العدد 8 - أردني | ||||||||||||||
انقسمت ردود الفعل في الأوساط السياسية والإعلامية على إعلان قيام “كتلة التيار الوطني” النيابية من 57 نائباً ونائبة ما بين متفائل بنجاحها، ومتشائل* ، ومتسائل ، واتفقت هذه الردود على أن التحدي الأكبر الذي يواجه هذا المشروع هو الحفاظ على تماسكه واستمراريته، وتقديم مسوغ فكري وسياسي مقنع له يتعدى تصنيف الكتلة بأنها وسطية ، حسب ما عبر عنه نواب وأكاديميون وباحثون. أيهما أسبق الكتلة أم الحزب؟ وقد تباينت تقييمات فرص نجاح هذا التيار، ارتباطاً بالموقف من أيهما يفترض أن يكون أسبق: قيام الكتلة النيابية أم تشكيل الحزب،الذي قال رواد هذا المشروع إنهم يعملون على تأسيسه انطلاقا من وجود الكتلة الكبيرة . “تنبثق الأحزاب من داخل البرلمانات”، يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية محمد مصالحة. وهذا يتفق مع التجربة التاريخية لنشأة الأحزاب في بريطانيا والولايات المتحدة. ولذا يرى مصالحة أن هذه التجربة قد تفضي إلى دعم قيام حزب سياسي وسطي،لا سيما أن “الاتجاهات الوسطية أو الوطنية هي الأكثر شيوعاً وقبولاً في ظل انحسار الأحزاب اليسارية والقومية”، وهي تبعث كما يرى، على الاطمئنان من ناحية تمسكها بالمصالح الوطنية. لكن هذا ما لا يراه النائب الإسلامي وصاحب التجربة الحزبية الطويلة عزام الهنيدي الذي، يميل إلى الاعتقاد أنه “من غير الممكن قيام كتلة نيابية حقيقية ذات مرجعية سياسية وبرنامجية بعد الانتخابات”، لأن الأصل حسب رأيه، أن تنبثق الكتلة النيابية عن حزب سياسي وليس العكس، وهذا يفسر حسب اعتقاده، الحديث عن غياب بعض النواب عن الاجتماع الذي أعلن فيه قيام هذا التكتل، أو عدم توقيع بعضهم الآخر على وثيقة التشكيل. النتيجة، كما يراها الهنيدي، أن هناك أموراً ما زالت غير واضحة، ويضيف “سنرى كيف ستتبلور أمور هذه الكتلة في المستقبل، وهل ستؤدي أم لا إلى ولادة حزب سياسي جديد يكون له اعتباره ووزنه في الحياة السياسية الأردنية”. زاوية رؤية مختلفة عبّر عنها مدير مركز الأردن الجديد للدراسات هاني الحوراني، أوضح فيها “أن قيام كتلة نيابية بهذا العدد حدث مهم واستثنائي لا يمكن إلا التوقف أمامه، إذ قد يشكل تطوراً مفصلياً لا في الحياة النيابية فحسب، وإنما كذلك في الحياة السياسية”، ولذا يرى الحوراني أنه ليس مهماً من يسبق الآخر: الكتلة أم الحزب، فهذا بحسب رأيه، نقاش من طبيعة بيزنطية، “إذ ليس من الضروري أن يتشكل الحزب السياسي أولاً ثم يجد انعكاسه في البرلمان”. وكان الحوراني في ذلك، يعقب ضمناً على ما كتبه الزميل فهد الخيطان في صحيفة “العرب اليوم”، بعنوان “آخر صيحات الديمقراطية .. الكتلة تولد قبل الحزب”. للنجاح شروط .. يتفق مصالحة والهنيدي والحوراني على الترحيب بقيام هذه الكتلة النيابية ضمن شروط معينة. “آمل أن يكتب لهذه الكتلة النجاح”، يقول أستاذ العلوم السياسية محمد مصالحة، لكنه يضيف بأنه “لا يعول كثيراً عليها لأن التجارب السابقة غير مشجعة فهي تبدأ قوية وجذابة ثم ما تلبث أن تتراجع، وربما لو كانت الكتلة رشيقة بعدد أعضائها لكان ذلك أفضل، لأن الأرقام العالية ليست بالضرورة مقياساً للنجاح”. أما النائب الهنيدي العضو في كتلة جبهة العمل الإسلامي فيقول: “إذا كان لهذه الكتلة مواقفها ورؤيتها الواضحة،وتؤمن بالديمقراطية الحقيقية وتعترف بالآخرين، فإنها ستثري الحياة السياسية، وتدفع باتجاه الإصلاح السياسي الفعلي”. لكن الهنيدي يعرب عن تشاؤمه إزاء ما يسميه “السياسة العامة لإضعاف الأحزاب، وعدم وجود إرادة سياسية بأن تكون هناك تعددية حقيقية“، ويستشهد على رأيه قائلاً “إننا نرى في الممارسة أن السياسات المتبعة تعمل على تحجيم الأحزاب بل وتشويه صورتها وإثارة الشكوك حولها وإظهارها وكأنها حالة مشاغبة على النظام”. وتساءل الهنيدي كيف يستقيم الادعاء بالعمل على وجود أحزاب قوية مع ما حدث خلال السنتين الماضيتين للحركة الإسلامية التي تمثل حزباً قوياً قائماً. وأضاف أن “لديه قناعة بأن الرغبة بعدم وجود أحزاب قوية ما زالت قائمة ، ولذلك هناك ظلال من الشك على نجاح هذه التجربة الجديدة”، لا سيما في ظل ما أسماه “هيمنة أمنية على الحياة السياسية”. ولأن كتلة نيابية كبيرة كالمعلن عنها، تثير الانطباع، حسب هاني الحوراني، بأنها ستكون نواة لحزب شمولي أو سلطوي على طريقة الأحزاب الحاكمة في العالم الثالث، فإن من المهم حسبما يرى “أن يترافق استمرار هذه الكتلة مع إفساح المجال أمام قيام تيارات أخرى، وإلا كان التفكك مصيرها”. ويضيف أنه ما لا يقل أهمية عن ذلك، هو أن تتعاطى الكتلة باعتبارها تشتمل على تلاوين متعددة، “فالتعددية ضمن الكتلة أمر ضروري للحفاظ على تماسكها”. كريزما قيادية ويتفق مصالحة والحوراني في إيحاء ضمني إلى الدور القيادي للمهندس عبد الهادي المجالي في تشكيل هذا التيار وعلى أهمية “الكريزما” القيادية واستمرار وجودها. وبهذا المعنى، تشكل “الكريزما” القيادية عنصر قوة وضعف في الوقت نفسه. ويضيف الحوراني أن من أبرز التحديات التي تواجه هذه الكتلة النيابية هو “قدرتها على المحافظة على نوع من التوازن الدقيق ما بين استقلاليتها النسبية عن الحكومة ، وما بين كونها أغلبية تقف إلى جانب الحكومة”. ويعتقد الحوراني أن تشكيل هذه الكتلة يلقي بقفاز التحدي أمام الإسلاميين، وأمام التيار الديمقراطي اليساري الذي كان أكبر الخاسرين قبل الإسلاميين، والذي بات مطالباً “أن يعمل من أجل صحوة جديدة على قواسم أكثر واقعية، لتوحيد قواه والنهوض بأوضاعه داخل البرلمان وخارجه”. *حسب المصطلح الذي نحته الأديب الفلسطيني الراحل إميل حبيبي من كلمتي متشائم ومتفائل. |
|
|||||||||||||