العدد 48 - أردني | ||||||||||||||
حسين أبو رمّان في موازنة 2008، رصدت الحكومة مبلغاً "مجزياً" من المال لتمويل الأحزاب السياسية، ثم انتظرت تسعة أشهر حتى تصدر نظاماً للتمويل بـ "القطّارة". هذا النمط من التمويل قد يسهم في بقاء الأحزاب على قيد الحياة، لكنه لا يعول عليه لتنمية الحياة الحزبية والنهوض بها. أقر مجلس الوزراء نظام المساهمة في تمويل الأحزاب السياسية رقم 89 لسنة 2008 في الثاني من أيلول/سبتمبر الفائت، تنفيذاً لقانون الأحزاب السياسية رقم 27 لسنة 2007، لكن نظام التمويل الحزبي لم يدخل حيز التنفيذإلا في 29 أيلول/سبتمبر، موعد نشر النظام في الجريدة الرسمية. يخصص نظام التمويل مساهمة مالية سنوية لكل حزب مقدارها 50 ألف دينار، تدفع على دفعتين: الأولى خلال حزيران/يونيو، والثانية خلال كانون الأول/ديسمبر من السنة. تحدد المادة الرابعة منه أوجه الإنفاق، التي تشمل بدل إيجار لمقار الحزب، نفقات تشغيلية، رواتب للعاملين وأجور للمستخدمين في الحزب، وأي نفقات أخرى ذات علاقة مباشرة بتحقيق غايات الحزب وأهدافه. كانت الحكومة رصدت خمسة ملايين دينار لتمويل الأحزاب السياسية في الموازنة العامة للدولة للسنة المالية الحالية 2008. لكن تأخر صدور نظام التمويل سيقلص المبلغ الذي يمكن أن تستفيد منه الأحزاب القائمة وعددها 14 حزباً، إلى 350 ألف دينار، وهي قيمة الدفعة الثانية التي تستحق في كانون الأول/ديسمبر المقبل. أمين عام الحزب الشيوعي الأردني منير الحمارنة، قال لـ"ے": "إن فلسفة تمويل الأحزاب السياسية ترمي أساساً إلى تحويل الأحزاب، بما هي مؤسسات وطنية جامعة، إلى قوة فعّالة داخل المجتمع، وإلى تمكينها من الحركة والتعبير عن قضايا وتطلعات المجتمع". لكن الحمارنة يأسف لما يعتبره "مواصلة أصحاب القرار تجاهل هذه الرؤية، غير المرشحة لأن تأخذ طريقها إلى الفعل في المدى القريب، ما يفسر ضعف إمكانيات الأحزاب، والتردد والخشية التي يبديها المواطنون إزاء الانتساب للأحزاب". أمين عام حزب الرسالة حازم قشوع، جدد ترحّيبه بتمويل الدولة للأحزاب، وتساءل: "لماذا لم تتم دعوة الأحزاب للمشاركة في وضع هذا النظام، حتى تحيط الجانب الحكومي باحتياجاتها الفعلية ولو بحدودها الدنيا". قشوع شدّد على أن القانون الذي رفع عدد مؤسسي الحزب إلى 500 عضو كحد أدنى، فرض على الأحزاب أن يكون لديها 50 مؤسساً في كل واحدة من خمس محافظات على الأقل، "ما يعني أن الحزب مدعو لفتح خمسة مقار له على الأقل،للإيفاء بمتطلبات أن لا يكون الحزب جهوياً وهو ما يقتضي نفقات كبيرة". يشتمل نظام التمويل على ثغرات جوهرية، في مقدمتها تجاهله لإحدى أبرز وظائف التمويل وهي المساهمة في تغطية إنفاق الحزب على حملاته للانتخابات النيابية والبلدية. من المهم الإشارة إلى أن أي تفكير بتأجيل البت في تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب، إلى حين اقتراب موعد الانتخابات المقبلة في العام2011 مثلاً، ينطوي على خلل كبير، فمن المهم للأحزاب أن تعرف مسبقاً معايير وآلية التمويل المعتمدة، كي تسعى للالتزام بهذه المعايير أو التكيّف معها. أهمية تمويل انتخابات الأحزاب لا تقتصر على الحزب نفسه، بل تتعداها إلى الحد من ظاهرة العزوف عن العمل الحزبي، وتعزيز إقبال المواطنين على الانتساب للأحزاب، لأن تمويل الانتخابات يعني أن الأحزاب توفر لكوادرها ونشطائها البارزين فرصة تمثيل مواطنيهم في المجالس النيابية والبلدية. بهذا المعنى يلعب التمويل دوراً مكملاً أو موازياً لنظام الانتخاب بالقائمة النسبية. الحمارنة أمين عام "الشيوعي"، شدّد على أن التمويل ينبغي أن يبنى على أسس، تستهدف تمكين الأحزاب من بناء فروع لها في مختلف محافظات البلاد، ومن خوض الانتخابات النيابية والبلدية بما يتطلبه ذلك من إطلاق حملات انتخابية ذات كلفة مالية تفوق طاقة الأحزاب، وبخاصة مع التزايد المستمر لدور رأس المال في الانتخابات. الخلل الثاني في نظام التمويل، يتمثل في كون المبلغ المرصود سنوياً للمساهمة في تمويل الحزب السياسي متواضع، رغم أن موازنة تمويل الأحزاب مرصودة منذ بداية العام، إلا أن الحكومة "عاقبت" الأحزاب بحرمانها من مخصصات النصف الأول من السنة، بينما هي المسؤولة عن التأخير في إصدار النظام إلى أواخر أيلول/سبتمبر الماضي. كان الأولى أن يخصص نظام التمويل مبلغاً إضافياً معيناً يصرف لمرة واحدة،لمساعدة الأحزاب السياسية في اقتناء تجهيزات أساسية لازمة لمقارها. قشوع أمين عام "الرسالة"، يؤكد أن ما خصصه نظام المساهمة في تمويل الأحزاب لا يفي بالحد الأدنى من احتياجاتها: "لماذا إذاً تم رصد خمسة ملايين دينار في موازنة هذا العام لتمويل الأحزاب؟" وقال: "إنه كان ينبغي أن يتم صرف ما لا يقل عن مئة ألف دينار لكل حزب من الأحزاب القائمة لمساعدته في تجهيز مكاتبه ومقاره. وفي غياب مثل هذا الدعم، فإنه ما كان ينبغي أن تحرم الأحزاب من حصتها للنصف الأول من العام". من مظاهر الخلل الأخرى، أن النظام المعتمد جاء خلواً من أي شكل من الحوافز، حتى لو كانت رمزية، تربط رفع التمويل بنسبة معينة مقابل تحقيق إنجاز في مجال ما مثل: رفع نسبة المرأة والشباب في عضوية الحزب وهيئاته القيادية، وزيادة عدد مقرات الحزب لتشمل سائر محافظات المملكة. وحتى في جانب المساهمة بتغطية نفقات الحملات الانتخابية، يخصص مبلغ معين لكل صوت يحصل عليه مرشحو الحزب في الانتخابات، وكذلك لكل نائب يفوز له، ويمكن تخصيص مبلغ إضافي إذا كان النائب الفائز سيدة. الأحزاب التي لم تر "نور" التمويل بعد، يتطلع بعضها إلى التأكد من أن الدعم الذي نص عليه نظام التمويل قادم فعلاً. عندها ستدرك أنها نالت من "جمل" التمويل "أذنه"، وبما أن أثر التمويل ينبغي أن لا يقتصر على تشغيل ماكينة الأحزاب، بل نقلها إلى مرحلة أرقى من الأداء والدور، لذا تفعل الحكومة خيراً إن هي أعادت النظر في هذا النظام دون تأخير. |
|
|||||||||||||