العدد 49 - كتاب | ||||||||||||||
المعايير التي اتخذتها منظمة "مراسلون بلا حدود" ليست واضحة بصورة كافية، بما يتعلق بتصنيفها لحرية الصحافة 2008.يستوقف قارىء التقرير الأخير للمنظمة (في هذا العدد من "ے" متابعة له صفحة..) أن دولة مثل المغرب أو مثل مصر لا تحتل أي منهما موقعاً متقدماً في هذا التصنيف.علماً بأن الصحافة في هذين البلدين تتمتع بمستوى عال من حرية التعبير بالمقاييس العربية، وتتميز بالمنحى الاستقصائي في التقارير والتحقيقات، علاوة على ازدهار صحافة المعارضة في البلدين. ربما كان مقياس "مراسلون بلا حدود" في هذا الصدد، هو ظروف تضييق حكومية لحقت بمنابر إعلامية أو بصحفيين مصريين ومغاربة خلال العام الجاري 2008، على أن هذا المقياس ينبغي أن لا يحجب مجمل المشهد، ومنسوب الحريات الإعلامية في هذين البلدين، وحيث تفيد أية قراءة موضوعية أن هناك الكثير مما يمكن للصحفيين العرب، أن يتعلموه من صحافة مصر والمغرب بما في ذلك أجواء الحرية النسبية فيهما. إذا كانت حالات التضييق هي المقياس بالمطلق، فذلك يعني ببساطة أن صحافة ضعيفة تتحرك في هامش ضيق، ولا ينالها تبعاً لذلك أي تضييق (لانتفاء الحاجة إليه)، هي أفضل من صحافة ذات سقف أعلى ومهنية أكفأ، لمجرد أن هذه الأخيرة نالتها بعض حالات التضييق.وبمقياس الحريات فلا بد من ملاحظة أن العديد من الصحافات تخضع لرقابة ذاتية أو لرقابة المجتمع، بصورة لا يعود معها هناك من حاجة لرقابة السلطات..وانتفاء هذه الرقابة الأخيرة، لا يعني أن أحوال تلك الصحافة في مجال الحريات هي "عال العال". مقياس التضييق الرسمي يستحق أن يعتد به، فلا حرية مكفولة وقابلة للتفتح في مثل هذه الأجواء.غير أن هامش السماح المتاح والأعراف الإيجابية المستقرة، والقوانين المرنة حتى لو كانت مطاطة بعض الشيء، والمستوى المهني المرتفع، تستحق أن يؤخذ بها أيضاً كمقياس يقاس عليه. وهو ما ينطبق على حالة الأردن الذي احتل المركز الثامن عربياً في تصنيف "مراسلون بلا حدود". فهناك الكثير مما يستحق إنجازه لتعزيز مناخ الحريات الإعلامية عندنا، وبخاصة بما يتعلق بالإعلام الرسمي، إذا كان من حاجة لوجود مثل هذا الإعلام،بعد مضي نحو عقد على إلغاء وزارة الإعلام. علاوة على تدخلات في الإعلام الخاص ومشاركة حكومية في ملكية مؤسسات إعلامية كبيرة، مع ذلك فإن إعلام القطاع الخاص الأكثر نفوذاً وحضوراً يحقق بعض التقدم في مجال الحريات خاصة حرية التعبير، مما يتعذر إنكاره أو التقليل من شأنه، وبدليل ازدهار نسبي لصحافة المعارضة والصحافة النقدية، إضافة الى الفاعل الجديد المتمثل بالمواقع الإلكترونية الإخبارية، التي قد يفتقد بعضها الى السوية المهنية، بأكثرمن افتقاده للحريات.مثل هذه المواقع غائبة ولا وجود لها، في دول صنفت في مركز متقدم، وإن كانت هذه الدول تتمتع بهامش من الحريات الإعلامية. في نهاية الأمر، فإن معايير التصنيف، كالتي تعتمدها "مراسلون بلا حدود"، جيدة لكنها ناقصة، وتستحق بعض جوانبها المراجعة، لجهة الأخذ بمجمل المشهد الإعلامي وحصيلته النهائية في دولة من الدول ومجتمع من المجتمعات، وإيلاء اهتمام أكبرمن طرف المنظمة العالمية، لمساحة الحرية المتاحة أمام الصحافة في تناول السياسات الداخلية لبلدانها. |
|
|||||||||||||