العدد 47 - دولي
 

صلاح حزين

لم يكن الحزب الجمهوري الأميركي في حاجة إلى فضيحة جديدة لتزيد من تدهور شعبيته وتراجع التأييد الشعبي له في السباق مع الحزب الجمهوري على الوصول إلى البيت الأبيض، خاصة وأنه لم يبق سوى ما يقل عن ثلاثة أسابيع على الانتخابات الرئاسية الأميركية.

الفضيحة الجديدة المشار إليها تتعلق هنا بسارة بيلين، التي كان جون ماكين قد اختارها مرشحة لمنصب نائب الرئيس عن الحزب الجمهوري في حملته الانتخابية. فقد كشف تقرير صدر عن ستيف بلانشفلاور محقق الحكومة في ولاية ألاسكا، وهي الولاية التي تحكمها بيلين، أن تود بيلين، زوج سارة بيلين، كان يتمتع بوضع يمنحه مزية إقامة علاقات مع أوثق مستشاري زوجته، وذلك على الرغم من أنه لا يتمتع بأي صفة رسمية أو شعبية، وأنه استغل هذه المزية لفصل موظف يدعى تروبر واتون من منصبه. أما علاقة بيلين بالموضوع فأنها لم تتدخل لوضع حد للأمر، بل إن هنالك دليلا قويا على مشاركة فعالة في الأمر. "فهي سمحت، وعن عمد لتود بيلين باستخدام مكتب المحافظ وموارد أخرى لمكتب المحافظ، بما في ذلك طريق الوصول إلى موظفي الدولة، في مسعى لإيجاد طريقة لفصل تروبر ووتن." كما قال التقرير.

المشكلة، هي أن سارة بيلين، ومنذ اختيارها مرشحة نائبا للمرشح الجمهوري جون ماكين في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، جاءت لتسد فراغا كان يعانيه ماكين في حملته، هو الجانب الحميم من شخصية الرئيس، وهو ما لا يتمتع به ماكين، لذا فإن سارة بيلين سارعت إلى توجيه حملتها بحيث تبدو ربة منزل أميركية نموذجية تقود حياة أسرية ناجحة، وامرأة قوية سوف تأتي بأصوات الديمقراطيين من النساء اللواتي كن مؤيدا لهيلاري كلنتون على أسس نسوية، وكذلك أصوات الديمقراطيين المترددين في تأييد مرشح حزبهم باراك أوباما.

غير أن بيلين لم تخسر هذا فقط، بل خسرت أيضا من راهن على أدائها الذي اعتبر قويا أمام مرشح الحزب الديمقراطي لنيابة الرئيس، جوزيف بايدن، في مناظرة جرت بينهما الشهر الماضي. وربما كان هذا ما جعلها تنتقل لتلعب دور المهاجم لأوباما، بدلا من ماكين، وذلك بعد أن تحول الأخير إلى "خائن" عند بعض الجمهوريين الذين لم يعد أمامهم ما يجذب الناخب، ولم تعد لديهم أي شخصية تتمتع بجاذبية توازي جاذبية المرشح الديمقراطي، هي أثبتت على أي حال، أنها أكثر قدرة على شن هذا الهجوم من ماكين، الذي يضطر لوضع حدود لنفسه في هذا المجال، وبخاصة أنه هو، في النهاية، مرشح الرئاسة الذي يجب أن يتميز بالترفع عن إطلاق تصريحات من هذا النوع ضد أوباما.

ومرة أخرى فربما كان هذا هو السبب الذي جعله، هو شخصيا، يحجم حتى الآن على الأقل، عن شن هجمات شخصية ضد أوباما مثل ارتباط الأخير ببيل آيرز، وهو محاضر في جامعة شيكاغو اليوم، وعلى صلة غير وثيقة مع أوباما، لكن ماضيه بوصفه راديكاليا وعضوا في مجموعة اعتبرت إرهابية في الستينيات من القرن الماضي، كانت دافعا لتسليط الأضواء عليه من جانب الجمهوريين.

وبوصفه واقعيا، فإن ماكين يعرف تماما مدى صعوبة حملته الانتخابية في مواجهة أوباما، لذا فإنه صرح أخيرا في مقابلة تلفزيونية قائلا "أنا دائما في الطرف الخاسر. من البداية كنت على الدوام في الطرف الخاسر." وقال في مقابلة أخرى "لقد كنت دائما، ومازلت محاربا." في محاولة للتذكير بماضيه العسكري، حين أسقطت طائرته في فيتنام في العام 1967، ووقع في أسر القوات الفيتنامية الشمالية.

غير أن ماكين يبدو أنه يخسر في هذا المجال أيضا، حيث أن صحيفة الإندبندت البريطانية أوردت على لسان مراسلها في فيرجينيا، حيث تقع أكبر قاعدة في العالم لمشاة البحرية الأميركية، وماكين كان أحد "أبطالها"، أن عددا من قدامى المحاربين، وهم أحد أبرز أهداف ماكين في حملته الانتخابية، بدأوا يغيرون توجهاتهم الانتخابية لتصب في صالح الديمقراطيين وأوباما، أو غيرهم، ولكنهم جميعا يلتقون على هجر معسكر رفيقهم في السلاح.

كما أن سوء الطالع يتابع ماكين، حتى في "بضاعته" التي يعتقد أنها لا تبور، أي تاريخه بوصفه أسيرا تميز بالصلابة في وجه الفيتناميين الشماليين آنذاك، والبطل الذي صمد للتعذيب الوحشي الذي مارسه ضده الفيتناميون الشماليون، فقد أجرت صحيفة كورييري ديلا سيرا، وهي أوسع الصحف الإيطالية انتشارا، مقابلة مع قائد حرس السجن الذي اعتقل فيه ماكين في فييتنام آنذاك، قال فيها الأخير إن ماكين لم يتعرض للتعذيب.

ووفقا للصحيفة الإيطالية، فإن نغوين تيان تران، الذي كان قائدا لحرس السجن الذي كان ماكين أحد نزلائه، لم يتعرض للتعذيب، بل إنه، وبعكس ما ادعى، كان يلقى معاملة تفضيلية، نظرا لكونه سليل عائلة لها شأنها في تاريخ البحرية الأميركية. وقال تران للصحيفة إن ظروف السجن المذكور "لم تكن إنسانية حقا، ولكننا لم نعذب ماكين أبدا." وأضاف أن العكس هو ما كان يحدث "فقد أنقذنا حياته بأن عالجناه بأدوية مكلفة جدا، لم تكن في تلك الأيام متوافرة حتى لجرحانا." كما قال.

لم تبق للانتخابات الأميركية سوى أيام معدودة، ولا يبدو المرشح الجمهوري في أفضل حالاته، فهو يقود حزبا حكم أميركا ثماني سنوات بدأت بكارثة الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، ثم أعقبتها حربان لا يبدو أن الولايات المتحدة قريبة من تحقيق النصر في أي منهما على المدى المنظور على الأقل، ثم جاءت أزمة الاقتصاد الأميركي الكبرى، التي يكاد يكون هناك إجماع على أنها نتاج السياسة الاقتصادية التي اتبعها بوش، والتي جاءت بعد سنوات من الرخاء في عهد الرئيس السابق بيل كلنتون.

في أوقات صعبة مثل هذه، تتحول فضيحة شخصية، مهما بلغت من الصغر، والكشف عن معلومة غير صحيحة، مهما بلغت من عدم الأهمية، ضربات تهوي على جسد واهن فتزيده وهنا، فهل حسمت الانتخابات الرئاسية الأميركية لصالح أوباما؟ رغم كل تلك التطورات السالبة التي طرأت على حملة الجمهوريين أخيرا، فإن من الصعب الإجابة بنعم.

قبل أيام من الانتخابات الرئاسية.. “الجمهوري الأميركي”: ضربات على جسد واهن
 
16-Oct-2008
 
العدد 47