العدد 8 - اقتصادي
 

مع بداية عام جديد وبدء خروج الأرقام الاقتصادية الكلية للعام الماضي، أشارت التقديرات الأولية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للتسعة شهور الأولى من عام 2007 ارتفع 5.8% بالأسعار الثابتة عن الفترة ذاتها من العام 2006، بمعنى أن الاقتصاد لم ينمو 6%، كما ظهر في مشروع قانون الموازنة، وكما أصر عليه البعض في السابق.

أي أن الاقتصاد الأردني الذي بدأ في النمو في عام 2004 بمعدل 8.4%، ثم تراجع الى7.2% في عام 2005، والى 6.3% في عام 2006، تراجع أيضا إلى أقل من 6% في 2007. وبذلك يكون معدل التراجع بعد الطفرة الأولى بنسبة 10% سنوياً، وهو دليل على وجود دورة اقتصادية شبيهة لتلك التي بدأت في العام 1992 وانتهت في العام 1996 بمعدل نمو سالب، كان سببها توجه الاستثمار إلى سوق العقار كما هو الوضع الآن.

الغريب في الأمر أننا أيضاً نعلن عن سقوط معدل البطالة حين يتراجع الاقتصاد وترتفع معدلات البطالة حين يتسارع نمو الاقتصاد، وهو عكس ما تشير إليه جميع نظريات الاقتصاد، السبب قد يكون أن النمو لا يولد وظائف للأردنيين، بل للعمالة الضيفة.

قد يتساءل المرء عما حصل للمليارات من الاستثمارات التي أبلغتنا عنها وأعلنتها على الملأ بعض الجهات الرسمية، والتي كان من الممكن لها، لو أنها تحققت فعلا، أن تنهض بالاقتصاد بمعدل 10% سنوياً.

اعتذر لاستخدام كلمة «لو» وأتمنى أنها تحققت أو ذهبت إلى القطاعات الإنتاجية كما ادعى البعض، بيد أن ما تحقق منها ذهب إلى رفع أسعار العقارات والأراضي لتجمد مدخراتنا في تراب لا يعمل، ولتشحذ الغلاء لا النمو.

أيضاً تدل هذه الأرقام على أن نسبة العجز في الموازنة إلى الاقتصاد الكلي في العام 2007 ستكون أقرب إلى 5.6% بدلاً من 5.4% كما صرحت الحكومة السابقة وأفاد به مشروع قانون الموازنة، ونعتقد أن نسبة العجز للعام الماضي ستكون أكبر من ذلك أيضاً.

وعلى الرغم من مبدأ «ما فات مات»، غير أن العجز المتراكم لا يموت، ويا ليته يموت، بل ينمو ويصبح أكبر حين تحتاج الحكومات والأجيال التي ترثه إلى سداده سواء من خلال الضرائب أو الاقتراض، وكلاهما سيّان على المدى الطويل، فالاقتراض يسد من خلال الضرائب والفوائد أيضاً.

أيضاً بلغ معدل التضخم مقاساً بالتغير النسبي في مخفض الناتج المحلي الإجمالي «التضخم» ما نسبته 5.7%، وسينمو هذا المعدل دون تغيير السلة الحالية لسلع المستهلك ليفوق 9% حسب تصريح وزير المالية. وإذا ما تغيرت السلة أو طريقة الحساب لتتماشى مع المستجدات الاستهلاكية الحالية فلا بد من أن يرتفع معدل التضخم ليصبح أكثر تمثيلاً لمعاناة المواطن.

وكان أكثر الأنشطة الاقتصادية نمواً بند صافي الضرائب على المنتجات 9.4% (أي أن الضرائب كانت أحد أكبر مصادر النمو وليس القطاع الإنتاجي)، نتيجة ارتفاع أسعار الواردات وكلف الإنتاج وبعض الزيادات الضريبية والرسوم، وهي نتيجة طبيعية، فالغلاء عادة ما يفيد الحكومات حيث تجمع ضرائب أكثر من السابق مع الغلاء لأن الناس تنفق أكثر، وبذلك يرتفع دخلها بينما يتراجع الدخل الحقيقي للمواطن. الأفضل طبعاً أن يزيد الإنتاج الحقيق فيرتفع دخل المواطن والحكومة الحقيقيين ويكسب كلاهما، بدلاً من أن يكسب الواحد على حساب الآخر.

وفي الفترة ذاتها نما قطاع منتجي الخدمات الحكومية 6.3%، أي أن دخل الحكومة نما بمعدل أعلى من معدل ارتفاع إنتاجها، والذي كان أعلى من معدل النمو للاقتصاد ككل. المبدأ الاقتصادي هو أن لا ينمو دخل شخص بأكثر من إنتاجيته، وإلا فيعتبر الدخل دخلاً ريعياً ينجم أساساً عن احتكار لسلعة أو خدمة وبذلك يكون إنتاجه غير كفءُ ويتولد عنه هدر الموارد الكلّية للوطن.

مشروع قانون الموازنة 2008 تضمن، نتيجة للارتفاع المتوقع للأسعار، تضمن زيادة أجور 550 ألف موظف في القطاع العام بين 40-50 ديناراً شهرياً، أي 600 دينار سنوياً، أو ما يقارب 300 مليون دينار سنوياً.

وبما أن 80% من دخل الحكومة، حسب مشروع الموازنة، سيأتي من الضرائب، فإن باقي القوة العاملة وأرباب العمل 650,000 عامل في القطاع الخاص سيدفع كل منهم 462 ديناراً إضافياً في العام المقبل من ضرائبه إلى أخوته في القطاع العام.

من سيزيد رواتب القطاع الخاص؟

لا يحتمل أن يقوم القطاع الخاص الذي يواجه شحاً في العمالة، وغلاء في موارد الإنتاج، وكلف الشحن، أن يقوم بتحمل هذه المصاريف الإضافية. أيضاً، حسب القاعدة الاقتصادية الأساسية القائلة إن ازدياد الدخل دون ازدياد الإنتاجية يؤدي إلى الغلاء، ومع تعويم أسعار الطاقة سيصبح الغلاء أكبر وأسرع، وهكذا ستتفاقم أعباء الغلاء ووطئه على الموظفين في القطاعين العام والخاص، وتصبح الزيادة بلا معنى في العام الذي يليه، فيطلب هؤلاء زيادة أخرى أكبر، ويرتفع الغلاء أكثر، وهكذا سندخل كل عام في دوامة الغلاء المتصاعد دون تحقيق الأهداف..

الأسعار ما كانت لتهم الشارع الأردني لو أن دخله كان أعلى: الحل هو زيادة إنتاج ودخل الأردن الحقيقيين، فالأسعار والقروض تأتي من الخارج، وكلاهما أمران لا تستطيع الحكومات التحكم فيهما، أما ما تستطيع أن تعد به وأن تحققه فهو تحسين مستويات إنتاج وتنافسية الأردن.

نتوسم الخير كل الخير في هذه الحكومة الفتية؛ نريد منها أن لا تكون متفرجاً غير مسؤول بل شريكاً عاملاً دؤوباً، لنرى تفعيل غير مسبوق لطاقات هذا الشعب الشاب، وتوظيف إبداعه في الأردن.

عن العجز المزمن في الميزانية: زيادة الإنتاج والدخل هو الحل – د. يوسف منصور
 
03-Jan-2008
 
العدد 8