العدد 49 - أردني | ||||||||||||||
حسين أبو رمّان وزير سابق فضّل عدم ذكر اسمه، يقول "تمثل البلديات نموذجاً تاريخياً للامركزية الإدارية" قبل أن تتغول عليها الحكومات، متسائلاً: "لم لا نعيد للبلديات صلاحياتها، بدل أن نذهب في اتجاه مشروع غير واضح المعالم". مشروع الأقاليم التنموية الذي أعدته لجنة ملكية ترأس أعمالها رئيس مجلس الأعيان زيد الرفاعي أواخر العام 2005، أحيل بعد أن رفع آنذاك إلى الملك عبد الله الثاني، إلى حكومة عدنان بدران التي كانت على مسافة ثلاثة أيام من الرحيل. في كتاب التكليف الملكي لحكومة معروف البخيت، أكد الملك أن في توصيات لجنتي الأجندة الوطنية والأقاليم، ما يمكن أن يعد هادياً ومرشداً للحكومة للاستناد إليها، في تبني برنامج الإصلاح الشامل اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. حكومة البخيت، أكدت في بيانها الوزاري أنها ستسترشد بمخرجات لجنتي الأجندة الوطنية والأقاليم، كإطار لتسريع وتيرة الإصلاح ومأسسته في جميع الجوانب. لكن توصيات لجنة الأقاليم ظلت حبيسة الأدراج ،إلى أن أمر الملك عبد الله الثاني مؤخراً بإعادة دراستها، فقررت حكومة نادر الذهبي، بعد اجتماع مع رئيسي مجلسي الأعيان والنواب، عضوي اللجنة الملكية، يوم 20 تشرين الأول/أكتوبر، تشكيل "فريق فني متخصص" للنظر في تنفيذ توصيات لجنة الأقاليم بشكل متدرج، ودراسة تداخلها مع التشريعات النافذة. وكان الملك ذكّر في خطاب العرش بمناسبة افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة يوم الخامس من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بتكليف لجنة ملكية وضع تصور لإدارة الحكم المحلي في المملكة، على أساس احتياجات الأقاليم وأولوياتها، وأشار إلى "أن المشاركة في صنع القرار وتنفيذه، وخاصة في المحافظات، تستدعي التفكير في أسلوب إدارة محلية، يميل إلى اللامركزية"، وشدّد على ضرورة أن تبادر الحكومة، بالتعاون مع مجلس الأمة، إلى "دراسة توصيات لجنة الأقاليم، ووضع تشريع يستند إليها". لم يطّلع الرأي العام على النص الرسمي لمشروع لجنة الأقاليم، لكن بات من المعروف أن اللجنة الملكية بلورت تصوراً يقوم على تقسيم المملكة إلى ثلاثة أقاليم: إقليم الشمال ويضم محافظات الشمال الأربع (إربد، عجلون، جرش، والمفرق)، وإقليم الوسط ويضم ثلاثاً من محافظات الوسط (الزرقاء، البلقاء، ومادبا)، حيث تم استثناء المحافظة الرابعة وهي محافظة العاصمة، وإقليم الجنوب ويضم محافظات الجنوب الأربع (الكرك، الطفيلة، معان، والعقبة). وبما يخص مجالس الأقاليم، فإن كل واحد منها يتشكل بالانتخاب المباشر من قبل مواطني الإقليم، بحيث يخصص لكل محافظة العدد نفسه من المقاعد وهو عشرة. وبحسب مصدر مقرب من أحد أعضاء لجنة الأقاليم، فإن موازنة الإقليم تتقرر من خلال موازنة الدولة، وينطبق الأمر نفسه على تقسيم موازنة الإقليم بين المحافظات المكونة للإقليم. وأشار المصدر نفسه إلى أن قسطاً مهماً من عمل اللجنة في بداياته، انصب على صياغة عناصر لقانون بلديات جديد، وأن توزيع الصلاحيات بين رئيس البلدية ومدير البلدية، احتل حيزاً مهماً من المناقشات. التصور الذي اقترحته اللجنة، لا يبدو أنه يقدم صيغة مبتكرة لترجمة الرؤية الملكية للأقاليم التنموية، فالأقاليم الثلاثة صيغة متداولة في الأدبيات التنموية الأردنية، لا سيما لدى وزارة التخطيط، ولكنها مجرد صيغة لتقسيمات جغرافية، ولم تكن يوماً محركاً للتنمية. ويمكن أن يعدّ موضوع التمثيل المتساوي للمحافظات المعنية في مجلس الإقليم، بمثابة وصفة سحرية قد تؤدي لتأليب المحافظات الكبيرة ضد المشروع، لأن التمثيل المتساوي للوحدات الجغرافية المتباينة في عدد سكانها، يأتي في العادة كمستوى ثانٍ من التمثيل بعد مستوى أول يعكس فيه التمثيل الثقل السكاني، هذا فضلاً عن أن إخراج العاصمة من المشروع، وهي التي تمثل أكثر من 38 بالمئة من عدد سكان المملكة، يعتبر أمراً كافياً لوضع العصا في دواليب المشروع. فالعاصمة ليست مجرد حاضنة لوزارات ومؤسسات حكومية مركزية ليتم استثناؤها من صيغة الأقاليم، فمحافظة العاصمة تضم سكاناً مثل سائرالمحافظات لهم احتياجاتهم وقضاياهم، ولها أيضاً مثل المحافظات الأخرى حاكم إداري، ومديريات عامة تابعة للوزارات الخدمية. وقد أكد الملك بوضوح على توسيع قاعدة المشاركة الشعبية، فكيف يستقيم ذلك إذا استثنيت المحافظة الأكبر من التمثيل الإقليمي؟! لجنة الأقاليم لدراسة هذا المشروع، صدرت الإرادة الملكية لتشكيلها يوم 31 كانون الثاني/ يناير2005 من 12 شخصية، بعضوية زيد الرفاعي، عبد الرؤوف الروابدة، فايز الطراونة، عبد الهادي المجالي، مروان الحمود، رجائي الدجاني، عوض خليفات، نايف القاضي، ممدوح العبادي، عقل بلتاجي، هشام التل، ومها الخطيب. بعد مضي نحو عشرة أشهر على تشكيلها، قدمت اللجنة يوم 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 نتائج أعمالها إلى الملك، ثم أحيل الملف إلى الحكومة. لقد تضمن الخطاب الملكي عدداً مهماً من المبادئ والأسس والأهداف والعناصر الخاصة بهذا المشروع، لكن يبقى أن هناك مساحة واسعة للاجتهاد بشأن شكل الأقاليم المنشود قيامها، وأسس انتخابها ووظائفها وآليات عملها وعلاقتها بالحكومة المركزية. فإلى أي مدى، اقتربت لجنة الأقليم من ترجمة فحوى الخطاب الملكي؟. حكومة البخيت التي تسلمت نتائج أعمال لجنة الأقاليم الملكية، وضعت هذا الملف برمته على الرف، ولم تقم بأي مبادرة، لا بتحويل هذه النتائج إلى مشروع قانون لعرضه على البرلمان، ولا بطرح هذا الملف للنقاش العام، بغية التعرف إلى ردود فعل المجتمع والقوى السياسية عليه. لقد أثار طرح مشروع الأقاليم التنموية اهتماماً كبيراً في أوساط الرأي العام الأردني، وقوبل بترحيب واسع من الكتاب الصحفيين والمعلقين السياسيين والاقتصاديين، لكن الإسهام بأفكار جديدة أو رائدة أو بدراسات معمقة تثري المشروع كان متواضعاً. من بين الإسهامات في هذا المجال، دراسة قدمها الكاتب في ندوة متخصصة في حزيران/ يونيو 2005، بحثت في الخيارات المختلفة لقيام تشكيلات تنموية ونشرت في مجلة "قضايا المجتمع المدني"، ودعت إلى تقسيم المملكة إلى (10) أقاليم تنموية من بينها إقليم خاص بوادي الأردن (الأغوار الشمالية والوسطى والجنوبية) ، وإقليم خاص بمحافظتي جرش وعجلون، وآخر خاص بمحافظتي الكرك والطفيلة، واستندت الدراسة في ذلك إلى أن التواصل الجغرافي لا يشكل، بحد ذاته، عنصراً كافياً لكي يجعل من الأقاليم التنموية الواسعة، كأقاليم الشمال والوسط والجنوب، أرضية مناسبة للتخطيط التنموي والإدارة اللامركزية. يلتقي مع هذه الرؤية، الكاتب الصحفي والخبير البيئي باتر وردم، الذي يعتقد أن الأقاليم التنموية يمكن أن تنشأ بالاعتماد أساساً على خصائص الموارد الطبيعية، مستخلصاً أن هناك ستة أقاليم متميزة، جاء عدد منها مماثلاً للمقترح السابق بما يخص وادي الأردن، محافظتي الطفيلة والكرك، محافظة معان، ومحافظة العقبة. ورأت الدراسة أنه لا بد من البحث عن التجانس والخصوصية التي تعكس تحديات تنموية محددة، كمنطلق لتشكيل الإقليم التنموي. ضمن هذا المنظور، شددت على أن الخيار المفضل في المدى المباشر، أن يتم تشكيل أقاليم تنموية صغيرة الحجم نسبياً، واعتماد نظام التمثيل النسبي لتشكيل مجالس الأقاليم. كما رأت الدراسة أن يتم تمثيل الأقاليم الصغيرة بـ (9) أعضاء، والمتوسطة بـ (13) عضواً، والكبيرة بـ (19) عضواً، وإقليم العاصمة بـ (29) عضواً. وللالتفاف على مشكلة ضعف الأحزاب السياسية، اقترحت الدراسة اعتماد مفهوم «القوائم الاجتماعية» التي قد تتشكل من حزب أو ائتلاف حزبي، أو من مواطنين غير حزبيين يأتلفون في قائمة اجتماعية واحدة، ويشترط لذلك أن تعلن هذه القوائم عن نفسها رسمياً وتتبنى برنامجاً انتخابياً معلناً. في هذا الإطار، دعت الدراسة إلى تمثيل المرأة بما لا يقل عن 20 بالمئة من مقاعد كل مجلس. "الأقاليم التنموية" مشروع يلفه الغموض، فلم يسبق أن قامت لجنة ملكية بإعداد تصور لقضية عامة، أو صياغة وثيقة أو مشروع ما وأبقته الحكومة المعنية طي الكتمان، كما هو الحال مع هذا المشروع العتيد. أجواء التكتم رافقت عمل اللجنة، وشجعت على إشاعة تأويلات عن أن المشروع هو جزء من تصور لحل إقليمي للقضية الفلسطينية، يكون الأردن طرفاً فيه. |
|
|||||||||||||