العدد 49 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري في السبعينيات، بدأت عينا أبو محمد في الانتباه إلى شجرة بدت جديدة على المشهد شبه الصحراوي الذي اعتاد على رؤيته طوال حياته، فقد لاحظ انتشارا بطيئا لمزارع الزيتون التي أخذت في منطقة المفرق؛ في صبحا وصبحية ودير الكهف وأم القطين، والتي كانت أعدادها تزداد عاما بعد عام محدثة تغييرا على المشهد الذي ألفه بحكم عمله ضامنا لحقول البندورة والبطيخ. زادت المساحات الصحراوية المزروعة بالزيتون في السنوات الأخيرة، والتي تمتد جغرافيا من المنطقة الواقعة من شرق المفرق باتجاه الحدود العراقية، أي على جانبي الطريق الدولي الموصل إلى بغداد، بالإضافة إلى المساحة الممتدة من شرق الرمثا حتى المفرق على امتداد الحدود السورية، أو على طول شارع إربد المفرق. تُضاف إلى ذلك مناطق مثل الموقر (شرق سحاب). بحسب إحصائيات العام 2007، بلغت مساحات الزيتون في البادية الشمالية 31 ألف دونم، أنتجت 11 ألف طن من الزيتون. أما الموقر، شرقي عمّان، فيحتل زيتونها مساحة إجمالية تُقدر بنحو 8766 دونماً، تنتج 582 طنا من الزيتون. تقوم زراعة الزيتون في الصحراء على الري، فهي تنضوي تحت عنوان الزراعة المروية، التي تشكل 23 بالمئة فقط من مجمل زراعة الزيتون في المملكة. وقد كان لوفرة هذه المساحات الشاسعة القريبة من مصادر المياه الجوفية، ما شكل إغراء لكبار المزارعين والتجار للاستثمار في زراعة الزيتون هناك، لا سيما وأن الزيتونة معروفة عموما بقدرتها على تحمل مناخ تلك المنطقة. وأهم من ذلك أنها معروفة بقدرتها على تحمل الملوحة هناك. من أشهر أصناف الزيتون التي تتحمل الجفاف: النبالي المحسن والرصيعي وغروسادي إسبانيا؛ بالإضافة إلى أصناف تتحمل المناخ الصحراوي تحديدا، ويمكن ريها بالمياه المالحة، وهي الأصناف التركية عموما، مثل آيفوليك وجيكر وأورمجيك، بحسب ما جاء في الموقع الإلكتروني لوزارة الزراعة. لكن هذا لم يكن ليجعل زيتون الصحراء يحظى بمباركة جميع الأوساط المعنية، فبعضها يؤيد هذا التوجه ويعتبر غزو الصحراء على هذا النحو قصة نجاح، فيما يراه آخرون مضيعة للجهد وتبذيرا لمياه عزيزة. فهمي شتات، اختصاصي البستنة الشجرية والتخزين في كلية الزراعة بالجامعة الأردنية، ينتمي إلى الفريق الأول المؤيد لغزو الصحراء بشجر الزيتون. ويعتبر أن هذا التوجه يمثل "صمّام أمان" بالنسبة لإنتاج الزيتون في المملكة، الذي يتأثر بتذبذب الأمطار من عام إلى عام. ويعتبر شتات أن الآبار الجوفية التي تشكل مصادر مياه لهذه المزارع "لا تقع تحت تصرف الأردن وحده، بحيث تُوضع سياسات محددة لاستغلالها". ويخلص إلى أنه "إذا لم نستغل هذه الآبار، فسوف يستغلها الآخرون"، سواء شرق الحدود السعودية أو شمال الحدود السورية. لكن محمد العلاونة، وزير الزراعة الأسبق، يعتبر أن "الزيتون مكانه الجبل والصخر". ويعتقد أن الجدوى الاقتصادية لا تتحقق بزراعة الزيتون في الصحراء. وبحسبه، فإن كيلو الزيتون في البادية يكلف نحو ثلاثة دولارات، بينما يكلف في المناطق السهلية دولارين، ولا تزيد كلفته في الجبل عن نصف دولار. ويتساءل العلاونة عن جدوى الاستثمار في الصحراء بينما تظل 4 ملايين دونم من الأراضي البور في المرتفعات. جمال البطش رئيس وحدة الزيتون في وزارة الزراعة يتفق مع العلاونة في الاحتراز من تكلفة إنتاج الزيتون العالية في الصحراء مقارنة بمثيلاتها في المناطق البعلية. ويقول إنه في العام 2007، بينما بلغت كلفة إنتاج صفيحة الزيت البعل 35 دينارا، بلغت مثيلتها المروية 41 دينارا. البطش يلفت أيضا إلى أن الزيت الصحراوي لا ينافس كثيرا في الأسواق، وعليه فإن معظم الإنتاج يُستغل في الكبيس والتخليل. وهو ما يتضح من أرقام وزارة الزراعة للعام الماضي. فمثلا، بلغ إنتاج الموقر من زيتون الكبيس 103 أطنان، مقابل 78 طنا من الزيت؛ البادية الشمالية أنتجت 2835 طنا من الزيتون الكبيس مقابل 153 طنا من الزيتون. لكن في مناطق بعلية مثل محافظة البلقاء، كان واضحا تغلب إنتاج الزيت على الزيتون الكبيس؛ فبلغ الأول 4809 أطنان فيما بلغ الثاني 2479 طنا. وبلغة الأرقام أيضا، يجادل المؤيدون بأن حجم إنتاج الزيتون من المزارع الصحراوية أكبر منه في مثيلاتها البعلية، لأن الزراعة في الأولى تخضع للسيطرة بينما تظل الثانية رهنا بما تجود به السماء. ويمكن الإشارة هنا إلى أن ما مجموعه 31 ألف دونم في البادية الشمالية ينتج 11 ألف طن من الزيتون؛ بينما 76 ألف دونم في عجلون تنتج 16 ألف طن زيتون. ومرة أخرى، قد يجادل الطرف الآخر بأن العبرة في النهاية لصافي الإنتاج. إذ تنتج عجلون 2460 طنا من الزيتون المخلل و 2893 طنا من الزيت، أما زيتون البادية فيخلص إلى 2835 طنا من الزيتون المخلل مقابل 153 طنا فقط من الزيت. زراعة الزيتون في الصحراء ما تزال محل جدل حتى في أوساط وزارة الزراعة نفسها. وقد جاء في موقع الوزارة الإلكتروني: "ساعدت زراعة الزيتون على توسيع الغطاء النباتي فظهرت شبه محميات من المزارع الخاصة في المناطق الصحراوية، ما يحسن خصائص التربة". لكن فقرة لاحقة تقول إن "زراعة الزيتون في تلك المناطق أدت إلى ازدياد التلوث الناجم عن مخلفات المعاصر والبلاستيك الزراعي، وظهرت آفات زراعية في أماكن لم تكن تظهر فيها، وحدث خلل في التوازن الحيوي نتيجة الرش بالمواد الكيماوية". وبالرغم من كل هذا وذاك فقد "أدى انتشار زراعة الزيتون في المناطق الصحراوية إلى استقرار السكان في مناطق البادية وخلق فرص عمل جديدة في تلك المناطق، ما أوجد حالة اجتماعية جديدة وظهر في الأردن لأول مرة المزارع المتفرغ". |
|
|||||||||||||