العدد 47 - أردني | ||||||||||||||
محمد عدي الريماوي من بين ما نصت عليه المعاهدة الأردنية الإسرائيلية والاتفاقيات الثنائية المنبثقة عنها، والتي غطت مجالات شتى بين البلدين، كان ملحوظا ذلك الاهتمام بجانب التعليم والمناهج في هذه الاتفاقيات. فتحت بند "التفاهم المتبادل وعلاقات حسن الجوار"، نصت المعاهدة على "القيام، بأسرع وقت ممكن، وبفترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة، بإلغاء كافة الإشارات المضادة والتمييزية والتعبيرات العدائية في تشريعاتهما". ويتبع هذا النص بند آخر يدعو البلدين إلى "أن يمتنعا عن مثل هذه الإشارات أو التعبيرات في كافة المطبوعات الحكومية"، ويشمل ذلك المناهج التعليمية لجميع المراحل، سواء في المدرسة أو في الجامعة. وقد شملت هذه التغييرات: المناهج، المواد التدريسية في المراحل الأساسية والثانوية، في مواد "اللغة العربية"، "الثقافة الإسلامية" و"التربية الوطنية"، كما يوضح أستاذ الاجتماعيات محمد عيد، وذلك لما كانت تحتويه من مواضيع حساسة تتناول الصراع العربي الإسرائيلي كما يقول. ويضيف: "تم إلغاء بعض الآيات والسور القرآنية التي تتحدث عن الجهاد من مقرر الثقافة الإسلامية، وتم في المقابل إضافة دروس جديدة عن التسامح وحسن الجوار، بما يتناسب مع توقيع هذه المعاهدة". وشملت هذه التعديلات أيضاً إضافة بعض الدروس التي تعمل على الترويج لمعاهدة السلام مثل "السلام العالمي" و"السلام العادل" في منهاج التربية الوطنية، ويقول زميله مدرس اللغة العربية، أنه قد تم إلغاء بعض الدروس المتعلقة باليهود مثل درس "أطماع اليهود في القدس" من المقرر، إضافة إلى حذف بعض القصائد التي تتحدث عن المقاومة والجهاد. ويذكر أحد العاملين في إدارة المناهج في أواسط التسعينات، أن التعديلات كانت تجري بهدوء وبدون ضجيج إعلامي، وأنها كانت تجري عند طباعة النسخ الجديدة من الكتب: "لقد تم إلغاء بعض القطع الأدبية التي تتحدث عن "العدو الصهيوني" و"اليهود" من مقرر اللغة العربية، وزيادة الدروس التي تدعو إلى التسامح والسلام إلى مقرر الثقافة الإسلامية، إضافة إلى إدخال تعديلات على مواد الاجتماعيات (التربية الوطنية والتاريخ)، شملت زيادة دروس عن السلام العالمي، وإلغاء بعض الدروس الأخرى التي كانت تتحدث عن اليهود والإسرائيليين". منذر المصري، الذي شغل منصب وزير التربية والتعليم خلال الأعوام التي تلت توقيع المعاهدة (من العام 96 وحتى العام 98)، "التعديل بمفهومه الحقيقي لم يحدث للمناهج الأردنية، وإنما كانت هناك مراعاة لحالة السلم الجديدة التي نشأت في المنطقة، فكان لا بد من بعض التغييرات على بعض النصوص المتفرقة"، وأضاف أن المعاهدة لم تحتو على أي إشارة مباشرة لتعديل المناهج، ولم يكن هناك من داعٍ لذكر المناهج، "إذا كان هناك ضرورة لتعديل مناهج، فإن المناهج الإسرائيلية هي المليئة بالنصوص العنصرية، والمعادية للعرب والمسلمين، وليس مناهجنا التي تدعو للتسامح وحسن الجوار". كانت هناك مطالبات من الجانب الإسرائيلي بإزالة مفردات مثل "العدو الصهيوني" من جميع المنشورات الحكومية، وانسحب هذا الأمر على المناهج التعليمية، وكانت هذه التعديلات البسيطة، هي التي حدثت بعد توقيع معاهدة السلام، ولم يكن هناك تعديل منظم على المناهج، بل مجرد تغييرات بسيطة أدخلت لتلائم الحالة الجديدة التي دخلها الأردن مع الجانب الإسرائيلي، كما يوضح الوزير. أما خالد العمري، وزير التربية والتعليم الأسبق، فقال إنه لم يجر أي تعديلات "ذات طابع سياسي" على المناهج، حتى ما بعد العام 1998، مشيرا إلى أن التعديلات التي كان يتم إدخالها، إنما كانت لأسباب أكاديمية بحتة، وأن التطوير على المناهج كان مستمراً طوال فترة بقائه في الوزارة، وأن خطة تطوير المناهج التي أطلقتها الوزارة وبدأت في أوائل العقد الجديد، تهدف إلى مواكبة العصر وليس لها دلالات سياسية. ويذكر موسى اشتيوي، مدير المركز الأردني للبحوث الاجتماعية، أن المحرك الرئيسي للتسامح وحسن الجوار هو الجو السياسي العام وليس فقط المناهج التعليمية، مشيرا إلى أن هذه التعديلات البسيطة التي حدثت يمكن أن تساهم في المدى البعيد على إرساء ثقافة وطنية قائمة على العيش المشترك. ويضيف اشتيوي قائلا: "المعلم له أثر أكبر في الطالب من المناهج الدراسية، فطريقة التدريس والطرح لما هو موجود في المقررات يؤثر في الطلبة أكثر من المواد التي يتم تدريسها، كما أن الأحداث السياسية المتلاحقة التي لها أثر على الناس، ومنهم الأطفال، أكبر من أثر المناهج التعليمية". ويرى شتيوي أن حالة العداء، بشكل عام، بين الأردن وإسرائيل قد زالت، ويعود هذا الأمر إلى عوامل كثيرة من بينها المناهج، والاتفاقية الموقعة نفسها، ويساعد في ذلك أيضا الإحجام الشعبي عن المشاركة السياسية. وبهذا فإن ما حصل هو تغييرات لم ترقَ إلى مستوى "التعديل" كما اتفق القائمون على المناهج، فلم يكن هناك من تعديلات جذرية على مقررات الطلبة، وإنما كانت مساهمة من النظام التعليمي في خلق ثقافة وطنية جديدة تقوم على مبادئ مثل حسن الجوار والعيش المشترك، تعد مهمة وقيمة للأجيال المقبلة، التي سيساهم تأسيسها بهذا الشكل، بتخريج أجيال تنبذ قيم العداء والحرب، وتنتصر لقيم السلام والتسامح. ** مركز ردم الهوة إلى جانب تعديل المناهج، برزت رؤى لتطبيق بعض الخطط على المستوى التعليمي بين الأردن وإسرائيل، فقد جرى تدشين مركز دولي للأبحاث قبل أربعة أعوام بمناسبة مضي عشر سنوات على توقيع اتفاقية السلام بينهما، وأطلق على مركز الأبحاث اسم "مركز ردم الهوة" ويقع على الحدود المشتركة بين البلدين. ومن الأهداف الأساسية المعلنة للمشروع: العمل المشترك على مشاريع علمية، إضافة إلى تعميق العلاقات السلمية بين الشعوب. ومن المقرر أن يتم الانتهاء من بناء هذا المركز في العام المقبل ليكون جاهزاً لاستقبال الطلبة الأردنيين والإسرائيليين وآخرين من باقي دول المنطقة، يؤهل الدارسون فيه لنيل شهادة الدكتوراه. وتشرف جامعتان أميركيتان – هما ستانفورد وكورنيل - على الجانب الأكاديمي لهذا المركز، وأما عن المحاضرين فهم من إسرائيل والأردن والولايات المتحدة، وسوف يتم العمل على إنشاء قاعدة بيانات هائلة حول المنطقة. وينوي القائمون على المشروع مستقبلاً أن يؤسسوا معهداً للعلوم والتكنولوجيا، سيشكل مركز تعاون مشترك بين الشعوب، ويشتمل على قرية شبيهة بـ "كامب ديفيد"، ستعقد فيها لقاءات بين قادة الدول ورجال الأعمال، ويعد هذا المركز من النتائج بعيدة المدى التي اتفق على تطبيقها ضمن معاهدة السلام. وترأس الوفد الأردني باسم عوض الله – وزير التخطيط وقتها – الذي صرح أن هذا المشروع تعليمي بحت ويجب ألا ينظر له نظرة سياسية. وأضاف أن الأردن وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل وأن لدى البلدين علاقات طبيعية. في حين ترأس الوفد الإسرائيلي بنيامين نتنياهو –وزير المالية وقتها – الذي ذكر أن منطقة المركز ستشهد المزيد من المشاريع في المستقبل من ضمنها مشاريع تتعلق بالنقل والزراعة. وغابت الأخبار عن المضي قدماً في هذا المشروع، ولم يعرف ما إذا كان سيكون جاهزاً لاستقبال الطلبة في العام المقبل كما هو مقرر، وما إذا كانت ستتحقق الأهداف المعلنة من بناء مركز أبحاث كهذا. |
|
|||||||||||||