العدد 50 - دولي | ||||||||||||||
صلاح حزين البعد الرمزي في وصول باراك أوباما إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، لا يمثل سوى جانب واحد من الصورة التي اكتملت بانتخاب أول رجل من أصول إفريقية رئيسا للولايات المتحدة الأمAيركية. فهنالك كثير من الأبعاد التي تجعل من وصول أوباما إلى رئاسة أقوى دولة في العالم حدثا استثنائيا، شهدت عليه نسب الإقبال غير المسبوقة على الانتخاب، والطوابير الطويلة التي اصطفت أمام المدارس والكنائس ومراكز الاقتراع الأخرى لتمارس حقا في الانتخاب سبق أن استنكفت عنه. ويشهد عليه أيضا تلك الحماسة الهائلة التي رافقت الحملة الانتخابية منذ بدئها قبل نحو عامين، وكأن الجمهور الذي دعم أوباما في مسيرته الانتخابية الشاقة، لم يكن يسعى لمجرد انتخاب رئيس، بل إلى ما هو أكثر من ذلك. ربما كان هذا هو السبب في أن هذا الحدث المفصلي في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية أعاد إلى الأذهان عددا من الانتخابات التي شهدتها أميركا خلال القرن الماضي؛ فقد استدعت انتخابات العام 1932، وهو العام الذي أتى بالرئيس فرانكلين روزفلت، خلفا لهيربرت هوفر، الذي ارتبط عهده بالانهيار الاقتصادي الكبير (1929-1933). وليس سرا أن الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها الولايات المتحدة، والعالم، اليوم، إنما تعيد إلى الأذهان أيام الكساد الكبير؛ وأن انتخاب أوباما، إنما يعود في جانب منه إلى رغبة الأميركيين في رؤية اقتصاد بلادهم يخرج من أزمته التي دهمته أخيرا، تماما مثلما كان توق الأميركيين إلى رؤية بلادهم تخرج من الكساد الكبير، هو الذي أتى بفرانكلين روزفلت. كما أنه ليس سرا أن كثيرا من المفكرين الاقتصاديين يرون أن جذور الأزمة الاقتصادية الحالية، تعود إلى بدايات عهد الرئيس الأميركي رونالد ريغان، الذي حقق فوزا كاسحا على منافسه الديمقراطي، آنذاك، جيمي كارتر. هذا تحديدا هو ما جعل محللون يرون في فوز أوباما نجاحا يعادل به الديمقراطيون خسارتهم أمام الجمهوريين قبل نحو ثلاثة عقود، ففي تلك الانتخابات لم يفز الجمهوريون بمنصب الرئيس فقط، بل فازوا بأغلبية مجلسي النواب والشيوخ أيضا، وهو ما حدث اليوم مع انتخاب أوباما، حيث سيطر الديمقراطيون، مثلما فعل خصومهم الجمهوريون في العام 1980، على المجلسين. ثمة جانب آخر للمقارنة بين انتخابات اليوم وانتخابات ذلك العام، فريغان، المسلح آنذاك بأغلبية ساحقة وسيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب، بدأ عهدا جديدا من سياسة القوة على المستويين السياسي والعسكري، وعهدا اقتصاديا جديدا كان أبرز ملامحه وضع حد للاقتصاد الكينزي، نسبة إلى الاقتصادي البريطاني جون مينيارد كينز، الذي طبقه الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، وبفضله خرجت أميركا من حالة الكساد الكبير التي ألمت بها في عهد سلفه الجمهوري هيربرت هوفر، وبدأت تسود فيه النظرية النقدية في الاقتصاد، والتي يعتبر ملتون فريدمان رائدا لها، ويعدّها كثير من الاقتصاديين السببَ في الأزمة الاقتصادية العالمية التي تحيق بالعالم اليوم. وعليه فإن انتخاب أوباما يعدّ في صورة أو أخرى ضيقا بسياسة القوة التي طبعت عهود الجمهوريين منذ ريغان، والتي واصلها بعده جورج بوش الأب، ثم بوش الابن، وقطعها لثماني سنوات الجمهوري بيل كلنتون. كما كان انتخابه تعبيرا عن الضيق من السياسة الاقتصادية التي بدأت في عهد ريغان، والتي انتهت بالأزمة التي ما زالت أميركا، ومعها العالم، تعيشها حتى اليوم. وكما ذكر أكثر من معلق سياسي، فقد كان انتخاب أوباما في صورةٍ ما تصويتا ضد الرئيس جورج بوش، الذي كانت بسياساته، وربما بشخصيته، حليفا موضوعيا لأوباما. فسمعة أميركا في العالم في الحضيض، وكان هذا تحديدا ما أعطى شعار التغيير الذي رفعه أوباما معاني إضافية، واستقطب له مزيدا من التأييد. كما استدعى انتخاب أوباما اليوم، انتخابات العام 1960، التي فاز فيها المرشح الشاب آنذاك، جون كينيدي، على منافسه ريتشارد نكسون، في انتخابات استعاد تفاصيلها الصحفيون المخضرمون الذين يتذكرون تلك الانتخابات المفصلية، والتي أتت برئيس شاب يبشر بعهد جديد بدلا من نكسون الذي عُدَّ امتدادا سياسيا لسلفه دوايت آيزنهاور الذي كان في النهاية، أحد أبطال الحرب العالمية الثانية، التي كانت تطوي آخر صفحاتها آنذاك. لكن انتخاب رئيس شاب جديد يعِدُ بالتغيير، ليس سوى بداية الطريق بالنسبة لباراك أوباما، فالتحدّيات التي تواجه الرئيس الجديد ليست بالهينة، فهنالك الأزمة الاقتصادية التي امتدت من أميركا لتصل العالم أجمع، وهي أزمة مركبة امتزج فيها ما هو اقتصادي بما هو مالي وما هو سياسي. وهنالك الوضع السياسي الذي تواجهه الولايات المتحدة، التي يبدو أن عليها أن تعد نفسها لقيادة عالم متعدد الأقطاب، فليس من الممكن تجاهل دول قوية صاعدة مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل، ودول أخرى تتهيأ للعب دور على مسرح السياسة العالمية الذي بدأ يشهد فراغا مع سياسات بوش المغامرة في الخارج والمدمرة اقتصاديا في الداخل. يفاقم من وضع الولايات المتحدة السياسي فشل إدارة الرئيس جورج بوش الابن في حل أيٍّ من القضايا السياسية الكبرى في العالم، مثل قضية الشرق الأوسط، والتعامل مع الملف النووي الإيراني، وحتى مع الطموح الروسي في أن تصبح روسيا قوة عسكرية وسياسية مقررة في العالم وليس في منطقة القوقاز فقط. وأخيرا هنالك تحدّي دول أميركا اللاتينية التي اختارت، وعبر الانتخاب الحر، أحزابا يسارية لتحكمها، بعد أن بقيت تلك القارة حديقة خلفية لها قرونا عدة. وعسكريا، فإن الولايات المتحدة التي تواجه قواتها أوضاعا صعبة في العراق وأفغانستان، لا تعيش أزهى أيامها، رغم زوال ما كانت تسميه "الخطر الشيوعي"، ورغم أنها منذ نحو العقدين، القطب الأوحد في العالم. بعد أيام سيبدأ باراك أوباما في اختيار طواقمه السياسية والتنفيذية، واختيارها سوف يحدد الكثير من توجهاته، ويرسم ملامح عهده الجديد، وسوف يوضع شعر التغيير الذي رفعه على المحكّ. في العام 1968، ألقى داعية الحقوق المدنية الأميركي مارتن لوثر كنغ خطبة شهيرة، قال فيها إنه بوصفه أميركيا من أصول إفريقية، إنما يحمل حلما في هذه البلاد. وقد قتل كنغ إثر إلقائه تلك الخطبة التي أصبحت تاريخية. واليوم، بانتخاب أوباما رئيسا لأميركا، يمكن القول إن حلم كنغ قد تحقق، ولا يقلل من ذلك أنه تحقق والولايات المتحدة تعيش بعض أسوأ أحوالها. وهو ما جعل الجميع في انتظار التغيير. |
|
|||||||||||||