العدد 49 - أردني
 

نهاد الجريري

تعكس شجرة الزيتون جانباً لا يُستهان به من تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وحتى السياسية، في هذا البلد.

نظرةٌ إلى رقعة زراعة الزيتون المتسعة باستمرار في المملكة، تكشف ما حققته هذه الزراعة من قفزات نوعية، وبخاصة منذ عقد السبعينيات من القرن الفائت. كانت الأوضاع في السبعينيات ارتبطت بنكسة العام 1967 في غير جانب، ومن ضمنها - وليس أقلّها أهمية - عدم القدرة على تلبية الطلب المتزايد على الزيتون، وجبة الإفطار المفضّلة لدى الأردنيين، وعلى زيت الزيتون الذي يدخل عنصراً رئيسياً في كثير من الوجبات الغذائية الشائعة والشعبية. الأمر الذي اضطر الأردن إلى التفكير بتغيير خططه الزراعية لتعويض الزيت الذي فقده -أو مُنع من استيراده- باحتلال الضفة الغربية.

أما حقبة الثمانينيات، فقد ارتبطت برخاء اقتصادي أنعش الطبقة الوسطى من ناحية، وشهدت عودة أفواج من المغتربين الأردنيين في الخارج من ناحية أخرى، ما ساهم في انتشار ظاهرة شراء الأراضي، واستثمارها كمزارع وحدائق عائلية احتوت معظمها على أشجار زيتون، نظراً لسهولة العناية بـ»الزيتونة»، وقلة استهلاكها للمياه مقارنة بأنواع أخرى من الأشجار المثمرة.

التسعينيات ارتبطت بحرب الخليج الثانية، وعودة أعداد إضافية من المغتربين الأردنيين الذين وجدوا في حقول الزيتون، استثماراً مربحاً ومريحاً، كما تنسموا فيها عبق الأجداد.

كانت الدولة عكفت منذ منتصف الستينيات، على إطلاق عدد من مشاريع استصلاح الأراضي، التي شجّعت بشكل أو بآخر زراعة الزيتون تحديداً. هدفت هذه المشاريع إلى تشجيع الاستقرار في الريف والحد من الهجرة إلى المدينة، وربما عكس التيار، بتشجيع الهجرة من المدينة إلى الريف هذه المرة. أرقام وزارة الزراعة العام الفائت، تشير إلى أن أكثر من 60 ألف عائلة أردنية تعتاش من أشجار الزيتون، ما أصبغ على العمل في هذا القطاع صفة «العمل العائلي».

التوسع في زراعة حقول الزيتون امتد الى المناطق الصحراوية، وبخاصة في البادية الشمالية والشرقية، ما أسهم في تشجيع الاستقرار في تلك المناطق. إلا أن هذا لم يخرج بـ»الزيتون الصحراوي»، وكذلك زيتون الأغوار، من دائرة الجدل في ما يتعلق بجدوى زراعةٍ كهذه، تستهلك كميات ضخمة من المياه الجوفية أو مياه الري.

اتساع رقعة الزراعة وارتفاع معدلات الإنتاج، جعلا قطاع الزيتون في مقدمة القطاعات الزراعية في الأردن، التي تدرّ دخلاً معتبراً لخزينة الدولة يقدَّر بـ70 مليون دينار سنوياً. فضلاً عن أن الأردن في السنوات الخمس الأخيرة، حقق اكتفاء ذاتياً من زيت الزيتون، فلم يستورد من الزيت شيئاًً، فيما كمية الزيتون المستوردة خلال هذه الفترة بالكاد تُذكر.

أهمية الزيتون الاقتصادية والاجتماعية تعدّت هذين المنتجين. فمع الارتفاع غير المسبوق في أسعار المحروقات في العامين الأخيرين، تبلور توجّه حثيث على مستوى الأفراد وعلى مستوى صناعات ناشئة، لاستغلال بقايا ثمار الزيتون «الجفت» الناتج عن عصر الزيتون زيتاً.

التجربة العملية والبحث العلمي، يُظهران أن احتراق الجفت بطريقة آمنة يُنتج طاقة قليلة التكلفة وكفيلة ببث الدفء في المنازل، بل وتشغيل المولدات الكهربائية. ترافق هذا مع ظهور صناعات موازية، مثل صناعة المدافئ والبويلرات المعدّة لاستخدام الجفت، إضافة إلى إنشاء معامل لتصنيعه، وإن ما زال هذا على نطاق ضيق ويحتاج الى المزيد من التطوير.

مؤسسة تشجيع الاستثمار انتهت أخيراً من دراسة لتصنيع منتج غذائي «مخلل لبّ الزيتون» من الجفت. هذا المنتج سيضاف إلى قائمة طويلة من الأطعمة والوصفات الغذائية الشعبية التي تعتمد زيتَ الزيتون عنصراً أساساً فيها.

من المكمورة إلى المسخن، من الخبيزة والعكوب «الحوس» وأقراص السبانخ ومناقيش الزعتر والمقدوس والشطة بزيت، إلى «رشة» الزيت على صحن السلطة ببصل، و»قدحة» الثوم والبصل فوق طبق من العدس «الفَتّ».

هذا الاستخدام الواسع للزيت في الأطباق الأردنية – الفلسطينية، ربما جاء بديهياً بحكم كثرة أشجار الزيتون في المنطقة؛ إلا أن فوائده لا تخفى على غير المختصين، حتى صار البحث العلمي في العالم كله يروج لأهمية زيت الزيتون كغذاء صحي.

تشجع إدارة الغذاء والدواء الأميركية، على تناول ملعقتين من زيت الزيتون يومياً، للتقليل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب. دراسة أجرتها جامعة نورثويسترن في شيكاغو الأميركية أظهرت أن زيت الزيتون يقلل من مخاطر الإصابة بسرطان الثدي. كما يقلل من مخاطر سرطان القولون، ويقاوم هشاشة العظام. بهذا فإن منتجاً في متناول اليد،يحمل لصاحبه مزايا صيدلية طبيعية .

الترويج للكشوف الطبية عزز سوق زيت الزيتون عالمياً، فصار سلعة رائجة ومربحة. رافق هذا وضع مقاييس ومواصفات دولية لضمان سلامة الزيت. وربما كان في اكتشاف فضيحة غش الزيت الإيطالي مطلع العام الجاري بملايين الدولارات، مؤشر على ربحية هذه السوق من ناحية، وعلى ضرورة التقيّد بالمعايير الدولية من ناحية ثانية، لضمان استمرار تدفق صادراتنا من الزيت.

هنا في الأردن وبمبادرة ملكية، سيصار إلى وضع شعار التاج الملكي على منتج الزيت الأردني المستوفي شروط الجودة. من شأن هذه الخطوة الإسهام في تحسين جودة الزيت الأردني وتقديمه بالصورة اللائقة، وبالتالي زيادة قدرته التنافسية محلياً وإقليمياً وعالمياً. كما تم تشكيل مجلس وطني أردني (في العام 2003) يضم 4 فرق لتذوق زيت الزيتون البكر، بهدف تصنيف الزيت وفقاً للمواصفة الأردنية، المتوائمة مع المواصفة الدولية الصادرة عن المجلس الدولي للزيتون. من المتوقَّع أن يتولى الأردن رئاسة المجلس في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

أهمية الزيتون في بلادنا لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية والغذائية والطبية. فالزيتون جزء من موروثنا الديني والحضاري. شجرة الزيتون مباركة في القرآن والإنجيل. ما أضفى عمقاً روحياً على رمزيتها، عن السلام والديمومة على حد سواء.

سليلة تاريخ وحضارات ممتدة في المنطقة: شجرة الزيتون: قيمة مضافة للاقتصاد الوطني
 
30-Oct-2008
 
العدد 49