العدد 48 - أردني
 

السجل - خاص

معروفة جيدا قصة رجل الأعمال الذي أنشأ فضائية للمنوعات، وعندما لم يجن الأرباح المرجوة، قام بتحويلها إلى قناة إسلامية. فقد كان هذا ما فعله رجل الأعمال السعودي منصور بن كدسة، الذي أطلق قناة "الناس" لتكون فضائية ترفيهية تبث الأغاني والفيديو كليب، ولكنه عاد فحولها إلى قناة إسلامية، وهي ما زلت كذلك.

هل هذا يعني أن القنوات الدينية المختصة أكثر درا للربح من القنوات العادية؟ وبكلمات أخرى، هل أصبح العلم بالدين تجارة مربحة؟ وهل إن "المشايخ" و"الدعاة" الذي يظهرون على شاشات الفضائيات يعرضون علمهم لقاء أموال قد تكون وفيرة؟ وهل يجاريهم في ذلك زملاؤهم الذين يبنون لأنفسهم مواقع على شبكة الإنترنت، أو يستقبلون الفتاوى عبر تقنية الرسائل القصيرة على أجهزة الهاتف النقال؟ وهل تحول هؤلاء من دعاة للدين إلى رجال أعمال ونجوم على شاشات الفضائيات؟

بحسب قائمة أصدرتها مجلة فوربز العربية لأعلى دعاة الدين الإسلامي دخلا، احتل عمرو خالد رأس القائمة بثروة قدرتها المجلة بنحو 2،5 مليون دولار، وحل بعده في الترتيب الكويتي طارق سويدان بنحو مليون دولار، وفي المركز الثالث جاء السعودي عائض القرني بدخل وصل إلى 533 دولار.

وبحسب ما أوضحته المجلة، فإن مصادر هؤلاء الدعاة تأتي في صورة رئيسية من الإنتاج التلفزيوني والبرامج التي يتم بثها على شاشات الفضائيات، بالإضافة إلى التسجيلات الصوتية من أقراص مدمجة وأشرطة كاسيت دينية. وتقول المجلة إن الدعوة صارت مصدرا للدخل والثروة ولم تعد في ذلك تختلف عن غيرها من النشاطات التي يمارسها رجال الأعمال ونجوم الفن والرياضة.

فعلى الرغم من خصوصية الدعوة الدينية، التي يفترض أن تكون خالصة لوجه الله، فإن المعايير التي تخضع لها أجور هؤلاء الدعاة، هي ذاتها المعايير التي تخضع لها أجور رفاقهم من نجوم الفن والرياضة، فلكل منهم أجر محدد يتناسب مع شعبيته ونجوميته، ويمكن للداعية الإسلامي أن يرفع أجره إذا شعر أن هنالك دلائل على توسع رقعة شعبيته.

عمرو خالد مثلا كان يتقاضى في بداياته 500 دولار عن الحلقة الواحدة التي يظهر فيها على شاشة فضائية ما، ولكنه رفع أجره إلى 10 آلاف دولار، بعد ظهور برنامجه "صناع الحياة."

وكما في عالم نجوم كرة القدم، ينتقل الدعاة من قناة فضائية إلى أخرى بحثا عن أجر أعلى، كما حدث عند انتقال الداعية عبلة الكحلاوي، التي كانت تظهر في برنامج "عم يتساءلون"، إلى قناة الحياة خلال شهر رمضان الماضي.

وبما أن القضية استثمار أو "بزنس" كما يقال في قطاعات استثمارية أخرى، فإن المحطات الفضائية قد توقع مع الدعاة عقود احتكار، يحصر ظهور الداعية في قناة فضائية معينة، تماما مثل عقود الاحتكار التي كانت توقعها استديوهات السينما في مصر وهوليود فيما مضى.

مثل هذا الاحتمال قد يتحقق قريبا، إذا ما انتقلت هذه الفكرة إلى حيز التطبيق. فقد أكد جاسم المطوع، مدير محطة اقرأ الفضائية، على شرعية احتكار الدعاة بعقد احتكار مع القناة الفضائية الإسلامية. وإن كانت عقود الاحتكار قد انتهت في مجال السينما في كل من هوليود ومصر في الخمسينيات، وتحول الفنانين عن عقود الاحتكار إلى ترك الأمور لقانون العرض والطلب، فإن نجوم الدعوة، يسلكون طريق نجوم كرة القدم الذي لا يزالون يوقعون مثل هذه العقود مع النوادي الرياضية.

غير أن هناك من يفضلون تعويم الأجور لترتفع أو تنخفض بحسب العرض والطلب، فالشيخ محمد حسين يعقوب، الذي يتقاضى 10 آلاف جنيه عن الحلقة في الأيام العادية، يرفع تسعيرته إلى 15 ألف جنيه في مواسم الحج، ورمضان، والمولد النبوي.

أما الإفتاء، بوصفه جزءا من الدعوة، فقد تحول أيضا ليصبح وسيلة للكسب وبابا من أبواب الرزق، فمن برامج الإفتاء على الهواء مباشرة، إلى الإفتاء في زوايا خاصة في مواقع إلكترونية إسلامية، إلى تجارة الإفتاء عن طريق الموبايل، وكل من هذه الوسائل له تسعيرته الخاصة.

الأردن لم يشهد حمى الفتاوى كما حدث في بلدان عربية أخرى، فلا استثمار بطريقة مباشرة للفتوى كما يحدث لدى الآخرين، ووفق خضر المشايخ، المسؤول الإعلامي في إذاعة حياة إف إم، وهي أول إذاعة خاصة دينية متخصصة في الأردن، فإن الإفتاء في الأردن ما زال محصورا في جهات محدودة جدا، يأتي على رأسها دائرة الإفتاء، وهناك برامج إفتاء يبثها التلفزيون الرسمي والإذاعة الرسمية. بالإضافة إلى برنامج إفتاء على الهواء تبثه إذاعة الحياة.

غير أن الأمر لن يستمر على هذا النحو على ما يبدو، فقد كشف طارق أبو لغد أحد الشركاء المؤسسين لإذاعة "مزاج" الخاصة، أن "هناك توجها لدى إدارة الشركة لإنشاء إذاعة أخرى، مشيرا إلا أن الإذاعة الجديدة "على الأرجح ستكون إذاعة دينية". ومن المعروف أن إذاعة مزاج، وهي إذاعة أردنية خاصة، متخصصة بث في الأغاني والمنوعات.

كما ترددت أنباء أخرى عن نية رجل الأعمال والمستثمر في قطاع الإنتاج التلفزيوني الأردني طلال عواملة إنشاء فضائية دينية. عواملة أكد ذلك للسجل أن "المشروع ما زال قيد الدراسة الدقيقة لتحديد جدواه الاقتصادية"،

ما يعني أن عواملة سوف يضطر للتعامل مع الدعاة الذي يشكلون اليوم جزءا أساسيا من برامج الفضائيات المتخصصة في الدين.

فإذا ما افتتحت مثل هذه الفضائية، فإن عواملة يكون قد سار على طريق سبق وأن سارت عليه محطات فضائية أخرى، فمحطة Art التي يملكها الشيخ صالح كامل والتي يشمل نشاطها تخصيص قنوات للرياضة والأفلام والأغاني، هي نفسها التي تملك محطة إقرأ. ومحطة روتانا التي يملكها الوليد بن طلال، والتي تخصص قنواتها للأغاني والأفلام وأغاني الكليب، هي نفسها التي تملك محطة الرسالة المتخصصة في البرامج الدينية.

قنوات دينية: طريق سريعة للربح والنجومية
 
23-Oct-2008
 
العدد 48