العدد 50 - احتباس حراري
 

قالت منظمة الأغذية والزراعة (FAO) في تقريرها السنوي "حالــة الأغذيــة والزراعــة" (SOFA) إن السياسات التي تحكُم إنتاج الوقود الحيوي والإعانات المقدَّمة للقطاع ينبغي أن يُعاد النظر فيها على نحوٍ عاجل بهدف صَون أهداف الأمن الغذائي في العالم، وحماية المزارعين الفقراء، وتَوسِعة نطاق التنمية الريفية، وضمان الاستدامة البيئية.

وقال المدير العام للمنظمة جاك ضيوف إن الوقود الحيوي "ينطوي على فُرصٍ ومخاطر سواءً بسواء، إذ تتوقّف النتيجة على حالة البلد المعنيّ والسياسات المُطبَّقة لديه". وأضاف: "أن السياسات الجاري تطبيقها تميل إلى صالح المُنتجين في بعض البلدان المتقدّمة على حساب المُنتجين لدى معظم البلدان النامية. لذا فالتحدّي القائم هو الحدّ من المخاطر وإدارتها مع تحقيق المُشاركة في الفرص المتاحة على نطاقٍ أوسع".

خلال الفترة 2000 - 2007، ارتفع إنتاج الوقود الحيوي اعتماداً على السلع الزراعية بمقدارٍ يتجاوز ثلاثة أضعاف، بحيث أصبح يغطي اليوم ما يقارب 2 بالمئة من الاستهلاك العالمي للوقود لأغراض النقل. والمتوقّع أن يتواصل هذا النمو، حتى وإن كان دور الوقود الحيوي السائل - ومعظمه من الإيثانول والديزل الحيوي لأغراض النقل، بل ولأغراض الطاقة في العالم بمجمله - سيظل محدوداً.

رغم الأهمية المحدودة للوقود الحيوي السائل بمقياس الإمدادات العالمية المتاحة من الطاقة، سوف يتواصل نمو الطلب على المخزونات الغذائية الزراعية مثل: (السكر، والذرة، والبذور الزيتية)، بهدف إنتاج الوقود الحيوي السائل في غضون العقد المقبل، مما يَطرَح ضغوطاً تصاعُدية على أسعار الغذاء.

فرص الفقراء

إذا تَسنّى للبلدان النامية أن تجني فوائد إنتاج الوقود الحيوي، وفي حال شملت هذه الفوائد الفقراء، فمن شأن تزايد الطلب على الوقود الحيوي أن يُساهم في دعم التنمية الريفية.

يقول ضيوف إن "الفرص المتاحة أمام البلدان النامية للاستفادة من الطلب على الوقود الحيوي سوف تتعزز بقوة إن أُزيحت الإعانات المقدَّمة للزراعة والوقود الحيوي وكذلك الحواجز التجارية، لما تنشئه من سوقٍ اصطناعية تنعكس فوائدها حالياً على المنتجين لدى بُلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على حساب المُنتجين في البلدان النامية".

أمّا السياسات التي تزيد التهافت على مواد الوقود الحيوي، مثل المزج الإجباري للوقود الحيوي بالوقود الأحفوري، وكذلك الحوافز الضريبية، فقد تمخضت اصطناعياً عن إحداث نموٍ سريع في إنتاج الوقود الحيوي. مثل هذه الإجراءات تنطوي على تكاليفٍ بيئية، واجتماعية واقتصادية كبيرة، وينبغي إعادة النظر فيها وفقاً للتقرير.

تبعات على الأمن الغذائي

نمو الطلب على الوقود الحيوي، والارتفاع الناتج عنه في أسعار السلع الزراعية، يتيحان فرصاً كبيرة لبعض البلدان النامية، وهكذا، قد تصبح الزراعة محرّكاً للنمو في جهود الحدّ من الجوع والتخفيف من حِدّة الفقر.

وقد يؤدي إنشاء المخزونات الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي إلى إيجاد فرص عملٍ وموارد للدخل، وبخاصة إن تلقّى صغار المزارعين الفقراء دعماً للتوسّع في الإنتاج والنفاذ إلى الأسواق. بيد أن تعزيز مُشاركة أصحاب الحيازات الصغيرة في الإنتاج الزراعي الذي يتضمّن محاصيل إنتاج الوقود الحيوي يتطلب استثماراتٍ لا يُستهان بها في البُنى التحتية، والبحوث، والتمويل الريفي، والمعلومات حول الأسواق، والنُظم القانونية. لكن مخاطر هذا الأمر تتجلّى في التبعات الممكنة على الأمن الغذائي، فقد أدى ارتفاع أسعار السلع الزراعية فعلياً إلى تأثيرٍ سلبيّ في الُبلدان النامية شديدة الاعتماد على الواردات لتلبية احتياجاتها الغذائية. ويتعرّض الفقراء من سكان المدن، على وجه الخصوص، وكذلك سكان المناطق الريفية من المُشترين للمواد الغذائية إلى أشد المخاطر، نظراً إلى أن أعداداً كبيرة من فقراء العالم ينفقون أكثر من نصف دخلهم على شراء الغذاء. ضيوف يؤكد أن القرارات المُتخذة بشأن الوقود الحيوي يجد أن تأخذ في الحسبان حالة الأمن الغذائي السائدة، ومدى توافر الأراضي والمياه، كما ينبغي للجهود كافة أن تسعى نحو صَون الهدف النهائي المتمثل في تحرير الإنسانية من الجوع.

غازات الاحتباس الحراري

بالنظر إلى البُعد البيئي يتضح أن الوضع ليس إيجابياً على الدوام. فالتقرير يرى أن التوسُّع في استخدام الوقود الحيوي وإنتاجه لن يساهم كثيراً في الحدّ من انبعاث غازات الاحتباس الحراري، كما ساد الاعتقاد سابقاً. ففي حين أن بعض المخزونات الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي (مثل السكّر) قد توِّلد كمياتٍ قليلة جداً من غازات الاحتباس الحراري، فإن ذلك ليس حال كثيرٍ من المخزونات الأخرى المخصّصة لهذا الغرض.

يلاحظ ضيوف أن أكبر تأثيرٍ للوقود الحيوي في انبعاث غازات الاحتباس الحراري يتحدّد وفق تحوّلات استغلال الأراضي. فعلى سبيل المثال "تشكّل إزالة الغابات لتلبية الطلب المتزايد على المنتجات الزراعية، تهديداً شديداً بالنسبة للأراضي الجيدة والتنوّع الوراثي، وعاملاً لانبعاث غازات الاحتباس الحراري".

ويؤكد التقرير أن معايير الاستدامة المُستَنِدة إلى مقاييسٍ متفق عليها دولياً يمكن أن تخفف من وطأة "البصمة البيئية" للوقود الحيوي، غير أن ذلك ينبغي أن لا يُقيم حواجز تجارية جديدة في وجه البلدان النامية.

الجيل الجديد

من الممكن أن يساهم الجيل المقبل من مُنتجات الوقود الحيوي التي تُطوَّر حالياً، وإن لم تكن مُتاحة تجارياً بعد، باستخدام مخزونات الخشب والعشب الطويل والنفايات المحصولية والحرجية في تحسين التوازن بين الانبعاثات الناتجة عن الطاقة الأحفورية وغازات الاحتباس الحراري.

يرى ضيوف أن هناك مسوغات لتوجيه الإنفاق إلى مزيدٍ من بحوث الوقود الحيوي وتنميته، وبخاصة تقنيات الجيل الثاني التي يمكن أن تنطوي على وعودٍ أكبر، عبر التصميم والتنفيذ الجيدَين، قياساً على مُتطلّبات الحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتخفيف من الضغوط على قاعدة الموارد الطبيعية.

إسهامه قليل في الحد من انبعاث الغازات: الفاو لمراجعة سياسات إنتاج الوقود الحيوي
 
06-Nov-2008
 
العدد 50