العدد 8 - استهلاكي
 

بين التزاحم على محطات بيع المحروقات ومحال بيع المواد التموينية يجد المواطن الأردني نفسه مرغماً أكثر من أي وقت مضى على التفكير «القلق» بقوت يومه وقوت أولاده في ظل دعوات حكومية إلى «ترشيد الإنفاق وموازنة الأولويات».

المواطن الذي أثقلت كاهله ارتفاعات متتالية للأسعار شهدها العام 2007 أصبح مجبراً، بحسب مختصين ومراقبين، أكثر من أي وقت مضى على التوفير رغم أن محفظته خالية معظم الشهر.

ردود أفعال المواطنين على الارتفاع المتوقع لأسعار المحروقات وما يتبعه من ارتفاع متفاوت للخدمات والمواد الأساسية، اتجهت إلى التخزين ضمن قاعدة أن كلفة التخزين أوفر من الإنفاق مستقبلا على بعض المواد التي قد يتضاعف سعرها مثل الغاز المنزلي، فيما كان لسان حال الكثيرين يقول إن “الظلم إذا عم عدالة”.

اقتصاديون ومختصون انقسموا حول دعوات الحكومة إلى الترشيد وضبط الإنفاق، وبخاصة أن مشكلة المواطن الأردني بحسب مختصين لا تكمن في إنفاقه بل في دخله المتدني.

مسح نفقات ودخل الأسرة 2006 الذي أجرته دائرة الإحصاءات العامة يشير إلى أن متوسط دخل العائلة الأردنية بلغ 7550 ديناراً سنوياً، فيما يبلغ معدل إنفاقها 6220 ديناراً بفجوة تبلغ نسبتها 20%.

الخبير الاقتصادي يوسف منصور يقول:”هذا يعني أن الأسرة تنفق أكثر من دخلها لأن حاجياتها تتجاوز مدخولها رغم أن دخل المواطن الأردني من أدنى الدخول في المنطقة. الأردني لا ينفق كثيراً مثل نظيره في لبنان، وبخاصة على النواحي الكمالية.”

وبحسب إحصاءات الدائرة، فإن متوسط إنفاق الأسرة الأردنية على الغذاء انخفض من 39.7% من دخلها في 2002 إلى 36.5٪ من دخلها في 2006 فيما ارتفع متوسط الإنفاق على “غير الغذاء” من 60.3% في 2002 إلى 63.5% في 2006.

إحصاءات الدائرة تشير إلى أن متوسط الإنفاق الشهري للأسر على الهاتف الخلوي بلغ نحو 28 ديناراً وعلى الهاتف الأرضي حوالي 23 ديناراً فيما بلغ متوسط الإنفاق الشهري للأسر على الإنترنت حوالي 16 ديناراً.

ورداً على الدعوات المتتالية التي تحث المواطنين على تقنين الاستهلاك وعدم الإسراف، يؤكد منصور أن المستهلك الأردني “متقشف” لا ينفق على الأكل في المطاعم أكثر من دينارين اثنين شهرياً في المتوسط.

نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق يشير إلى أن أي ترشيد للإنفاق يجب أن يكون على السلع «الكمالية» غير الغذائية. بيد انه يلاحظ أن المواطنين بدأوا منذ 2007 في ترشيد الإنفاق على الغذاء بدليل أن مبيعات تجار المواد الغذائية انخفضت بمقدار 50% في 2007 مقارنة بـ 2006.

ويقول: «لاحظنا أن المواطنين يشترون كميات أقل ويختارون العبوات الأصغر من مختلف الأصناف فضلاً عن التوجه لشراء السلع حسب الحاجة بعيداً عن التخزين الذي كان سائداً من قبل».

ويشدد الحاج توفيق على أن “مشكلة المواطن في العام القادم لن تكون في الغذاء بقدر الإنفاق على متطلبات الحياة التكنولوجية واللوجستية والتعليمية.”

ويضيف: «المشكلة أن معظم المواطنين يرزحون تحت أقساط تعليم وأدوات منزلية فضلاً عن القروض والسلف والجمعيات».

الحاج توفيق يؤكد أيضاً على ضرورة الإدارة الصحيحة لدخل الأسرة بعيداً عن المجاملات والظهور الاجتماعي.

رئيس جمعية حماية المستهلك محمد عبيدات يضع الكرة في ملعب المواطن في تخطيطه لنفقاته وتوزيعه لأولوياته، ويدعو الأسر الأردنية إلى «العمل على مجموعة تكييفات وتعديلات في جميع أنماط الشراء والاستهلاك. عبيدات يدعو ربات البيوت إلى «تحمل قدر أكبر من المسؤولية» ومساعدة أزواجهن على تحمل مصاريف المنزل. ويضيف: «المسؤولية الكبرى تقع على ربات البيوت. على السيدات ما أمكن الطبخ في البيوت وصنع اللبن واللبنة والمخللات والهمبرجر والبيتزا والحمص والفول والدجاج المقلي في المنزل والتقليل ما أمكن. كما أن على المواطنين المساومة قبل الشراء لأن التجار يرغبون في الربح أكثر ما يمكن». وبين الانقسام حول دعوات الترشيد في ظل ضغط المواطنين لإنفاقهم، يدعو خبراء الحكومة إلى تحسين مرافقها وخدماتها بما يضمن للمواطنين «العيش الكريم» بتوفير خدمات صحية وتعليمية وشبكة مواصلات تغنيهم عن الذهاب للمستشفيات أو المدارس الخاصة ما يساعدهم في ضغط نفقاتهم.

ويقول منصور: «لو كان المواطن يحصل على خدمات تتناسب مع الضرائب التي تتقاضاها الحكومة منه لما تذمر. لو كان لدينا شبكة مواصلات منتظمة لائقة وشاملة لما استخدمنا سياراتنا الخاصة، ولو كان نظامنا التعليمي ذا نوعية جيدة لما اضطر الآباء إلى إرسال أطفالهم إلى المدارس الخاصة».

المواطن تائه بين تآكل الدخل ودعوات لضبط النفاق – علا الفرواتي
 
03-Jan-2008
 
العدد 8