العدد 47 - اقتصادي
 

ابراهيم عبد الله

ينظر مشغلو خدمة الهاتف المتنقل وآخرون في السوق المحلية بعين المترقّب خلال فترة الأسابيع القليلة المقبلة لقرار نهائي للحكومة ونتائج لهذا القرار، حيال آليات ترخيص ترددات "الجيل الثالث" في السوق التي أضحت تضم في سجلاتها 5 ملايين اشتراك خليوي، بنسبة انتشار تتجاوز 86 بالمئة.

يتشوّق هؤلاء لمعرفة تفاصيل الموقف الحكومي النهائي من «الجيل الثالث» بعد ان أرجأت إدارات الشركات الخليوية القائمة قراراتها الاستثمارية داخلياً، لحين اتضاح الرؤية بشأن هذا الترخيص، والذي من المتوقع أن يمنح الحائز عليه «ميزة تنافسية» بخدمات جديدة، قد تستقطب شريحة جديدة من المشتركين، بعد أن تراجعت أسعار المكالمات عبر الخليوي لمستويات قياسية يصفها عاملون في السوق بمستويات «حرق الأسعار».

حالة الترقب التي يعيشها مشغلو الخدمة، تأتي على خلفية إعلان الحكومة عبر ذراعها التنفيذي في القطاع - هيئة تنظيم قطاع الاتصالات - قبل أكثر من ثلاثة اشهر عن أفكار أولية، تتمحوّر حول طرح عطاءات مفتوحة للتنافس أمام الجميع مشغلين قائمين او مستثمرين آخرين، الأمر الذي قد يفرز لاعبين جدداً في السوق. ترى الهيئة أن السوق المحلية لم تصل بعد الى حالة التشبع وهي رؤية تخالف تحليلات وأفكار الشركات، إلى جانب دراسات محايدة تصف السوق المحلية بـ «الأكثر تنافسية» مقارنة بقريناتها بين أسواق المنطقة العربية، ما أوصلها لمرحلة لا تسمح بدخول منافسين آخرين.

ما زال في خلفية المشهد ما أثارته صفقة بيع شركة أمنية لمجموعة «بتلكو البحرين» قبل عامين ب 290 مليون دينار (415 مليون دولار) بعد مضي سنة من تشغيل «أمنية» لخدماتها في السوق المحلية وبعد أن حازت على رخصة بلغت قيمة رسمها الأولي 4 ملايين دينار فقط.

وأكّدت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، مؤخراً أنّها في المراحل الأخيرة من صياغة موقفها النهائي حيال ترخيص الجيل الثالث، متوقعةً الإعلان عنه رسمياً نهاية تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أو بداية تشرين الثاني/نوفمبر المقبل على أبعد تقدير، بعد نيل موافقة مجلس الوزراء بشأنه. في الوقت نفسه تكشف دراسات غير رسمية بأنّ انتشار خدمة «الهاتف المتنقل» أضحت متوافرة بين أيدي 86 بالمئة من الأردنيين.    

«هيئة تنظيم الاتصالات» في سبيلها لصياغة موقفها النهائي، استشارت القطاع من مشغلين قائمين أو مهتمين حول ما أعلنته سابقاً حيال ترخيص الجيل الثالث. تسلمّت الهيئة ردوداً من سبع شركات وجهات معنية أبدت ملاحظاتها على الوثيقة الاستشارية «استخدام ترددات الجيل الثالث للاتصالات الخليوية»، التي أطلقت أواخر شهر حزيران (يونيو) الماضي.

ستحدد الهيئة موقفها النهائي بعد الانتهاء من دراسة الردود والملاحظات التي وصلتها عن وثيقة الاستشارة العامة حول ترخيص الخدمة،التي أضحت متوافرة في أسواق 12 دولة عربية. 

تصنّف التقنية التي يستخدمها مشتركو الهاتف المتنقل حالياً من «الجيل الثاني»، وتسمح بخدمات المكالمات الصوتية، والرسائل القصيرة، ومتعددة الوسائط، والدخول إلى الإنترنت بسرعات بسيطة.

بينما تتيح تقنية 3G الكثير من خدمات الاتصال المتنقل مثل: الصوت، والصورة، والمكالمات المرئية، والفيديو، ونقل البيانات بسرعات عالية جداً، والبث التلفزيوني على الخليوي وغيرها من الخدمات المتطورة، التي تحتاج إلى سرعات وسعات عالية مثل الولوج إلى شبكة الإنترنت وتطبيقات التجارة الإلكترونية وغيرها من المفاهيم والخدمات.

وكان "الموقف الأولي" للحكومة حيال ترخيص الجيل الثالث، أثار جدلاً واسعاً في القطاع منذ الإعلان عنه قبل شهور، لانّه يحمل إمكانية دخول شركات جديدة للخدمة التي عرفتها السوق المحلية منتصف التسعينيات من القرن الماضي.

واشتمل «الموقف الأولي» حيال ترخيص الخدمة على خطط لمنح رخصتين للحصول على ترددات في النطاق (2 جيجاهيرتز)، التي تسمح بتقديم «الجيل الثالث» قبل نهاية العام الجاري.

والرخصة الأولى، بحسب ما أعلنت الهيئة حينها، هي للحصول على الطيف الترددي من الجيل الثاني والثالث معاً (2G/3G) العطاء الذي ستضطر الدخول فيه الشركات الجديدة التي لا تمتلك بنية تحتية، والثانية تنحصر في ترددات (3G)، الأمر الذي يرغبه مشغلو الخدمة القائمون كونهم يمتلكون بنى تحتية من الجيل الثاني.

الشركات ما زالت تتحفّظ بشدة على موقف الهيئة الأولي، وبالذات على نتائج دراسة عن سوق الاتصالات الخليوية، التي خلصت إلى أن السوق يستوعب مزيداً من المشغّلين.

 يرى مسؤول في إحدى الشركات القائمة، أن الأسلوب الذي طرحته الهيئة لترخيص الخدمة لا يهدف إلا للمساهمة في رفد الخزينة، بغض النظر عن مصلحة القطاع والاستثمار فيه، مشيراً إلى أن آثار صفقة «أمنية» ما زالت تخيّم على قرارات الهيئة، بإصرارها على طرح ترددات الجيل الثالث في عطاءات توفر أكبر دخل للخزينة عند ترخيص الخدمة.

المدير التنفيذي للمالية في مجموعة الاتصالات الأردنية رسلان ديرانية، يثير فكرة أن تحدد الحكومة مبلغاً لثمن الرخصة يوزّع على الشركات القائمة بالتساوي، ما يضمن رفد الخزينة بالإيرادات التي ترقبها الحكومة من ترخيص هذه الخدمة، وتضمن بالتوازي الحفاظ على توازن السوق وزيادة الاستثمار فيه.

قال ديرانية لـ «ے» إن طروحات الهيئة السابقة تهدف الى إدخال مشغلين جدد ورفد الخزينة بأكبر مبلغ ممكن ثمناً للرخصة، واصفاً هذه الطروحات بغير المنطقية. وقال: «إن السوق وصلت مرحلة متقدمة من المنافسة ودخول أي لاعب جديد بتكنولوجيا تتقدم على المشغلين القائمين سيحمل لا شك آثاراً سلبية على القطاع».

حققت شركات خدمة الهواتف المتنقلة الأربع العاملة في السوق المحلية، إجمالي إيرادات بلغ حجمها 446.2 مليون دولار، ما يعادل حوالي 315 مليون دينار، خلال فترة النصف الاول من العام الجاري.

يتفق مسؤول من شركة «زين» مع ما ذهب إليه ديرانية حول ما أعلنته الهيئة سابقاً، تجاه ترخيص الجيل الثالث منتقداً الطروحات الأولية للحكومة، التي ساوت في المعاملة بين المشغلين القائمين والمحتملين.

بيّن هذا المسؤول أن الدراسات المحايدة تظهر أن سوق الاتصالات المتنقلة المحلية هي من أكثر الأسواق تنافسية في المنطقة، لافتاً لعدم وجود تقديرات للنتائج المترتبة على دخول مشغل جديد للسوق في الأردن في الدراسة الجديدة.

وأكّد على أنّه لا يمكن القبول بطريقة ترخيص قد تنتهي بمرخص واحد على الأقل من مشغلي الخليوي وفق نظام الـ (GSM) بدون رخصة، قد يضطر بعدها هذا المشغل للخروج من السوق.

وكان الرئيس التنفيذي لشركة «إكسبرس» مروان جمعة، انتقد في وقت سابق تحول الهيئة من أسلوب ترخيص الجيل الثاني، الذي اعتمد طيلة السنوات العشر السابقة على أساس التسعير الى أسلوب العطاءات، في وقت تسعى فيه شركة «إكسبرس» الى التحول الى مقدم خدمات خليوية بعد قرار رفع القيود عنها الذي أعلن سابقاً وسيطبق منتصف العام المقبل، ما سيسوق على الشركة «ظلماً» كونها لم تعامل مثل المشغلين القائمين الحاليين، في حصولهم على ترددات الجيل الثاني بأسلوب التسعير.

وأطلق جمعة وقتذاك تحذيراً من إمكانية أن يسوق توجّه الهيئة «آثاراً سلبية» على المستثمرين الحاليين في السوق المحلية. لكن الهيئة برّرت سابقاً توجهها لاتباع أسلوب العطاءات لترددات الجيل الثالث بأنّه «الأسلوب الأفضل عالمياً».

الهيئة ردت غير مرة على انتقادات بعض المسؤولين،بأنّ التوجه لهذا الأسلوب يهدف في الاساس الى ادخال مشغل جديد، والتركيز على رفد الخزينة باّنه «ليس بالضرورة ان يفوز بالعطاء مشغل جديد»، حيث تظهر التجارب العالمية بأن 29 عطاء للجيل الثالث فاز بها مشغلون قائمون، من بين 32 عطاء طرحت خلال السنوات الماضية في مختلف أسواق العالم.

الدراسة التي اعتمدتها الهيئة - ولم تعلن عن كافة تفاصيلها - قالت: إن سوق الاتصالات المحلية، وصلت حالة النضج وليس التشبع. تسمح حالة النضج التي تتضمّن مؤشرات منافسة عالية بإدخال مشغلين جدد، بينما لا تسمح حالة التشبع بذلك.

تتفق معظم الشركات المشغلة في القطاع على أن السوق المحلية «لا تتسع لمشغل جديد، كونها وصلت حالة شديدة من المنافسة وانتشار الخدمات، وأن دخول أي مشغل إضافي سيضعف حالة السوق وشركاته القائمة واستثماراتها».

وبحسب أرقام غير رسمية بلغت نسبة انتشار الهاتف الخليوي في المملكة 86 بالمئة بعدد اشتراكات بلغ 5 ملايين اشتراك، وما زالت شركة «زين» تستحوذ على الحصة السوقية الأكبر من إجمالي الاشتراكات بنسبة 39.8 بالمئة، تليها شركة «اورانج» التي سجلت حصة سوقية بنسبة 32.8 بالمئة، ثم شركة «أمنية» بحصة سوقية 26.3 بالمئة، وأخيراً شركة «إكسبرس» التي تعتمد تكنولوجيا وخدمة متنقلة مختلفة عن شركات الخليوي السابقة بحصة سوقية 1.1 بالمئة.

وشركات الاتصالات المتنقلة العاملة في السوق المحلية مملوكة في معظمها  لمجموعات إقليمية أو عالمية، وهي: «مجموعة زين الكويتية»، و«بتلكو البحرين»، و«فرانس تيليكوم»، و«فيتل» الاستثمارية. 

أظهرت دراسة لمجموعة «المرشدون العرب»، المتخصّصة في دراسة أسواق الاتصالات العربية، صدرت العام الجاري أن خدمات للاتصالات المتنقلة «3G" متوافرة حالياً في أسواق 12 دولة وذلك من بين أسواق 19 دولة عربية تشملها دراسات المجموعة.

قالت الدراسة، إن 19 شبكة للاتصالات المتنقلة تقدّم خدمات الجيل بشكل تجاري في أسواق الدول الـ 12 التي أظهرت الدراسة تواجد الخدمة فيها، وهي دول: البحرين، ومصر، والعراق، والكويت، وليبيا، وموريتانيا، والمغرب، وعمان، وقطر، والسعودية، والسودان، والإمارات.

وفقاً لنتائج الدراسة "لا تتواجد خدمات الجيل الثالث حالياً في أسواق دول الجزائر، والأردن، ولبنان، وفلسطين، وسورية، وتونس، واليمن».

رفض إدخال لاعبين جدد إلى سوق الخليوي: مشغلو الهاتف المتنقل ينتظرون بشغف موقف الحكومة من “الجيل الثالث”
 
16-Oct-2008
 
العدد 47