العدد 48 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري صلاة الجمعة الماضية (16/10) التي أمّتها أستاذة الدراسات الإسلامية أمينة ودود في مدينة أكسفورد البريطانية لم تكن الأولى من نوعها، ففي 18/3/2005 قامت ودود نفسها بإمامة صلاة مماثلة ضمّت مسلمين ومسلمات في مدينة نيويورك الأميركية. ودود التي اعتنقت الإسلام في مطلع السبعينيات، وهي في الثلاثين من عمرها، هي المولودة لمطران أميركي وأم تنحدر من أصول بربرية، تعتبر أن إمامتها الصلاة لا تتعارض مع نص القرآن، وتقول في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية BBC إنها تبيّنت من دراستها "لروح الإسلام" ضرورة أن "نكون قادرين على الابتعاد عن التقليد الذي يمنع المرأة من الإمامة في الصلاة». وتزيد: "القاعدة لدي هي أن أصلي ومن ثمّ أن أطبخ". لكن قناعة ودود لم تكن كافية لمنع الضجة التي رافقت إمامتها الصلاة؛ ولا شك في أنها كانت تدرك أبعاد مثل هذه الخطوة التي تعتبرها "قفزة إلى الأمام" في الفكر والممارسة الدينية. ردود الفعل على ما قامت به ودود راوحت بين الرافض، المؤيد، ورأي ثالث دعا إلى عدم تضخيم المسألة، على اعتبار أنها لا تقارن بالتحديات التي تواجه المسلمين في العراق وأفغانستان، بحسب ما جاء في تعليقات رصدتها مواقع ومدونات إلكترونية. جمهور الرافضين من علماء وعوام على حد سواء يستندون إلى ثلاثة أمور، الأول، أنه "لم يُعرف في تاريخ المسلمين، الذي يمتد 14 قرناً، أن امرأة خطبت الجمعة وأمّت الرجال"، بحسب ما جاء في فتوى أصدرها العلامة يوسف القرضاوي الذي يوصف بالاعتدال. الفتوى المنشورة في موقعه الإلكتروني www.qaradawi.net. تعتبر صلاة المرأة بالرجال "بدعة منكرة». الأمر الثاني الذي استند إليه بعض الرافضين حديث يقول: "لا تؤمّن امرأة رجلاً، ولا يؤم إعرابي مهاجراً، ولا يؤم فاجر مؤمناً». وهذا حديث ضعيف "فلا يُحتج بمثله في هذه القضية" بحسب فتوى القرضاوي. أما الأمر الثالث والذي يأخذ به القرضاوي أيضاً، فهو قول الرسول: "خير صفوف النساء آخرها، وشرّها أولها، وخير صفوف الرجال أولها وشرّها آخرها». ويخلص القرضاوي إلى أن هذا الحديث جاء "بعداً عن أي فتنة تثار أو تحتمل». ويُقدّم لذلك بقوله: "اقتضت حكمة الله تعالى أن يخلق جسم المرأة على نحو يخالف جسم الرجل، وجعل فيه من الخصائص ما يثير الرجل ويحرك غريزته، حتى يتم الزواج الذي يحدث به النسل، ويستمر به النوع». هذا الشرح الأخير المتعلق بجسد المرأة كان مسيطراً على تعليقات حملتها مواقع إلكترونية. في موقع عمّون مثلاً الذي أورد 55 تعليقاً على الخبر، اعتبر 4 مشاركين أن المسألة "شرفية" بمعنى أن إمامة المرأة الرجال انتهاك لشرفها وعفتها؛ ورد بعضهم على مشارك أيّد إمامة ودود لصلاة الجمعة، بعبارات مثل "تخيل أختك أو مرتك مكانها». تعليق آخر تساءل "يا مسلمين وكيف تؤم بالمصلين وهي حائض أو نفاس؟" اللافت أن هذه الفكرة غابت بالكامل عن ردود الفعل التي تناقلتها وسائل الإعلام في الغرب سواء كانت غربية أو إسلامية. مختار بدري، نائب رئيس رابطة المسلمين في بريطانيا، اعتبر في حديث أجرته معه إذاعة BBC أن الصلاة التي أمّتها ودود مخالفة للشرع، مكتفياً بالقول إن "التعاليم الإلهية" لم تسمح بأن تؤم المرأة الرجال؛ مؤكدا أن هذا "لا علاقة له بمكانة المرأة في المجتمع، ولا ينتقص من قدرها، ولا يدل على عدم ثقة بعلمها». الموضوع نفسه كان موضع تعليقات وردت على موقع صحيفة الغارديان البريطانية www.guardian.co.uk. ونشرت الصحيفة مقالة للصحفية والكاتبة البريطانية كيا عبد الله، وهي مسلمة بنغالية الأصل، استقطب 66 تعليقاً. أيّ من هذه التعليقات لم يلمح ولو من بعيد إلى الشهوة والفتنة. المشارَكات التي ساهم بها مسلمون ومسيحيون وملحدون وعلمانيون اتخذت من الموضوع قاعدة انطلاق لمناقشة مسائل مثل المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام، وأهمية الدين عموماً في الحياة والسلوك، وإمكانية أن تُحدث المسلمة البريطانية فرقا فيما يتعلق بالممارسات الدينية في بريطانيا على الأقل. إحدى المشاركات انتقدت أن يقتصر الجدل على "تحرر" المرأة من "القيود الذكورية" في تفسير أحكام الدين على اعتبار أن "المرأة المسلمة تساهم في تدعيم الذكورية"، واقترحت أن يتحول النقاش من "النساء المسكينات في مواجهة الرجال الأشرار"، إلى "التقدم في مواجهة الرجعية». تعليق لافت آخر أشار صاحبه إلى أن ثمة "توزيع أدوار وواجبات على الجنسين: الرجل والمرأة يتواءمان مع الطبيعة التي خلقها الله فيهما». ويعتبر المشارِك أن ما فعلته ودود كان "زوبعة في فنجان"، وأنه كان حريّاً بها وبمؤيديها أن يتناولوا أمورا تتعلق بجوانب "الاضطهاد" الحقيقي الذي يمارس على المرأة المسلمة، مثل "إجبارها على الزواج واغتصاب ميراثها». وهذا يقود إلى الرأي الثالث الذي يستغرب الجدل المثار حول هذه المسألة. نداء زقزوق، المدرسة في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، تُحمّل المجتمع "المسلم" مسؤولية ما يحدث، وتقول إن ما فعلته ودود كان "رد فعل متطرفا لفعل متطرف في الأصل تمثل في المغالاة في النظرة إلى المرأة في الفكر الديني». وتخلص إلى أنه "لا خيرَ" يأتي من مثل هذه الأفعال وأن "ليس ثمة حاجة" لها. وتتساءل في النهاية عن المغزى من أن تؤم امرأة رجالاً إذا كانت صلاة الجماعة غير واجبة على المرأة من الأصل! انطلاقاً من مفهوم "الحاجة" إلى أن تؤم امرأة عالمة بالدين حافظة للقرآن رجالاً في مجتمع غير مسلم وغير ناطق بالعربية، على اعتبار أنها قد تكون أعرف من هؤلاء في أمور الدين في مجتمع كهذا، ردّ أحمد شحروري أستاذ أصول الفقه في كلية الحقوق بجامعة الزيتونة وإمام مسجدها بأن "لا وجود لمثل هذا المجتمع" وهو يُصرّ على أن أي مجتمع مسلم في الغرب لا يخلو من رجل يصلح لأن يؤم في الصلاة. قد يمضي وقت قبل أن نسمع بأمينة ودود أخرى تؤم رجالاً في الصلاة؛ فما كنا لنسمع بها اليوم بعد 3 أعوام على إمامتها الأولى في نيويورك إلاّ لأن هذه كانت المرة الأولى في بريطانيا؛ فقد سبقتها مرّات في مجتمعات غربية؛ حصراً في كندا وجنوب إفريقيا. ** إمامة الصبي جائزة إذا كان الأكثر قرآناً في أيار/مايو العام الماضي 2007، قام طفل في الثامنة من عمره بإلقاء خطبة الجمعة، ثم قام وأم بالمصلين في مسجد منشية القضاة في لواء الموقر شرقي عمّان. الطفل نهار محمود القضاة كان آنذاك، يحفظ سبعة أجزاء من القرآن. وفي خطبته، التي خلت من الأخطاء النحوية، ركز نهار على موضوع بر الوالدين مستشهدا بآيات من القرآن والأحاديث النبوية. مفتي المملكة نوح القضاة أجاز هذه الصلاة، مستدلاً بحادثة مماثلة وقعت أيام الرسول الكريم، إذ أمّ الصحابي عمرو بن سلمة في قومه في السنة التاسعة للهجرة ولما يتجاوز السابعة من عمره. وفي تفاصيل الواقعة أن ابن سلمة كان يتمتع بقدرة كبيرة على الحفظ، فكان يحفظ القرآن الذي يسمعه من المسافرين المارّين بمضارب قومه والذين كانوا يتناقلون أخبار الرسول في مكة والمدينة. بعد فتح مكة أسلم قوم ابن سلمة. فعلمهم الرسول الصلاة، وقال لهم «فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً.» فلم يجدوا أكثر حفظا للقرآن من ابن سلمة، فقدموه عليهم في الصلاة. ويقول ابن سلمة في رواية للبخاري إنه «كانت علي بُردة، كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا سوءة قارئكم؟ فقطعوا لي قميصاً، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص. |
|
|||||||||||||