العدد 49 - أردني | ||||||||||||||
دلال سلامة كان سلطي الأسعد يقف حائرا أمام إحدى معاصر سحم الكفارات القريبة من إربد، حين جاء، كما يفعل كل سنة، ليشتري مؤونة العام من زيت الزيتون. مبعث الحيرة، أنه لا يملك من الخبرة ما يمكنه من الحكم على جودة الزيت، فما هو معروض أمامه يبدو له متشابها تماما، وهو كثيرا ما تعرض للغش. حيرة سلطي تعكس حيرة كثير من الناس الذين يتناقلون فيما بينهم مصطلحات تصنف الزيت إلى مراتب، فيقال: زيت بكر وغير بكر أو زيت عصرة أولى وآخر عصرة ثانية. وهي مصطلحات يستخدمها التجار في الأساس لترويج بضاعتهم، فيتناقلها الناس فيما بينهم دون أن يدركوا على وجه الدقة معناها الحقيقي، فالذين يقبلون مثلا على شراء الزيت البكر باعتباره أفضل الأنواع، لا يدركون أن التسمية تطلق أيضا على أحد أنواع الزيت غير الصالح للاستهلاك البشري. م. جمال البطش رئيس وحدة الزيتون في وزارة الزراعة، يشرح المعنى: يؤكد أن الزيت البكر هو الزيت الذي تم استخلاصه عن طريق عملية الطرد المركزي، أي بطريقة ميكانيكية، ودون استخدام طرق أخرى تساعد على استخلاص المزيد من الزيت من عجينة الزيتون، كإضافة مواد معينة أو تعريض الزيتون إلى درجات حرارة عالية. ينبه البطش إلى أن الزيت البكر نفسه ينقسم إلى أنواع: فهناك البكر الممتاز وهو الأفضل عالميا، ونسبة الحموضة فيه لا تزيد على 0.8 بالمئة، والبكر، ولا تزيد نسبة الحموضة فيه على 2 بالمئة، أما البكر العادي، فلا يجب أن تزيد حموضته عن 3.3 بالمئة، فإذا زادت عن هذه النسبة يصبح الزيت من نوع البكر الوقادي، وهو زيت غير صالح للاستهلاك البشري ويستخدم لأغراض صناعية. إلى ذلك، فإن تصنيف الزيت إلى عصرة أولى وثانية، لم يعد تصنيفا يعكس الواقع الحالي، فبحسب على العمري، الذي يعمل خبيرا فنيا في إحدى معاصر سحم الكفارات، لم يعد هناك مايسمى بعصرة أولى وثانية، فقد كان ذلك قائما في المعاصر التقليدية القديمة، التي لم تكن مؤهلة لاستخلاص كامل كمية الزيت من العصرة الأولى كما تفعل المعاصر الآلية الحديثة، "فكانت العملية تتم على أربع مراحل، وكانت جودة الزيت تقل بتكرار عملية العصر، إلى أن يصبح في العصرة الرابعة غير صالح للاستهلاك"، كما يقول. ويؤكد البطش على ذلك، مشيرا إلى أن هناك دولا تقوم بعصر الجفت، ولكن هذه تقنية غير مستخدمة في الأردن، لأن الزيت الناتج يحتاج إلى معالجة ليصبح صالحا للاستهلاك البشري . ومع ذلك، فإن العمري يشير إلى تجربة حاول فيها احد مصانع الصابون استخلاص الزيت المتبقي من الجفت، ولكن "لم ينجح المصنع في ذلك، فالزيت المتبقي في الجفت لا تزيد نسبته على 1.5 بالمئة من الحجم الكلي، ولم تكن بالتالي تجربة مجدية اقتصاديا". أمام المعصرة، وفي وقت كان الجميع فيه يوقفون عرباتهم ويقومون بتنزيل شوالات الزيتون، فقد كان هناك مشهد يجري بالمعكوس، فأبو نضال كان يقوم بإعادة تحميل شوالاته إلى شاحنته الصغيرة، فقد رفضت المعصرة عصر زيتونه: "قالوا لي إنه في حالة سيئة، وطلبوا مني أن أعود في نهاية الموسم". الفني علي العمري، يشير إلى أن حالة مثل هذه تتكرر، وتعكس أخطاء كثيرا ما يرتكبها المزارعون، وهي أخطاء تكلفهم الكثير: لقد قطف الرجل زيتونه مبكرا وخزنه في شوالات البلاستيك شهرا كاملا، وعندما وصل كان في حالة سيئة جدا، وعصره كان سيلوث أدوات المعصرة ويؤثر في طعم الزيت المعصور بعده. "في وضع مثل هذا نطلب من المزارع أن يعود في نهاية الموسم، ونقوم بعصر الزيتون مباشرة قبل صيانة الآلات." يقول العمري. سوء التخزين للزيتون ليس هو الخطأ الوحيد الذي يرتكبه المزارعون، فالأخطاء بحسب البطش تبدأ منذ اللحظة الأولى لزراعة الشجرة: "إهمال الشجرة يؤثر في نوعية الثمار ويؤدي إلى إصابتها بالآفات، وهذا يؤثر في نوعية الزيت ، كما أن القطاف بطرق عنيفة يسبب التهتك للثمرة ويتلفها ، بالإضافة إلى خزن الزيتون لمدة تتجاوز اليومين في عبوات محكمة الإغلاق وتفتقر إلى التهوية". يشير البطش في هذا السياق إلى ممارسات خاطئة أخرى تتعلق بتخزين الزيت، مثل خزنه في أوعية زجاجية شفافة، ما يعرضه لتأثير الضوء، أو خزنه في أماكن رطبة. وهو يقول إن "أفضل الأوعية لتخزين الزيت، هي المصنوعة من الستيل، كما تفعل المعاصر، أو من الزجاج المعتم، أما استخدام عبوات البلاستيك، كما يفعل الناس غالبا فهذا يؤثر في طعم الزيت." لذلك فإن رفع مستوى الوعي لدى المزارعين، كان واحدا من الأهداف الرئيسية التي تركز وزارة الزراعة على تحقيقها، من أجل النهوض بصناعة الزيت الأردني، وجعله مطابقا للمعايير العالمية، كي يحظى بسمعة تمكنه من اختراق الأسواق العالمية. من هنا أيضا تأتي أهمية الخطوة التي قام بها الأردن في العام 2002، عندما انضم إلى المجلس الدولي لزيت الزيتون IOOC، وهو منظمة عالمية تعمل على تشجيع تسويق منتجات الزيتون في أنحاء العالم، وساهم انضمام الأردن إليها في حصوله على مكتسبات كثيرة، منها الاستفادة من حملات الترويج التي نفذها المجلس، والتي ساهمت في الوصول إلى أسواق واعدة. وكذلك الحصول على دعم فني لمختبرات فحص الزيت في المملكة، شمل الأجهزة والمعدات اللازمة، بالإضافة إلى تعريف المنتج الأردني بآخر المستجدات العلمية فيما يتعلق بالزيتون والزيت. الأردن الذي سيترأس ابتداء من العام 2009 المجلس الدولي لزيت الزيتون، وهو منصب يتناوب عليه الأعضاء بشكل دوري، يأمل في أن يسهم ذلك في تعزيز مكانته في هذا القطاع، ومساعدته على اختراق الأسواق العالمية. |
|
|||||||||||||