزواج مؤسسة محبة واكتشفت أنه مؤسسة سلطة، فرفضتها». تجادل بأن تجربة الزواج عطّلت إبداعها الأدبي، واستنزفت قواها، إلى أن كانت الكتابة خلاصها. مجموعتها القصصية الأولى حملت اسم «في الزنزانة» صدرت في مصر العام 1986. بدأت كتابة مقالة أسبوعية في «الرأي» العام 1981، واستمرت بها إلى أن تركتها قبل أشهر «لسوء المعاملة» ما جعلها «تصعق» على حد تعبيرها. شهدت «الرأي» في الثمانينيات جدلاً كبيراً حول مقالاتها لأنها كانت تطرح ما تسميه «قراءة جديدة أو مختلفة للإسلام، تتضمن إطلالات على السلوك الذي يسيس الدين». نشرت في «شيحان» نهاية الثمانينيات، ما كانت «الرأي» ترفض نشره، كان يهمها أن توصل للناس فكرة أو اجتهاداً. نشرت مقالاتها في صحف عربية، كتبت قصة للأطفال، وكانت حازت رسالة ماجستير حول أدب الأطفال، من «الأردنية» العام 1989. شاركت في مؤتمرات عدة، وأعدت دراسات وبحوثاً حول أدب الأطفال حتى أخذ يتبلور عندها مفهوم «الجنسوية»، فشرعت تطوع دراساتها لمناقشة هذا المفهوم في أدب الأطفال ثم الأدب عموماً، فالإعلام. العام 1966 نشرت كتابها «اللغة الغائبة، نحو لغة غير جنسوية». لها عدد من الدراسات النقدية: في اللغة والجندر، فضلاً عن دواوين: تراشق الخفاء، وغجر الماء، وتراتيل الكاهنة، ووصايا الريش، والبلبال: أبواب في المجد والكرى. وكلام منحى، وجوى، وفي ثناء الجميل، وللمزاج العالي. تتصف بالفوضى، وهي صفة لا تعتز بها، ومن سيئاتها البراءة «عندي قدر من السذاجة خصوصاً في معرفة البشر يكفي لتوزيعه على قبيلة». تحتفي بقطتين «شامان وباندا»، ونزر من ضوء ينير كتباً ومخطوطات ولوحات متناثرة، وصور عائلية وقطع سيراميك لأسماك وبوم بحجم الكف يشيء بالصمت والفضول. |
|
|||||||||||||