العدد 8 - احتباس حراري
 

لأول مرة في تاريخ مفاوضات التغير المناخي تم التوصل إلى نص ملزم للدول النامية بتخفيض انبعاثاتها من الكربون وغازات الدفيئة، وإن كانت النسب المحددة لهذا التخفيض سوف تتضح خلال المفاوضات التي تستمر سنتين وحتى نهاية العام 2009. بالنسبة للدول النامية فإن الحياة بعد مؤتمر بالي ليست نفسها قبله حيث لن يكون بالإمكان الاستمرار في لعب مسرحية الاهتمام اللفظي بأهمية مكافحة التغير المناخي من دون الالتزام بتخفيض الانبعاثات.

أظهر المؤتمر وجود ثلاثة تكتلات اقتصادية-سياسية متمايزة في المفاوضات. جاء الإتحاد الأوروبي إلى المؤتمر بموقف حازم في ضرورة تخفيض إنبعاثات الغازات الدفيئة، وبخاصة ثاني أكسيد الكربون من قبل الدول الصناعية بما نسبته %25-40 (من نسبة الانبعاثات عام 1990) بحلول العام 2020 وكانت هذه المطالبات على خلفية قناعة الدول الأوروبية بقدرتها على تحقيق هذه الأهداف نظراً لتطوير تقنيات جديدة في الطاقة البديلة خفضت من انبعاثات الكربون.. الولايات المتحدة وكندا واليابان رفضت هذه الالتزامات تماماً، وطالبت بأن تبدأ “مفاوضات بالي” وتنتهي من دون التزامات محددة، وأن يكون المؤتمر هو مجرد فاتحة لسلسلة من الاجتماعات والحوارات أو أن تقوم الدول النامية بتقديم التزامات واضحة لتخفيض انبعاثاتها هي الأخرى. مجموعة الدول النامية بقيادة الصين، والهند، والبرازيل وهي الاقتصادات الناهضة بقوة، رفضت أي التزام من الدول النامية بتخفيض الانبعاثات بدون وجود التزام من الدول الصناعية على إعتبار أن الدول الصناعية هي المسبب الرئيسي تاريخياً في التغير المناخي بينما تريد الدول النامية أن تحصل على فرصها في التنمية الاقتصادية مثلما حصلت عليها الدول الصناعية إضافة إلى المطالبة بنقل التكنولوجيا الحديثة لتخفيض الانبعاثات والدعم المالي المستمر.

هذه المواقف وضعت الولايات المتحدة كحجر عثرة أساسي في طريق التوصل إلى اتفاقية، وخلال 10 أيام من المفاوضات بين التكتلات المختلفة لم يتم حسم القضية إلى أن بدأت اجتماعات الوزراء في اليوم النهائي واستمرت يوماً إضافياً قبل أن تظهر إلى العلن محاولة توفيق ضمان حصول كل طرف على الحد الأدنى لما يريده حتى لا تنهار المفاوضات. وتعرض الموقف الأميركي إلى الكثير من الحرج والضغط حتى من قبل دول صغيرة، حيث وجه مندوب دولة بابوا غينيا الجديدة كلامه إلى رئيسة الوفد الأميركي قائلاً لها :”إما أن تقوم الولايات المتحدة بالقيادة أو القبول أو الخروج من الطريق” وهو كلام قاس أخلاقياً من دولة مهددة بالغرق والاختفاء نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر. وبعد خمس دقائق من هذا الكلام نظرت رئيسة الوفد الأميركي إلى السقف مطولاً وعادت وقالت “حسناً، نحن موافقون على النص النهائي”.

وبالفعل أعلن رئيس المؤتمر في اليوم الأخير المضاف عن التوصل إلى “خارطة طريق بالي” التي تضمنت ثلاثة عناصر أساسية، وهي الإتفاق على “تخفيضات جذرية في انبعاثات غازات الدفيئة تخضع لمفاوضات تستمر سنتين تحدد النسب النهائية لهذه الانبعاثات، والعمل على نقل التكنولوجيا وبناء قدرات الدول النامية حتى تفي بإلتزاماتها في تخفيض الانبعاثات”. وبهذه النصوص المرنة يمكن لكل طرف من التكتلات الثلاثة الرئيسية أن يدعي أنه حقق جزءاً كبيراً من أهدافه.

وبالرغم من حالة الإرتياح التي سادت المفاوضين بعد الوصول إلى النهاية السعيدة، إلا أن بعض المنظمات غير الحكومية أصدرت بيانات وصفت فيه نص وثيقة “خارطة الطريق” بأنها تحتمل الكثير من التأجيل، وتساهم في تسويف الحاجة إلى الالتزامات الفعلية والنسب المحددة وخشيت من ضياع وقت ثمين على المفاوضات قبل البدء بتنفيذ خطط تخفيض الانبعاثات مما يجعل إصلاح وضع الكوكب أكثر صعوبة. ولكن هذه الأصوات القلقة بقيت هادئة في ظل معرفة الجميع بأن النهاية التي حدثت كانت أفضل من الفشل، وأن الزخم سيكون الآن موجها نحو التفاوض على التفاصيل الدقيقة خلال السنتين القادمتين.

بالنسبة للدول العربية، فإن وثيقة بالي تضع عليها، وللمرة الأولى، إلتزامات لتخفيض انبعاثات الكربون، وهذا ما سوف يسبب أزمة اقتصادية، وبخاصة في الدول المنتجة للنفط التي تعتمد، بشكل هائل، على طاقة البترول والكربون. وقد بقيت الدول النفطية تحارب لسنوات طويلة لمنع الاتفاق على أي نص في المعاهدات الدولية يجمع ما بين الدول النامية والإلتزامات. ومع أن النسبة النهائية للالتزامات المطلوبة من الدول النامية ستكون خاضعة للتفاوض، إلا أنه من المتوقع أن تضغط الدول النفطية تجاه تحديد نسبة ضئيلة من التخفيض لا تتجاوز 5% من الانبعاثات حسب قياسات 1990. أما بالنسبة للدول العربية غير النفطية، فإن ارتفاع أسعار النفط المستورد يجعل من تخفيض الانبعاثات الكربونية مسألة ذات أولوية كبرى ليس من الناحية البيئية بل من الناحية الاقتصادية حيث من الضروري تخفيض الاعتماد على المشتقات النفطية مقابل زيادة نسبة مساهمة الطاقة المتجددة والبديلة.

وهكذا فإن دولاً مثل الأردن، ولبنان، ومصر، والمغرب، وتونس، واليمن، قد تحقق الالتزامات المطلوبة لأسباب اقتصادية بحتة وبدون خسائر في نسبة النمو الاقتصادي بعكس الدول النفطية التي سوف تكون مضطرة الآن إلى اتخاذ خطوات واضحة تجاه التحول التدريجي نحو الطاقة البديلة.

ماذا تعني "خارطة الطريق" في بالي للدول العربية؟ - السجل خاص
 
03-Jan-2008
 
العدد 8