العدد 48 - ثقافي | ||||||||||||||
مراجعة: علي أصغر سيد غراب * نبيذ الحكمة: حياة وشعر وفلسفة عمر الخيّام تأليف: مهدي أمين رضوي الناشر: منشورات ون ويرلد، أكسفورد عدد الصفحات: 404 صفحات "نبيذ المعرفة"، دراسة حول واحد من أكثر المفكرين تأثيراً في تاريخ فارس الإسلامية. عمر الخيّام، الذي كان عالم رياضيات وفلكياً وفيلسوفاً، كان شاعراً معروفاً داخل بلاد فارس وخارجها. فصول الكتاب الثمانية وملاحقه الثلاثة، بما فيها ترجمة إنجليزية لأطروحاته النظرية و101 قصيدة فارسية وعربية، مرتبة ترتيباً جيداً. في الفصول الثلاثة الأولى من الكتاب يعرض المؤلف لحياة عمر الخيّام وأعماله، ولأن سيرة الخيّام محاطة ببعض الغموض، فإن أمين رضوي يضع لدراسته أبعاداً محددة، فمن الصعب الكتابة عن حياة شخص كان محبوباً ومكروهاً، ليس فقط من جانب معاصريه، بل إن قبوله كان متبايناً في العصور الوسطى والحديثة أيضا. ويستخدم أمين رضوي عدداً كبيراً من الحكايات المذكورة في سيرته، مميزاً بين الخيّام التاريخي والخيّام بوصفه مدرسة في التفكير. كما أن من الصعب التعرف إلى الخيّام التاريخي نظراً للحاجة إلى مادة موثوقة، والعدد الكبير من الحكايات الخيالية. ويعتقد أمين رضوي أن الخيّام التاريخي يمكن إيجاده من خلال رسالته، وهو ما يمثل مشكلة أكبر، لأننا مع بعض الاستثناءات، لا نعرف أي الرباعيات حقاً له، وما إذا كانت الرباعيات المختلف عليها تلقي بعض الضوء على الخيّام التاريخي. يناقش الفصل الرابع مسألة "حقيقية الرباعيات"، فهنالك نحو 1400 رباعية تُنسب إلى الخيّام، وسوف يكون عملاً هرقلياً التأكد من الحقيقي منها، ويقوم أمين رضوي بمسح للمحاولات العلمية المختلفة التي جرت في القرن التاسع عشر للقيام بذلك، ولكنه يرى أن الانشغال بما إذا كانت الرباعيات حقيقية أم لا أمر "يقسم رسالته ولا يرتبط بها" (ص 98)، ويترك المحاولة للأكاديميين، لأنها "لا تلقي أضواء جديدة على المحتوى الثقافي لفكر الخيّام" (ص98). وبمعنى ما، فإن أمين رضوي على حق: على الأقل إذا ما كنا ندرس مدرسة عمر الخيّام، فإن من غير المهم معرفة ما إذا كانت رباعيةٌ ما حقيقيةً أم لا. ثمة نقطة مهمة لم تحظَ باهتمام المؤلف، هي أن كتّاباً من القرن الثالث عشر أشاروا إلى "الخيّام" بوصفها نوعاً أدبياً خاصاً في إطار الرباعيات. ويورد خليل شيرواني واحداً وثلاثين رباعية، منها خمس عشرة منشورة في فصل عنوانه "دارمانتي خيّام" (عن الخيّام مفاهيم/ معانٍ وأفكار). العنوان مبهم، فهو لا يقرر في صورة واضحة ما إذا كانت الرباعيات للخيّام حقاً، ولكنه يشير إلى أن هذه الرباعيات أُلِّفت داخل الشرايين الشعرية والفلسفية نفسها التي لرباعيات الخيّام "الحقيقية". بكلمات أخرى، فإن إطاراً متكاملاً لرباعيات الخيّام كان معروفاً في ذلك الزمن. ويقدم أمين رضوي دراسة مطولة للموضوعات السبعة التالية في الرباعيات، والتي يرى أنها تشكل "نظاماً موحداً للإيمان" (ص 99): الزائل ومعنى الحياة؛ الخير والعدل؛ هنا والآن؛ الشك والحيرة؛ الموت والحياة الأخرى؛ الحتمية والقدرية؛ و"في النبيذ حقيقة". خصص المؤلف الفصل الخامس للخيّام والصوفية، موضحاً أن شعره مفتوح على تفسيرات صوفية. ويقتطف من أعمال منسوبة إلى الخيّام ويشير إلى بعض المعاصرين من أمثال: أحمد الغزالي، ليخلص إلى أن شعر الخيّام استقطب تعليقات فيها بعض الغموض الصوفي، حتى خلال حياته نفسها، وأنه كانت لدى الخيّام ميول صوفية. واعتماداً على موافقة الخيّام على الصوفية في كتابه "حول معرفة المبادئ الكونية للوجود"، فإن أمين رضوي يرى أنه على الرغم من أن "الخيّام لم يزعم أبدا أنه صوفي... فإن من المؤكد أن هناك إيحاء بذلك" (ص 136). غير أن أمين رضوي يعود ليلمس هذا الموضوع، فيكتب قائلاً: "في الوقت الذي لا يمكن فيه رفض حقيقة أنه كانت للخيّام ميول صوفية وبعض الارتباطات الصوفية، فإن من الممكن القول مع بعض اليقين إنه لم يكن صوفياً بالمعنى التقني للكلمة" (ص 137). هذا الاستنتاج قائم على تحليل لمفاهيم صوفية في الرباعيات المنسوبة للخيّام. وعلى الرغم من أن أمين رضوي يرى أن قضية أصالة الرباعيات ثانوية لمدرسة الخيّام الفكرية، فإن من المهم أن الرباعيات التي تم تحليلها في هذا القسم تتضمن قصائد عدّها غوفيندا تيراث وبي واي يوغانادا حقيقية. يناقش الفصل السادس فكر الخيّام الفلسفي، وهو ربما يكون مقدمة جيدة للملحق "أ" (ص ص 283-327)، والذي قدم فيه المؤلف أول ترجمة لستّ أطروحات فلسفية تُنسب إلى الخيّام، ويعدّها أمين رضوي تعليقات على كتابات لابن سينا. تتمحور مادة هذه الأطروحات حول "الجوهر، الوجود، فيض من مستوى مختلف من الوجود عن الفرد، وجود الشر، مشكلة الإرادة الحرة والحتمية" (ص 284)، وكما في مناقشة الرباعيات، فإن المؤلف يقبل بسهولة نسبة كل هذه الأطروحات إلى الخيّام. خصص المؤلف الفصل السابع لاستقبال الغرب للخيّام، مقدماً مسحاً مختصراً وواضحاً لكيفية حصول الخيّام على هذه الشعبية في الأوساط الأدبية الغربية، من الترجمة اللاتينية التي ظهرت في القرن الثامن عشر حتى اليوم. ويقسم الفصل إلى أقسام تعالج جوانب مختلفة من استقبال الخيّام. ويتميز القسم المعنون "إدوارد فيتزجيرالد: صانع الأسطورة" بطول نسبي، لكنه فصل حافل بالمعلومات، وهو يولي اهتماماً لسيرة فيتزجيرالد، دراساته الفارسية وترجمته لشعر الخيّام. يقود هذا القسم إلى قسم آخر يلخص فيه المؤلف تأثير الخيّام في الأوساط الأدبية مثل مجموعة ما قبل الروفائيليين (الأخوة روزيتي، وآي إل سوينبيرن وجون روسكين)، ونوادي عمر الخيّام في أوروبا وأميركا، وشخصيات أدبية عديدة مثل: مارك توين، وتي إس إليوت، وإزرا باوند، مشيراً إلى أعمال عديدة لا تتوافر للقارئ بسهولة. وقد كتب مارك توين خمساً وأربعين رباعية تحاكي بسخرية ترجمات فيتزجيرالد، تحدث فيها عن رعب التقدم في السن والمرض والموت. عموما، يقدم الكتاب تحليلاً جذاباً وشاملاً للخيّام، وهو مؤلف نوع أدبي محدد من الرباعيات، كما أنه رياضي وفلكي وفيلسوف. وعلى الرغم من أن الكتاب لا يحل العديد من المشاكل المتعلقة بالخيّام التاريخي، وبحقيقة وجود الرباعيات والقراءات الصوفية لهذه القصائد، فإن من المؤكد أنه دراسة موحية تقدم قضايا مركزية حول الدراسة الحديثة للخيّام. ومن المؤكد أن أمين رضوي نجح في رسم صورة جذابة ومراوغة للخيّام، وهو شخصية مؤثرة استمر تأثيرها في التاريخ الثقافي والأدبي الفارسي وفي تقاليد أدبية أخرى قروناً عديدة. قراءة الكتاب واجبة على محبي عمر الخيّام، سواء كان هؤلاء دارسين أو قراء عاديين، ولن تكون الدراسات المستقبلية في هذا الحقل قادرة على تجاهل الإشارة إلى ترجمة أمين رضوي للأطروحات الفلسفية. *قسم الدراسات الفارسية، جامعة لايدن، هولندا بالتعاون مع: المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط International Journal of Middle East Studies |
|
|||||||||||||