العدد 8 - بورتريه
 

يقود الوزير خالد الإيراني سيارة يابانية خاصة به، صغيرة الحجم وصديقة للبيئة «تمشي على الهيدروجين» لا البنزين، ويستخدمها أحيانا في اثناء أدائه لعمله. والمشكلة مع هذه السيارة أن سعرها يبلغ ضعف سعر سيارة مماثلة تستهلك البنزين، وهو ما يحول دون انتشار استخدامها حتى الان في الأردن وغالبية دول العالم.

هذه على أي حال إحدى السمات البيئوية التي يتصف بها الوزير الشاب (43 عاماً) الذي سيظل اسم وزارة البيئة مرتبطاً به الى فترة مقبلة قد تطول، فقد تقلد هذه الحقيبة المستحدثة في ثلاث حكومات متتالية ترأسها منذ العام 2005 على التوالي: عدنان بدران ومعروف البخيت ونادر الذهبي. وهي من المرات القليلة التي يحتفظ فيها وزير بحقيبته في ثلاث حكومات. هذا رغم انه ليس أول زير يتقلد الحقيبة، فقد سبقه اليها كل من محمد ذنيبات وعالية حالتوغ، ولم يتح لهما قصر فترة كل منهما مأسسة الوزارة، وهو ما نجح به الإيراني الذي درس الهندسة الزراعية وبدأ عمله قبل نحو عشرين عاما باحثاً ميدانياً في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، ثم مديراً للمحميات فمديراً عاماً للجمعية، قبل أن يصبح وزيرا في حكومة بدران الذي كان عضواً في مجلس ادارة الجمعية الملكية.

يربط الإيراني الاستثمار والطاقة والصناعة بالبيئة مع صعوبة هذا الأمر وذلك نتيجة ضغوط وإغراء الاستثمار والحاجة لإقامة منشآت صناعية. وهذا الربط على جانب من الأهمية فالتقدم الاقتصادي حاجة مصيرية، ومن شأن حماية البيئة الحد من أية مفاعيل سلبية وجانبية للنشاطات الصناعية والسياحية ومنشآت الطاقة. ويسجل له في هذا الصدد عمله لمراقبة دورية للانبعاثات من مصنع الاسمنت في الفحيص، ووقف استخدام الفحم البترولي في المصنع بما لبى مطلبا أساسياً ومزمناً لسكان المدينة. أما مشروع دبين السياحي لإقامة منتجع في المنطقة برأسمال خليجي، إماراتي اساساً فتم نقله من وسط المنطقة الى موقع آخر ليحل محل استراحة مملوكة للضمان الاجتماعي، مع تفادي الأضرار البيئية التي كانت منتظرة لدى اختيار الموقع الأول.

ومما يسجل له أيضاً قيامه في العام الماضي باستحداث شرطة بيئية تتولى تفقد المصانع ومراقبة احترام سلوك المواطنين. وقد خضع أفراد هذه الشرطة لدورة تدريبية وتثقيفية نظمتها وزارة البيئة. ومن الواضح ان وجود افراد هذه الشرطة هو أمر مهم وذلك في ظل لامبالاة عامة حيال البيئة، لكنه غير كاف بحد ذاته، مع غياب ثقافة عامة تجعل من حماية البيئة مسؤولية ذاتية كل مواطن وأسرة وجماعة. يقول المرء بذلك رغم ان كاتب هذه الأسطر لم يصادف بعد احدا من أفراد هذه الشرطة.

كما يسجل للوزير الشاب أنه رفض منح اي ترخيص للمقالع والكسارات في منطقة الحسا والرصيفة والتي تستخدم بقايا الفوسفات في مواد البناء، وذلك نظرا لاحتواء هذه البقايا على مواد مشعة وهو ما أثار حفيظة بعض المستثمرين، كما تعرض بسيبب هذه المسألة الى هجوم بعض النواب عليه.

هذه النجاحات واكبتها صعوبات وتحديات ما زالت قائمة. منها أن العام 2007 قد مضى دون تحقيق هدف تعميم استخدام البنزين الخالي من الرصاص في المركبات. وذلك مع الاصطدام بصعوبة تسعير هذه السلعة في حال النجاح بتوفيرها، وذلك للفرق الكبير في السعر بين البنزين العادي الذي يستخدمه غالبية المواطنين لمركباتهم، وسعر الخالي من الرصاص. إضافة لصعوبات خاصة بمصفاة البترول لضمان تكرير هذه المادة.

وهناك إلى ذلك الإخفاق في توفير مادة الديزل الخالي من الكبريت لاستخدام المركبات، التي ما زالت تنفث أدخنتها الكثيفة السوداء في المدن والطرق الخارجية على السواء وتلوث الهواء، رغم أن دولاً عربية منها لبنان نجحت في مواجهة هذه المشكلة. ولعل مسؤولية هذا الإخفاق لا تعود الى شخص الوزير بل لأطراف عدة، منها مصفاة البترول التي تكرر مادة الديزل. أما ما أعلن عنه من قيام شركة أردنية باستيراد ودفن نفايات إسرائيلية مشعة في الأردن، فإن نفي الوزير القاطع هو أمر مهم، والأهم منه هو رفع اللبس وإجراء ما يلزم من تحقيق، للتثبت ما إذا كانت تمت من قبل عمليات دفن لهذه النفايات في الأراضي الأردنية. علماً بأن تل أبيب سعت على الدوام للتخلص من نفاياتها ودفنها في دول عربية (موريتانيا مثلاً) علاوة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالذات في شمال الضفة الغربية.

لا يسعى الوزير الإيراني لمجرد التنسيق البيروقراطي مع الهيئات والجهات ذات العلاقة بالبيئة، بل عمد الى تشكيل لجنة دائمة للتنسيق مع الجمعيات غير الحكومية ومع غرف الصناعة ومناطق الصناعة. وفي داخل الوزارة يقيم كما يقول عارفوه علاقات عمل مفتوحة مع الموظفين (150موظفاً)، وذلك على غرار آلية العمل في منظمات المجتمع المدني.

على أن وزارة البيئة لا تنال اهتماماً ملحوظاً من طرف الجمهور ووسائل الإعلام. ولئن كانت وزارة غير جماهيرية، لعدم تقديمها منافع مباشرة، إلا أنها تستحق أن تحسب في عداد الوزارات الخدمية الأساسية، وذلك لصلتها الوثيقة بالصحة العامة وحماية البيئة ونوعية الحياة، ويحسب للأردن ريادته في المنطقة العربية باستحداث هذه الوزارة. ونجاح الوزارة كما نجاح قضية سلامة البيئة يرتبط بنشر ثقافة عامة إيجابية وبالعمل على سن تشريعات ملائمة تواكب التشريعات العصرية، علماً بأن قانون البيئة لعام 2006 يعتبر قانوناً متطوراً وقد سمح للوزارة بإغلاق مؤقت لعدد من المصانع والمنشآت المخالفة.

وإذا كان هناك من يقول ان البيئة لم تتحسن تحسنا نوعيا وملحوظا في السنوات الأخيرة، فإنه يستحق الملاحظة ان الوضع «كان سيكون» أصعب لو أن الوزارة غير قائمة وذلك بالنظر الى الزيادة المطردة في عدد السكان، وتضاعف عدد المنشآت الصناعية والخدمية.

الإيراني: سلامة البيئة حين تصطدم بـ"بيئة" من اللامبالاة – محمود الريماوي
 
03-Jan-2008
 
العدد 8