العدد 48 - ثقافي | ||||||||||||||
عواد علي قصص فتاوى تكفير أصحاب الرأي والمبدعين في عالمنا العربي قديمة قِدم الجهل والتزمت واحتقار الرأي الآخر، وقد تحولت تلك القصص اليوم، في عصر حرية التعبير وثورة المعلوماتية، إلى مسلسل طويل ربما لن ينتهي إلاّ بعد قرون. من أشهر الفلاسفة العرب الذين أفتى بعض مشايخ السنة، والمعتزلة، والأشعرية بتكفيرهم: ابن سينا، الفارابي، الكندي، والرازي. وقد ناصبهم العداء اثنان من أبرز المناوئين للتفكير العقلاني والمنطقي في الثقافة العربية القديمة هما: الغزالي في كتابه "تهافت الفلاسفة"، وابن تيمية في كل كتبه. ورد الفيلسوف ابن رشد على الأول بكتاب «تهافت التهافت»، فناله ما نال أولئك الفلاسفة من اتهام بالكفر والهرطقة أدى إلى نكبته، ومنها حرق الكثير من كتبه وترجماته عن التراث اليوناني. ولعل قصة تكفير المتصوف الكبير الحسين بن منصور المعروف بالحلاج، وتقطيع أوصاله وحرقه من أبشع ما خلفته لنا فتاوى الإرهاب الفكري والمحاكم الفقهية في التاريخ العربي. في العصر الحديث كانت فتوى ملاحقة العالم المصري علي عبدالرازق العام 1925، على كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، أولى الفتاوى ضد أصحاب الفكر، وبلغ عدد التهم التي ُوجّهت له سبع تهم نتج عنها تجريده من لقبه العلمي، وفصله من وظيفته، وحرمانه من العمل أو تقاضي أجر من أية جهة. وابتداءً من ثمانينيات القرن الماضي اتخذت فتاوى التضييق على حرية الفكر والإبداع في العالم العربي أشكالاً مختلفة تندرج تحت ما يطلق عليه مرة اسم المصلحة العامة، وأخرى اسم الدين أو الأخلاق، وهي أسماء لم يرد منها معناها الحقيقي في حالات كثيرة، وإنما تسويغ عمليات القمع الفكري، ومصادرة حرية الرأي والتعبير، وإشاعة مناخ من الرضوخ إلى المواضعات والتقليد. وقد أفضت هذه الفتاوى إلى محاكمات للفكر والمفكرين ومصادرة لأعمال إبداعية أدبية وفنية، بل وأعمال تراثية أيضا كانت ميسورة التداول على مدى سنوات طويلة، وفي بعض الحالات أدت إلى إهدار دم بعض المفكرين والأدباء والفنانين، وإقامة الحد عليهم، كما هو الحال مع اغتيال: المفكر المصري فرج فودة، والشاعر الجزائري الطاهر جعوط، ومواطنيه الفنان عبد القادر علولة، والجامعي الجيلالي اليابس، والمفكرين اللبنانيين مهدي عامل، وحسين مروة، ومحاولة قتل نجيب محفوظ بسبب روايته «أولاد حارتنا». وإذا كانت فتاوى تكفير المفكر نصر حامد أبو زيد، والشاعر أحمد الشهاوي، والروائي حيدر حيدر، والكاتبة نوال السعداوي، والشاعر حسن طلب، والشاعر موسى حوامدة، وآخرين غيرهم، قد باتت معروفة على نطاق واسع خلال العقدين الأخيرين، فإن الحلقات الجديدة من مسلسل هذه الفتاوى لم تنتشر بعد، ومنها، على سبيل التمثيل لا الحصر، الفتوى التي تهدر دم الباحث السوري نبيل فياض على خلفية نشر كتابه «أم المؤمنين تأكل أولادها»، وقد قرر الباحث الهجرة إلى أوروبا بعد تلقيه تهديدات بالقتل، ونشر فتاوى أخرى على مواقع محسوبة على تنظيم القاعدة تعتبر قتله «فرض كفاية». وفي السعودية أصدر قبل فترة قصيرة الشيخ عبد الرحمن البراك، أحد رموز السلفيين في المملكة، فتوى بتكفير الكاتبين السعوديين عبد الله بن بجاد العتيبي، ويوسف أبا الخيل، المحسوبين على التيار الليبرالي، على خلفية مقالتين لهما نشرا في جريدة «الرياض»، وأعلن 20 شيخاً سعودياً تأييدهم للبراك، وطالبوا، في بيان أصدروه، بمحاكمة الكاتبين بتهمة الردة، وقتلهما إن لم يتوبا. مقالة العتيبي حمل عنوان «إسلام النص وإسلام الصراع»، رأى فيه «أن المتصارعين في التراث أدخلوا على النص زيادات ليبرروا بها رغباتهم وأهدافهم». أما مقال أبا الخيل فكان بعنوان "الآخر في ميزان الإسلام"، قال فيه إن «الإسلام لا يكفِّر من لا يدين به إلا إذا حال بين الناس وبين ممارسة حرية العقيدة التي يدينون بها، وإن دين الإسلام لا يكفّر من لم يحارب الإسلام من الكتابيين، أو من أتباع العقائد الأخرى، بل عدَّهم من الناجين». ولم تكن هذه الفتوى الأولى من نوعها للبراك، فقد أصدر بياناً سابقاً اتهم فيه الصحفيين والكتاب الليبراليين بـ«الاستخفاف بأهل العلم والدين،» واعتبر أنهم «يحملون أجندة مضادة للدوائر الشرعية والنيل منها،» مطالباً السلطات «بوضع حد لأمثال هؤلاء»، بحسب تعبيره. لكن مفتي السعودية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، اتخذ موقفا نادراً ضده وضد الشيوخ المتشددين الذين أيدوه، عندما صرّح بأن رجال الدين يجب أن يحذروا من الاندفاع إلى تكفير كتّاب واعتبارهم مرتدين عن الإسلام، وهى تهمة يمكن أن تستخدم لتبرير العنف ضدهم. وفي مصر أصدرت مؤخراً الكاتبة بسنت رشاد، مؤلفة كتاب «الحب والجنس في حياة النبي»، بياناً أكدت فيه أن شيوخا قاموا بتكفيرها وأهدروا دمها علناً في قناة فضائية تلفزيونية، كما أن كتابها تعرض للاستجواب في مجلس الشعب (البرلمان). وقالت الكاتبة، مدافعةً عن نفسها، «حاشا لله أن أكون كافرةً أو مرتدةً، أو أن أسيء للنبي عليه الصلاة والسلام.. إن الهدف من الكتاب لم يكن الإساءة للنبي، ومن فهم ذلك فقد جاء فهمه خاطئا.. إنه يتناول مسألة المعرفة الجنسية كأحد العلوم التي أولاها الإسلام اهتماماً خاصاً ولائقاً بأهميتها في استمرار الجنس البشري، والتي ما زالت تتعامل معها العقلية العربية بطريقة خاطئة، فالجنس كان وما زال أحد المجاهيل لدى التركيبة العربية قديماً وحديثاً، نظرا لعدم وجود ما يشرحه شرحاً سليماً وصحيحاً، وهو ما أدى إلى تعامل الرجل العربي مع المرأة بصورة معقدة نفسيا». وهنا في الأردن طالبت دائرة الإفتاء الأردنية أخيراً بتوقيف الشاعر إسلام سمحان ومصادرة ديوانه «برشاقة ظل» من المكتبات، بتهمة الإساءة إلى الدين الإسلامي، في ما توعدت دائرة المطبوعات والنشر بإحالة الشاعر وناشر الكتاب جهاد أبو حشيش، صاحب دار فضاءات، على المحكمة المدنية بعد أكثر من ثمانية شهور على صدور الكتاب. وقد رأى المفتي العام نوح القضاة أن الديوان يحتوي على «إيماءات ودلالات» اعتبرها «مسيئة إلى الذات الإلهية والملائكة والرسول الكريم» وقال في تصريحات لإذاعة محلية إن الشاعر «كافر ومعادٍ للدين». وهذه ثاني حالة تكفير لشاعر تحدث في الأردن خلال العقد الأخير، الحالة الأولى كانت للشاعر موسى حوامدة على ديوانه «شجري أعلى»، حيث استمرت محاكمته خمس سنوات أمام المحاكم الشرعية والمدنية في عمّان، لكنه خرج بريئاً في النهاية. |
|
|||||||||||||