العدد 49 - بورتريه | ||||||||||||||
محمود الريماوي منذ نحو أربعة عقود يحتل رجائي المعشر (64 عاماً) موقعه في صدارة الحياة الاقتصادية (المصرفية بخاصة)، وفي قلب المؤسسة السياسية والتشريعية: وزيراً وعيناً لأكثر من مرة منذ العام 1974؛ ثم في الحياة الإعلامية بترؤسه مجلسَ إدارة "شركة الطباعون العرب" مالكة صحيفة "شيحان" (سابقاً)، وصحيفة "العرب اليوم". بذلك حقق أبو نبيل، وما زال، حضوراً لافتاً في الحياة العامة، زاد منه نشاطه في هيئات اجتماعية منها هيئات معنية بإعمارالسلط وبالعادات الاجتماعية فيها، وهو سليل إحدى عائلاتها الكبيرة البارزة. نجح خلال ذلك، أن ينأى بنفسه ما وسعه الجهد عن استقطابات مراكز القوى، فقد عمل وزيراً للاقتصاد والصناعة والتجارة، مع قطبَي الحكومات في السبعينيات والثمانينيات: زيد الرفاعي ومضر بدران. وكانت خدمته في الوزارة شاقّة، كما ينقل مقربون منه، فقد تولى الوزارة وهو في الثلاثين من عمره، وكان يصطدم بمتطلبات وزارة المالية وتقييد صلاحيات الوزير الإدارية، واقتصار وزارة الاقتصاد التي تولاها في البدء على شؤون الاقتصاد والتجارة، لا الاقتصاد الوطني برمته. لم ينغمس في نشاط سياسي أو حزبي في شبابه، وهو الابن البكر للأب النائب والوزير الراحل صالح المعشر، الذي كان مقرباً من الراحل سليمان النابلسي. وكان الأب استقال في العام 1957 من عضوية مجلس النواب، بعد منحه "الثقة" لخطاب العرش لأن "المؤسسة أفرغت من مضمونها". العرش فوق الخلافات، أما الحكومات فشيء آخر (كما قال الأب لابنه). هذه الواقعة ربّما ولّدت لدى الفتى رجائي آنذاك إدراكاً مبكراً بما يكتنف عالم السياسة من تعرجات وحساسيات، لكنه بحكم تقيّده بخط الدولة، دخل لاحقاً عالَمَ السياسة من الباب الرسمي وزيراً، ولم يدخلها من أي باب آخر. انصب اهتمامه خلال يفاعته على التحصيل العلمي، وقد لقي دفعاً هائلاً من والده في هذا الاتجاه نحو العلم والمعرفة. في ندوة استذكارية عن الراحل صالح المعشر، تحدث رجائي من ضمن ما تحدث به في المناسبة، عن تشجيع الأب لابنه لقراءة ثلاثية نجيب محفوظ (زهاء 700 صفحة). غير أنه لم يُعرف عنه في ما بعد ولعه بالآداب والفنون. لكنه ظلّ أميناً على الميراث الممتد للعائلة ذات الاهتمامات الاقتصادية والتجارية. ورغم أنه اتجه في الجامعة الأميركية ببيروت لدراسة الكيمياء، إلا أنه في دراسته العليا في الولايات المتحدة اختار دراسة إدارة الأعمال والتسويق، الأقرب إلى توجهات العائلة وإلى مواهب الشاب نفسه، الذي لم يبدأ من الصفر في مجال الأعمال، وبالذات في الحقل المصرفي (البنك الأهلي). فقد كان آل المعشر من مؤسسي البنك في العام 1955: يوسف وإلياس المعشر، إلى جانب الوزير سليمان السكر. وظلت حصة آل المعشر الأساسيةَ في هذه المؤسسة، التي تعدّ أول بنك محلي النشأة. بعد نيله الدكتوراه من جامعة ألينوي الأميركية، وعودته إلى عمّان، اندفع رجائي نحو تأسيس شركات خاصة به منها: شركة التأمين العامة ، شركة المنظفات الكيميائية، شركة السلفو كيماويات (أفاد من دراسته للكيمياء في تأسيس هاتين الشركتين)، ثم الشركة الأهلية التي تحولت بعدئذ إلى بنك الاستثمار. خلال مسيرته الممتدة في "الأهلي" نجح، لكن ليس بغير عناء، في دمج بنوك: "الاستثمار" و"الأعمال" و"فيلادلفيا" و"الاعتماد"، في "البنك الأهلي"، الذي تحول إلى مؤسسة كبيرة مع تركة ثقيلة لعملية الاندماج، نظراً لاختلاف ثقافة العاملين وسلوكهم المهني. علاوة على تبعات الأزمة الاقتصادية الكبرى أواخر الثمانينيات، وانخفاض سعر الدينار. نجح رجائي المعشر رغم هذه الصعوبات في الحفاظ على البنك، الذي يتخذ من غصن الزيتون شعاراً له، وفي فتح فرعَين له في دبي وبيروت، والأخير ما زال عاملاً وناجحاً، أما فرع دبي فقد أُغلق بعد أن اصطدم بقوانين محلية خاصة بالبنوك الأجنبية، كما تفيد بذلك معلومات وردت في كتاب "البنك الأهلي الأردني خمسون عاماً من العطاء" الذي أعده عبدالله المالكي. الطموح الهائل الذي توفّر عليه الرجل، وُوجِهَ بتحديات عرف كيف يتخطاها. بل إن أبا نبيل يختار أحياناً طرقاً صعبة دون سواها ليسلكها، ومن ذلك شراؤه لـ"العرب اليوم" التي كانت مثقَلة بالديون أواخر القرن الماضي، وتمكُّنه من السداد والنهوض بالمؤسسة. أزمة التسهيلات المصرفية التي اتُّهم فيها سميح البطيخي ومجد الشمايلة في العام 2001 انعكست على "الأهلي" الذي بقي لسنوات، غير قادر على توزيع أرباح لمساهميه. لكن رئيس مجلس إدارة البنك، تمكن من استعادة معظم المبالغ الممنوحة كقروض من البنك "على التلفون"، وبدأ توزيع أرباح وأسهم مجانية منذ العام 2004. لا يعتزم أبو نبيل ولا يرغب في العودة للعمل في القطاع العام، وكان استقال من حكومة زيد الرفاعي الأخيرة قبل أشهر من اندلاع الأزمة الاقتصادية، دون أن يُخلي طرفه بصورة نهائية كوزير من الأزمة. نشاطه وحضوره في القطاع الخاص يشغلان وقته ويستنزفان جهده، غير أنه ينشط في مجلس الأعيان منذ العام 1993 في اللجنتين: القانونية، والمالية والاقتصادية. في مقالة كتبها قبل أسابيع رئيسُ مجلس إدارة "شركة الطباعون العرب" وناشر "العرب اليوم"، بعنوان "خمس حقائق"، كتب رجائي في "صحيفته" عن الفصل الذي يقيمه بين الإدارة والتحرير، وأشار إلى عدم تعرضه لضغوط، وإلى تمسكه بثوابت أردنية مستقرة. قلّما يكتب رجائي مقالات، غير أن باعث المقالة تلك، كان شيوع لغط حول حملة منظمة شنتها الصحيفة حول رئيس الديوان الملكي آنذاك وشخصه. كانت تلك واحدة من آخر التحدّيات التي واجهت رجائي، بخاصة أن أسلوب الحملة جاء بعيداً عن أسلوبه هو كـ"رجل دولة". وانتهت الأزمة بإجراء محدود اتخذته إدارة الصحيفة.. ثم انتهت ذيولها خارج نطاق الصحيفة، باستقالة عوض الله نفسه من رئاسة الديوان. اعتاد رجائي التعامل مع الأزمات، والعمل في بيئة أزمات، وبقدر ملحوظ من النجاح تسنده روح التحدي عند الرجل وهدوء أعصابه وموهبته في الحسابات الدقيقة وجلَده في العمل، وإن انعكس ذلك على سيماء شخصيته التي تبدو متكتمة غير تواصلية، وهو ما يلحظه، على الأقل، من لا يعرف الرجل عن قرب. مَن يدري، فقد يرى رجائي المعشر في الأزمة المالية العالمية، التي تُلقي بظلالها على العالم أجمع، تحدّياً جديداً وشخصياً له، وهو من رواد العمل المصرفي وفي صدارة عالم المال ورجال الأعمال في الأردن والعالم العربي.. بانتظار رؤيته للخروج من الأزمة وتطويق تداعياتها على الأردن مثلاً. |
|
|||||||||||||