العدد 8 - اقتصادي
 

تتراشق نقابات عمالية والحكومة الاتهامات ويحمّل كل منهما الطرف الآخر مسؤولية تعثر برامج إحلال عمال أردنيين مكان الوافدين في قطاعات إنتاج رئيسية، في بلد يأوي أكثر من نصف مليون عامل وافد جلهم من مصر.

وبينما تصطدم جهود تشغيل الأردنيين بجدران تدني الرواتب، غياب الحوافز وطول ساعات العمل، يرى اقتصاديون أن اعتماد قطاعات المخابز، الإنشاءات والزراعة على عمالة غير أردنية يهدد هذه القطاعات بمخاطر الارتهان لإرادة الوافدين. يشكل الوافدون 70 % من عمال المخابز المقدر عددهم ب 10 آلاف، بحسب رئيس النقابة العامة للعاملين في المخابز عبد الإله الحموي.

ومع تزايد معدلات البطالة، المقدرة رسميا ب 14.3 %، تتجّه الأنظار الرسمية والشعبية إلى الحرف والمهن لمواجهة شبح البطالة ورفيقها الدائم “الفقر”.

أول الغيث الإنشاءات

وتواترت برامج تشغيل الأردنيين بعد تدريبهم وتأهيلهم على مختلف المهن. من أبرز تلك البرامج مشروع طموح تنفذه القوات المسلحة، وزارة العمل ونقابة المقاولين، ويستهدف تدريب وتأهيل 200 ألف مدني للعمل في الإنشاءات.

تأتي هذه البرامج بينما ترتفع أعداد العمالة الوافدة في المملكة من260357 عام 2005 إلى 289724 ألفا العام الماضي رغم تشديد الإجراءات للحد منها.

يؤثر هؤلاء العمال بشكل مباشر على مختلف القطاعات التنموية في المملكة. فعدا عن العبء الذي يلقونه على البنية التحتية للبلاد، فإنهم يعدون عنصرا رئيسيا في هروب العملة الصعبة. خلال النصف الأول من العام الحالي حوّل هؤلاء نحو 124 مليون دولار إلى بلدانهم الأصلية، وفقا لإحصائيات مالية رسمية. وتتركز العمالة الوافدة في قطاع الخدمات بنسبة 36 % فيما يقطن 52 % محافظة العاصمة. يشكّل العمال من جنسيات عربية 72 % من الوافدين، على رأسها الجنسية المصرية بنسبة 70 % من العرب، بحسب دراسة أعدتها وزارة العمل عام 2007 حول أعداد وتصنيفات العمالة الوافدة.

مقترحات وحلول

نقابة أصحاب المخابز عرضت على وزارة العمل في شباط /فبراير الماضي مشروعا لتشغيل الأردنيين في قطاع المخابز، الذي بات “مهددا”، بحسب النقابة، في ظل نقص العمالة المحلية المدربة وتشديد إجراءات استقدام العمالة الوافدة.

منذ ذلك التاريخ تتبادل الوزارة والنقابة الاتهامات بشأن عدم تنفيذ المشروع، الذي أكدت فيه النقابة استعدادها لتشغيل أردنيين برواتب لا تقل عن 150 دينارا، على أن تدفع وزارة العمل ثلاثة دنانير إضافية لكل عامل أردني يتم تشغيله في المخابز. وفي حال التزام الطرفين بالتعهد بذلك فإن مجموع راتب العامل المحلي سيصل إلى 250 دينارا، أي ضعف الحد الأدنى للأجور، بحسب مشروع النقابة السابق.

وتحمّل النقابة وزارة العمل مسؤولية تحديد آلية لتشغيل العمالة الأردنية في قطاعها باعتبارها “صاحبة الولاية”. لكن الوزارة تعتبر أن النقابة هي المسؤولة عن صياغة مثل هذه الآلية.

ورغم ذلك يؤكد الأمين العام لوزارة العمل ماجد الحباشنة أن تدريب الأردنيين وتشغيلهم هو “الهدف الأسمى للوزارة”، ويبدي في الوقت نفسه استعداد الوزارة “الكامل” للتعامل مع أي آلية تطرحها النقابة لتدريب الأردنيين.

والحباشنة يرى كذلك أن نقل تجربة تدريب المدنيين للعمل في قطاع الإنشاءات إلى المخابز أمر فعال ويحل مشكلة كبيرة. بيد أنه يشير إلى عدم وجود أي توجه أو خطة لدى الوزارة حاليا لتنفيذ مثل هذا الأمر.

الحباشنة يتهم النقابة بـ”عدم الجدية” في متابعة مشروعها ويتساءل: “هل سيلتزم أصحاب المخابز بما التزم به المقاولون من ناحية الراتب والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي؟».

بيد أن رئيس النقابة الحموي يشير إلى أن النقابة والوزارة اتفقتا في الثلث الأول من العام الحالي على أن تشكل الوزارة لجنة تضم مؤسسة التدريب المهني وممثلين عن غرفة صناعة عمان والنقابة ووزارة العمل “لصياغة آلية لتدريب وتشغيل الأردنيين في قطاع المخابز”.

ويشددعلى أن الوزارة “لم تعاود الاتصال بالنقابة منذ ذلك التاريخ” ما فسره بأن الوزارة “تتباطأ” أو”ترفض” المضي قدما بالاتفاق، لكن الوزارة ترمي اتهام “التباطؤ” في ملعب النقابة. نائب نقيب أصحاب المخابز نبيل الخطيب كان تعهد في وقت سابق بتشغيل الأردنيين بدلا من الوافدين ودفع خمسة دنانير لكل طن طحين يخبز على يد عمال أردنيين، فيما أشارت الوزارة حينها إلى أن مشروع التدريب والتشغيل الوطني سيتولى متابعة صرف رواتب المتدربين والمشتغلين الأردنيين في المخابز.

الحموي يعتبر أن “المشكلة تقع على كاهل الوزارة وليس النقابة” مؤكدا أنها على “استعداد تام للتعاون في أي مشروع لتدريب الأردنيين وتشغيلهم في قطاع المخابز”.

ويدعو رئيس النقابة إلى إيجاد آلية تعاون مع القوات المسلحة شبيهة بمشروع تدريب قطاع الإنشاءات. ويشير إلى أن لدى القوات المسلحة مخابز يمكن لها أن تدرب أي أردني للاتجاه للعمل في المخابز.

وفي ضوء تساوي كلفة العامل الوافد مع نظيره الأردني، يؤكد الحموي أن النقابة تفضل العامل المحلي على سواه، مؤكدا أن النقابة تحرص دوما على توفير تأمين صحي وضمان اجتماعي وراتب يصل 300 دينار لعمال المخابز.

تحذير

يحذر الحموي من مخاطر نقص الأيدي العاملة المدربة في قطاع المخابز الاستراتيجي، في ظل ارتفاع كلفة الاستقدام وعدم توفر عمال أردنيين مؤهلين. ويعتبر العمالة الوافدة “عبئا” على قطاع المخابز، خصوصا وأن كلفة العامل الوافد تضاعفت خلال سنوات قليلة ليصل أجر خبز الطن الواحد من الطحين إلى خمسين دينارا بدلا من 25 دينارا. وإلى حين إيجاد آلية وبرنامج عمل لإحلال الأردنيين مكان الوافدين في المخابز، يظل هذا القطاع جاذبا كبيرا للعمال الوافدين الذين يجدون فيه سبيلا للعمل والعيش وإن كان أمام “بيت نار” لا يرحم لهيبها.

ويوفر عزات عبد الواحد، وهو مصري من المنوفية في الأصل ويعمل في مخبز بأحد ضواحي عمان، نحو ثلثي أجره الذي يزيد على 330 دينارا بحسب قوله.

ويعيش عبد الواحد مع 5 زملاء آخرين في منزل من غرفتين ما يمكنهم من توفير جزء كبير من قيمة أجرة البيت. وهو يخرج كل صباح قبل آذان الفجر إلى عمله ليبدأ بتجهيز الطحين وعجنه استعدادا لدفعه إلى “الفرن الآلي” ليخرج خبزا طازجا ساخنا.

وعبد الواحد محظوظ أكثر من محمد حسنين الذي يعمل في مخبز لم تصله التكنولوجيا الحديثة في إحدى مناطق الرصيفة.

فحسنين يقف طوال ساعات نوبته أثناء النهار أمام “بيت النار” يتناول رقائق العجين من زميل له ويتولى خبزها.

ولا يبالي حسنين بمشقة عمله فهو “خير وبركة” ويمكنه في آخر الشهر من تحويل أموال لأسرته وتوفير جزء من راتبه أملا في جمع “تحويشة” تساعده على شراء شقة لعائلته في بلده.

10 ملايين دولار شهرياً

ويقدر الخبير الاقتصادي مازن مرجي حجم تحويلات الوافدين العاملين في المخابز إلى بلدانهم الأصلية بنحو عشرة ملايين دولار شهريا، ما يلقي عبئا على البنية التحتية والذي يحمل البلاد كلفا اقتصادية أخرى فضلا عن هدر الأجور بالعملة الصعبة. ولا يرى مرجي سببا لسيطرة الوافدين على القطاع “مهنة سهلة تحتاج مهارات بسيطة يمكن تدريب الأردنيين على تأديتها”.

بيد أن عمالاً أردنيين في المخابز يقولون إن “تدني الرواتب وعدم توافر تأمين صحي ولا ضمان اجتماعي” تحول دون إقبالهم على العمل في المخابز. وإلى جانب تلك الثلاثية يوضح ناصر، وهو شاب أردني يعمل في أحد مخابز الرصيفة بمحافظة الزرقاء، أنه يعاني من طول ساعات العمل التي تبدأ في السابعة صباحا وتنتهي مع حلول منتصف الليل، فضلا عن تدني راتبه البالغ 250 دينارا يدفع قرابة نصفها أجرة لمنزله ويصرف الباقي على أسرته المكونة من ثلاثة أطفال.

ومن أجل تشغيل الأردنيين في مختلف القطاعات تنفذ وزارة العمل عبر أربع أذرع تتبع لها عدة برامج ينفذها مشروع التدريب والتشغيل الوطني عدا عن مركز التشغيل الوطني ومؤسسة التدريب المهني وصندوق التنمية والتشغيل. وفي سبيل حث المؤسسات والشركات على تشغيل الأردنيين، قررت وزارة العمل أخيرا رفع رسوم تصاريح العمل. لكن هذا الإجراء لم يدخل حيز التنفيذ إذ أنه ما يزال ينتظر إقراره من مجلس الوزراء بصورته النهائية.

معارضة أرباب العمل

في المقابل، يصل عدد الباحثين عن العمل المسجلين لدى المركز إلى 17.5 ألف.

على أن القطاع الخاص ينتقد السياسات الحكومية. كما تلقى جهود إحلال العمال الأردنيين بدلا من الوافدين معارضة من أصحاب عمل.

رئيس اتحاد المزارعين أحمد الفاعور يرى أن تجارب تشغيل الأردنيين في قطاع الزراعة التي نفذها الاتحاد مع الحكومة “أثبتت فشلها”. ويرد ذلك إلى خصوصية هذا القطاع الذي ترتبط مواسم الإنتاج فيه بزمن وفترات محددة، فضلا عن أن الطقس والعقود التصديرية والزراعات المكثفة والري كلها أمور تلعب دورا رئيسيا وتحتاج خبرة ودراية واسعة.

ويعتبر الفاعور أن العامل الأردني لا يستطيع العمل لساعات طويلة ويرفض المبيت في المزارع، في الوقت الذي يقبل فيه الوافد ذلك . ويتهم الفاعور العامل الأردني بأنه لا يريد العمل، وما يزال يؤمن بـ”ثقافة العيب”. ويوضح أن الاتحاد قدم عدة مشاريع للتعاون مع وزارة العمل من أجل تشغيل الأردنيين، لكنها “لم تحرك ساكنا”.

وبخلاف رأي الفاعور، يشدد نقيب مقاولي الإنشاءات محمد الطحاينة أن الأردني يريد العمل ولم يعد يؤمن بـ”ثقافة العيب” في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي يرى أنها تدفع الأردني للبحث عن عمل يؤمن له العيش الكريم.

ويوضح الطحاينة أن عدم توافر الأمان الوظيفي والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي، فضلا عن تدني الرواتب هي السبب في عزوف الأردنيين عن العمل في المهن الحرة. ولمواجهة ذلك يدعو الطحاينة إلى تنفيذ حملات توعية تستهدف الأفراد والأسر وتركز على توضيح أن العمل في الإنشاءات يدر ربحا جيدا ويوفر ضمانات وظروف تشغيل لائقة.

ويعرب الطحاينة عن أمله في نجاح تجربة الشركة الوطنية للتدريب والتشغيل، التي أنشئت أخيراً وتستهدف تدريب نحو مائتي ألف مدني أردني للعمل في قطاع الإنشاءات، ويقول إن بواكير التجربة والإقبال على التسجيل والالتحاق فيها تبشر بنجاحها خصوصا وأنها توفر إلى جانب التدريب على العمل في الإنشاءات التدريب على الالتزام والانضباط في العمل.

تبادل اتهامات حول "سيطرة" العمالة الوافدة: "ثقافة العيب" تتهاوى أمام الفقر – السجل خاص
 
03-Jan-2008
 
العدد 8