العدد 50 - ثقافي
 

مراجعة: رسول بخش ريس*

تأليف: فكتوريا شوفيلد

الناشر: تاوريس: نيويورك

سنة النشر: 2003

عدد الصفحات: 383

من المفارق والمأسوي أنه خلال القرنين الماضيين أقدمت ثلاث قوى عظمى على غزو أفغانستان، البلد الفقير والبعيد، لأسباب تبدو متشابهة: السيطرة على بنيتها السياسية الداخلية، وإعادة تشكيلها.

على أي حال، فإن ظروف الغزو ومبرراته اختلفت إلى حد كبير. فقد غزت بريطانيا أفغانستان مرتين في القرن التاسع عشر في إطار استراتيجيتها للدفاع عن وجودها الإمبراطوري في الهند وإبقاء أفغانستان منطقة عازلة أمام روسيا. أما الاتحاد السوفييتي فقد مضى إلى أفغانستان لفرض الاستقرار في النظام الاشتراكي الذي كان يحكم بالوكالة عنه، بدوافع هي مزيج من توسيع إمبراطوريته إلى ما وراء الحدود التقليدية لآسيا الوسطى، وتثبيت الحاجة الأيديولوجية للدفاع عن الأنظمة الاشتراكية الوكيلة له. وحاليا، يجد المرء الولايات المتحدة ودول حلف الناتو وتحالف واسع من البلدان الأخرى متورطة في جولة أخرى من الحرب المكلفة في أفغانستان، والتي كان مبررها المعلن هو إعادة بناء مؤسساتها وإعادة نوع من الوضع الطبيعي الذي فُقد خلال ربع قرن من الصراع.

لكن، لماذا كانت أفغانستان، من دون جميع الأمم، الهدف لأربع غزوات كبرى قامت بها ثلاث قوى عظمى مختلفة؟ أي إجابة عن هذا السؤال تتطلب النظر إلى الداخل حيث البنى الاجتماعية والثقافية والتاريخية والجيوسياسية للبلاد، وإلى الخارج حيث التداخل بين القوى الفاعلة الداخلية والخارجية، ومصالحها والكيفية التي لعبت فيها هذه القوى أدوارا فردية محددة لحماية مصالحها وتطويرها.

هذا الكتاب، الذي وضعته أخيراً فكتوريا شوفيلد، يقدم تقييماً ممتازاً وشاملاً لأدوار القوى الأجنبية والقوى المحلية والإقليمية، وكيف جاهدت للسيطرة على البلاد، وقدرتها على تحديد مصيرها. والعمل مختلف عن كثير من الأعمال الأخرى التي نُشرت عن أفغانستان خلال العشرين عاما الأخيرة، في تغطيته للمواضيع وتقديمه للتاريخ الطويل لتطور أفغانستان كدولة ومجتمع وهدف مرغوب فيه للمصالح الأجنبية.

أحد أبرز موضوعات الكتاب هو موقع أفغانستان بوصفها "مفترق طرق ونقطة التقاء مصالح متضاربة" منذ وجودها تقريبا (ص 10). فجغرافيا البلاد، الواقعة على قمة طريق قديمة للغزو نزولا إلى ممر خيبر الأسطوري إلى وادي الهندوس -اليوم في باكستان- وخلفه إلى أراضي شبه القارة الهندية، موثقة في صورة جيدة. وقد تناولت شوفيلد بكفاءة عالية هذه الموضوعات من خلال نسج مادتها النثرية حولها، فهي تبدأ بقصة الإسكندر الأكبر وتصف مواجهة جيوشه للأفغان، فهؤلاء الآريون من آسيا الوسطى، كانوا أول من سار حقا عبر الوديان والممرات الأفغانية، وعاشوا هناك مئات السنين قبل أن يستقروا أخيرا في الهند قبل نحو ألف عام من مجيء الإسكندر في إثرهم إلى الهندوس. لكن دخول الإسلام وانتشاره في القرن السابع أعاد كليا تشكيل ثقافة هذه القبائل وحضارتها، وفروع القبائل والعشائر ومجموعات اجتماعية أفغانية أخرى، والمنظور العالمي العام لها.

حتى مع التأثير العميق للإسلام في قيم الأفغان وتوجهاتهم الاجتماعية، فإن بناهم الاجتماعية التقليدية وعاداتهم وتقاليدهم استمرت في تشكيل تصوراتهم عن هويتهم وعن القوى الخارجية التي جاءت من وراء وطنهم التاريخي. يقدم الكتاب التطور الثقافي والتاريخي للشعب الأفغاني، ويصف مجتمعهم في سياق التأثيرات الحضارية واللغوية والدينية وما تركه فيهم عصر بناء الإمبراطورية في المناطق المحيطة. وبمعنى اجتماعي وثقافي، فإن الشخصية الأفغانية والهوية الوطنية تشكلتا من خلال الديناميات الثقافية لمناطق وسط وجنوب غربي آسيا، بقدر ما تشكلت من خلال العادات والتقاليد. إن موقع أفغانستان لم يكن فقط على مفترق طرق إمبراطوريات وجيوش غازية، بل وفي نقطة التقاء حركات ثقافية متنوعة. تقدم المؤلفة هذه المؤثرات بطريقة ذكية لكن قوية، من خلال سرد حكايات وقصص وانطباعات خاصة بفاعليات أجنبية ومحلية مختلفة، كلها شاركت في عملية السعي للسيطرة على أفغانستان وتحديدها.

تكمن أكثر مزايا الكتاب أهميةً في طابعه المنوع، فهو لا يكتفي برسم صورة للتاريخ الطويل والمتنوع للبلاد، بل ولملامحها الثقافية والاجتماعية والسياسية أيضا، إذ يصعب أن يكون هناك تقييم مكتمل لأفغانستان أو حتى يستحق الاهتمام والانتباه من دون الدخول في بعض النقاشات حول العداوات بين الأسر الحاكمة، والصراعات القبلية، والتدخلات الخارجية، والحروب التي فرضتها القوى الخارجية. وكما يشير العنوان الفرعي للكتاب، فإن المؤلفة تقدم تفاصيل غنية ومستقصية ومثيرة للاهتمام عن العداوات والقتال في أفغانستان. لكن كل فصل من فصول الصراع وُضع في سياق خاص به وقُدم بوصفه جزءا من القصة الأشمل لأفغانستان. ويغطي الكتاب، بالتفصيل، سعي البريطانيين إلى السيطرة على أفغانستان، والحربين اللتين شنتهما بريطانيا، والدوافع الكامنة وراء "اللعبة الكبرى" وسياسة الانتشار المتجهة إلى الأمام، والفشل والألم الذي لحق بحكام بريطانيا الإمبرياليين بسبب "معبر الغزو" هذا. من خلال معالجة التقييمات الشخصية للاّعبين الأساسيين المتورطين في السياسة البريطانية تجاه أفغانستان ويومياتهم ومذكراتهم ووثائقهم الرسمية وأوراقهم الشخصية، تقدم شوفيلد تاريخا صحيحا لأفغانستان بأسلوب يثير اهتمام القارئ بالشعب والبلد.

تتنقل المؤلفة بين الحكايات، وتنتقل بسهولة من حقبة تاريخية إلى أخرى، وتعيد صوغ أفغانستان في مرحلتها الجديدة ما بعد الاستعمارية، وهي تعيد تعريف نفسها في إطار التحديث والدولة وبناء الأمة في عالم ثنائي القطب. لقد خسرت أفغانستان وضعها بوصفها منطقة عازلة ومحايدة حين بادر حكام قصيرو النظر، مثل السردار محمد داود وخلفائه، إلى ربط بلدهم بالمخططات الإمبريالية للاتحاد السوفييتي وقادوه إلى الاحتلال والحرب. ولقد حارب الأفغان تحت راية الإسلام والقومية بشجاعة وبالروح الحقيقية لصورتهم التاريخية بوصفهم مقاتلين مستقلين وقوميين شرسين، مستعدّين للتضحية بأي شيء وكل شيء للحفاظ على بلدهم حرا وسيدا. وبمساعدة باكستان والولايات المتحدة وبلدان غربية أخرى تمكن الأفغان من إلحاق الهزيمة بالقوة السوفييتية العظمى التي كانت يوما "لا تقهر".

غير أن محنة أفغانستان لم تنتهِ بهزيمة السوفييت، فالصراع على السلطة استمر، أولاً بين أحزاب المجاهدين، ثم الصراع على أسس دينية وطائفية وعرقية بين حركة طالبان وخصومها، والذي دفع البلاد نحو حرب أهلية مهلكة. يتناول الكتاب باختصار ما يدعى "الحرب على الإرهاب"، رغم أن من الواضح أنها فترة على الدرجة نفسها من الأهمية، ومستمرة في تاريخ الصراع في أفغانستان وبقائها. إنه كتاب ساحر، كُتب بأسلوب جميل، وتضمّن تقييمات واضحة تماما لأفراد ومهماتهم وخصائصهم الإقليمية وبيئتهم الاجتماعية والمصالح المتضاربة لعدد كبير من القوى، قديما وحديثا. يحاول الكتاب الإجابة عن سؤال غير آني: لماذا جذبت أفغانستان المفقرة وشعبها كل هذه القوى الأجنبية والقوى العابرة للقتال من أجل السيطرة على البلاد؟ إن إجابة شوفيلد عن هذا السؤال تخلق المزيد من الاهتمام في معرفة السبب وراء انتقال مصير البلد باستمرار من حد تطرف في العزلة والإهمال إلى حد تطرف آخر في التدخل الأجنبي والحرب.

*قسم العلوم الاجتماعية بجامعة لاهور للعلوم الإدارية، لاهور، باكستان.

بالتعاون مع:

المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

لماذا كانت أفغانستان هدفاً لأربع غزوات نفذتها ثلاث قوى عظمى؟
 
06-Nov-2008
 
العدد 50