العدد 50 - اعلامي
 

استخدمت الحكومة توصيات الأجندة الوطنية حول الإعلام لإلغاء قانون المجلس الأعلى للإعلام، وبدأت تبشر بخطوات لاحقة تتوافق مع توصيات الأجندة نفسها، ومنها إلغاء هيئة المرئي والمسموع ودمجها مع هيئة الاتصالات.

على أن الحكومة تأخذ، كما يبدو، من توصيات الأجندة، ما يتوافق مع وجهة نظرها، وتشيح بأبصارها عن توصيات أخرى ذات صلة بالإعلام، ومنها النهوض بالإعلام الرسمي والارتقاء به من إعلام حكومات إلى إعلام وطن، ومنحه هامشاً من الحرية والمسؤولية كي يتمكن من الإبداع والمنافسة مع المنابر الإعلامية العربية المتطورة.

وخلافاً لتوصيات الأجندة، وضعت الحكومة يدها على الإعلام الرسمي، عبر تعيين وزير الدولة وزير الاتصال والإعلام ناصر جودة رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووكالة بترا، وساقت القرار على أنه خطوة في الاتجاه الصحيح.

تنفي الحكومة باستمرار عودة وزارة الإعلام، بيد أن الخطوات التي قامت بها في الإذاعة والتلفزيون وبترا، أثارت انطباعاً قوياً بأن الخطوة تؤشر لعودة متوقعة لوزارة الإعلام لكن بثوب مختلف.

مجلسا النواب والوزراء أقرا مشروع قانون إلغاء قانون المجلس الأعلى للإعلام، فأصبح المجلس أثراً بعد عين.

وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، أوضح وجهة نظر الحكومة، في الأسباب التي دعت لإلغاء المجلس الأعلى، مشيراً إلى أن "المرحلة المقبلة في إطار الجهود الوطنية لتطوير الإعلام، تستدعي تقليص عدد مؤسسات الإعلام المشرفة على هذا القطاع الحيوي والرائد، بخاصة أن ملاحظات عديدة أثيرت حول تعدد مرجعيات الإشراف على الإعلام، ما جعل المهمة أصعب والوقت المطلوب لإنجازها أطول".

العاملون في الإعلام اختلفت رؤيتهم للقرار، كما النواب، فبينما اعتبر نواب منهم عبد الكريم الدغمي وممدوح العبادي، أن ما جرى "ايجابي" ويؤيد فكرتهم المناهضة لـ"فكفكة أجهزة الدولة"، رأي صحفيون الأمر بمنظور مختلف.

رئيس مجلس إدارة "الرأي" فهد الفانك اعتبر أن "إلغاء المجلس الآن لا يؤخر ولا يقدم، ولا يعتبر خطوة إلى الأمام أو إلى الخلف، وبالتالي لا يستحق التقييم إلا من ناحية توفير نفقاته التي لا مردود لها".

ويرى الفانك أن المجلس الأعلى للإعلام وُلد ميتاً، ولم يجد له دوراً سوى تدريب الصحفيين الجدد مما يجب أن تقوم به جهات أخرى، واقتراح تشريعات تظل حبراً على ورق، وإصدار تقرير سنوي يقول إن الأوضاع ليست على ما يرام!.

الفانك لامس ما تقوم به الحكومة حاليا من خلال بسط سيطرتها على الإعلام، فقال إنها (الحكومة) لم تخف قرارها ببسط سيطرتها على الإعلام الرسمي وهو إعلامها، وعدم التدخل في الإعلام الخاص.

رئيس تحرير "الدستور" نبيل الشريف، وهو آخر وزير تقلد وزارة الإعلام، كشف عن رأي مخالف للفانك، فقد رأى أن جهود الإصلاح الإعلامي باءت بالفشل بدءا بإلغاء وزارة الإعلام مروراً بالمركز الأردني للإعلام وانتهاء بالمجلس الأعلى للإعلام، والحبل على الجرار.

الشريف ذكر أن «المشكلة لا تكمن في قرار إلغاء وزارة الإعلام، وإنما في تطبيق القرار» وكتب في "الدستور": "المشكلة تتمثل في عدم قناعة المسؤولين بالخطوة، فقد ألغوا الوزارة شكلاً لكنهم أنشأوا مؤسسات أخرى لتحل محلها، واستعادوا تدريجياً السيطرة على المؤسسات الإعلامية، لأنهم لم يكونوا يؤمنون في البدء بوجوب إلغاء وزارة الإعلام. وفي حقيقة الأمر، فإن الوزارة ألغيت كمبنى وتشريعات، لكن دور وزارة الإعلام لم يلغ أبدا، لعدم قناعة المسؤولين منذ العام 2003 بذلك".

رئيس تحرير "العرب اليوم" طاهر العدوان توافق مع الشريف في الرؤية، واعتبر أن القرار يضع نهاية لتجربة أو محاولة إصلاح الإعلام الرسمي، وتنظيم مرجعية مستقلة له تحت عنوان "إعلام دولة لا إعلام حكومات".

العدوان توافق أيضاً مع جودة بالقول إن "مشكلة الإعلام الرسمي في تعدد المرجعيات التي تؤدي إلى غياب رؤية وإستراتيجية موحدة لدور الإعلام في خدمة الدولة والمجتمع، ووجود اختلاف عميق بين مفهوم إعلام الدولة في ظل عملية إصلاح شامل، ديمقراطي اجتماعي واقتصادي وثقافي، وهي الغاية التي من أجلها وجد المجلس الأعلى، وبين مفهوم رسمي سائد بأن الحريات الإعلامية، خطر على الدولة والحكومات والمجتمع".

مدير تحرير المحليات في "العرب اليوم" فهد الخيطان، أبدى خشيته أن يؤدي القرار لبسط سلطة الدولة على الإعلام قائلاً: "لم يكن المجلس الأعلى للإعلام هو العائق أمام تطوير الإعلام الأردني، فعلى العكس من ذلك لعب المجلس دوراً مهماً في صياغة تشريعات ساهمت في تحسين مستوى الحريات الإعلامية. لكن في ظل تعثر مسيرة إصلاح الإعلام وجد المجلس نفسه بلا دور حقيقي، وكان بالإمكان التفاهم على مهمات جديدة للمجلس كمرجعية أخلاقية ومهنية لو خلصت النوايا".

تسنم رئاسة "الأعلى للإعلام" منذ ولادته: كامل أبو جابر، فإبراهيم عز الدين، وأخيراً سيما بحوث. ويسجل لعز الدين سعيه لوضع أطر له وتفعيل دوره، وفي هذا يرى أن المجلس "كان يمكن أن يبقى مع منحه صلاحيات كان بحاجة لها، لا تركه ديكوراً بلا روح".

فقد استند المجلس لدى تأسيسه إلى ما تضمنته الرؤية الملكية الداعية إلى بناء نظام إعلامي حديث، يقوم بتنفيذ مهامه ومسؤولياته استناداً إلى قانونه، على أن يكون "المظلة الناظمة وبيت الخبرة والمرجعية المستقلة لقطاع الإعلام".

وهدف المجلس للمساهمة في وضع الخطط لتنمية هذا القطاع وتنظيمه من خلال التشريعات الخاصة به، ووضع مواثيق ومعايير السلوك والأخلاق وتطوير قطاع التدريب والتأهيل الإعلامي.

كما هدف إلى تسوية القضايا الإعلامية والتحقق من إتاحة حرية التعبير ودعم استقلالية مؤسسات الإعلام، والحرص على التنسيق والمشاركة مع القطاع الإعلامي في المهام والمسؤوليات التي يقوم بها عبر آليات مؤسسية شفافة ومهنية.

خيارات أخرى تم القفز عنها: إلغاء “الأعلى للإعلام”: تطبيق انتقائي للأجندة
 
06-Nov-2008
 
العدد 50