العدد 47 - أردني | ||||||||||||||
دلال سلامة قدّر تقرير أصدره مركز التجارة الفلسطيني (بال تريد) حجم التبادل التجاري بين الأردن وفلسطين في العام 2006 بنحو 65 مليون دولار. وقدر التقرير الصادرات الفلسطينية إلaى الأردن بنحو 30 مليون دولار، والمستوردات منه بنحو 35 مليون دولار. ورغم أن التقرير رصد زيادة في حجم التبادل التجاري بين البلدين بما نسبته الثلث عن المعدل السنوي لهذا التبادل والبالغ 40 مليون دولار، فإن هذه الأرقام ما زالت إلى حد كبير دون التوقعات، فقد كانت آمال كثير من التجار ورجال الأعمال معلقة على السوق الفلسطينية بوصفها سوقا جاذبة، هي التي كانت يوما جزءا من السوق الأردنية. هذا الحجم الضئيل من التبادل التجاري بين بلدين على هذه الدرجة من القرب وتشابك العلاقات لم يأت صدفة، فمنذ البداية، لعبت إسرائيل دور المعطل لأي محاولة لزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، ناهيك عن استعادة السوق الفلسطينية. قد راوحت تلك المعوقات بين شروط صارمة للسماح بدخول هذه السلع إلى السوق الفلسطينية وفرض إجراءات كثيرا ما كانت تعجيزية على التجار الراغبين في التعامل مع السوق الفلسطينية. ومن بين هذه الإجراءات فرض ضرائب ورسوم جمركية وغير جمركية باهظة على الصادرات الأردنية إلى فلسطين، كانت تصل بالنسبة لبعض السلع 130 في المئة، واشتراط مطابقة البضائع الأردنية المصدرة للسوق الفلسطينية للمواصفات والمقاييس الإسرائيلية، وهي مواصفات أقرب إلى مواصفات الأسواق الأوروبية، وتحديد أيام معينة لدخول الشاحنات إلى الأراضي الفلسطينية عبر الأراضي الإسرائيلية. وكانت إسرائيل تبرر تلك الإجراءات بحرصها على حماية صناعاتها الوطنية، فدخول البضائع الأردنية إلى السوق الفلسطينية كان يعني بحسب الإسرائيليين سهولة وصولها إلى السوق الإسرائيلية، ما يؤثر سلبا على الصناعات الإسرائيلية. جواد العناني، نائب رئيس الوزراء السابق، والعضو المشارك في المفاوضات الأردنية الإسرائيلية، يرى أن المعوقات التي تضعها السلطات الإسرائيلية كانت هي العامل الأساس في إعاقة عملية التبادل: "صعوبة الإجراءات الإسرائيلية فيما يتعلق بالتحميل والتفريغ، فإسرائيل كانت تجبر أصحاب الشاحنات على تفريغ حمولتهم على جسر الملك حسين، حيث يتم تفتيشها، ومن ثم إعادة تحميلها، ما كان يكبد الجانب الأردني خسائر فادحة، وبخاصة في حالة السلع الزراعية سريعة التلف". ووفقا للعناني، فإن السوق الفلسطينية التي كانت تاريخيا جزءا من السوق الأردنية، ظلت من العام 67 وإلى العام 1993 تسير في اتجاه واحد. يقول العناني: "الأردن فتح أسواقه أمام السلع الفلسطينية من غزة والضفة الغربية لكي تدخل السوق الأردنية أو تصدر من خلاله إلى الأسواق العربية، ولكن إسرائيل لم تكن بالمقابل تسمح للبضائع الأردنية بالدخول إلى السوق الفلسطينية، باستثناء بعض المنتجات القليلة، مثل المواد الأولية لبعض الصناعات البسيطة؛ صناعة الصابون مثلا". لكن الأمور تغيرت، إلى حد ما، في العام 1993، وهو العام الذي شهد بداية المفاوضات الأردنية الإسرائيلية التي توجت بتوقيع اتفاقية وادي عربة في العام 1994، فخلال هذه الفترة، كما يقول العناني، كان الجانب الإسرائيلي حريصا على أن يفتح باب التبادل التجاري المباشر حتى قبل التوصل إلى اتفاق سياسي، في حين أن الجانب الأردني طلب السماح له بالتصدير والاستيراد من فلسطين، كشرط لدخول البضائع الإسرائيلية، وهو أمر عارضته السلطات الإسرائيلية، وفي نهاية الأمر، تم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين على إدخال كمية محددة من البضائع الأردنية إلى فلسطين مثل الإسمنت والحديد والمشتقات النفطية". ولكن إسرائيل التي ظلت متمسكة بمبدأ عدم السماح بدخول البضائع الأردنية إلا بعد توقيع اتفاقية تبادل تجاري، كانت تضع المعوقات حتى أمام الكميات المحدودة من البضائع التي اتفق على إدخالها. ورغم أنها ظلت تسوق الحجج الأمنية كمبرر فإن حماية مصالحها الاقتصادية كان العامل الأساس، وقضية الإسمنت الأردني أحد الأمثلة الشاهدة على ذلك، فبعد الاتفاق على تزويد السوق الفلسطينية بالإسمنت الأردني قامت إحدى شركات الإسمنت الإسرائيلية الكبرى، هي شركة "نيشر"، بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف العملية. ويشير العناني الذي كان في العام 1993 وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء، إلى اتفاق اقتصادي كان يسعى إلى التوصل إليه مع المسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام المذكور، وكان يفترض فيه أن ينظم التعاون بين الأردن وفلسطين خلال المرحلة الأولى من إعلان المبادئ في مختلف المجالات، ولكن الاتفاق لم ير النور. وخلال عملية الشد والجذب بين الأردن وإسرائيل حول السوق الفلسطينية، تمكن الأردن من الوصول إلى بعض الترتيبات التي خففت من حدة القيود الإسرائيلية على عملية التبادل التجاري، وإن لم يكن ذلك في الصورة المأمولة، كما تمكن رجال الأعمال الأردنيون والفلسطينيون من تحقيق حدود متفاوتة من التعاون في مجال الاستثمارات المشتركة؛ في قطاعات الاتصالات والإنشاءات والتعليم والصناعات الخفيفة، كما قام بعض البنوك الأردنية بفتح فروع لها في الضفة الغربية. ويرجع العناني نمو الاستثمارات الأردنية في فلسطين على حساب التجارة، إلى أن السوق الفلسطينية لم تعد سوقا جاذبة للإسرائيليين، وذلك لاعتبارات أمنية واقتصادية. وتشير الأرقام الصادرة عن وزارة الصناعة والتجارة إلى أن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت تطورا نسبيا في أحجام التبادل التجاري بين الأردن وفلسطين، والسبب، كما يقول العناني هو أنه منذ بداية بناء الجدار العازل، خفت، إلى حد كبير، الصادرات الإسرائيلية إلى السوق الفلسطينية، أساسا بسبب الانخفاض الحاد في القدرة الشرائية لدى الفلسطينيين، ذلك أن الإجراءات الأمنية الإسرائيلية التي حددت حجم العمالة الفلسطينية داخل إسرائيل، وأدت إلى خفضها من ربع مليون إلى أقل من 30 ألف عامل، أفقدت الاقتصاد الفلسطيني جزءا مهما من دخله الذي كان يمول، بشكل أساسي، مستوردات الفلسطينيين من السلع الإسرائيلية". كما يمكن إضافة سبب آخر لذلك، هو التغير النوعي والجغرافي للصادرات الإسرائيلية، فخلال العقد الماضي، تغيرت نوعية الصادرات الإسرائيلية التي صارت تعتمد، في شكل أساسي، على تصدير التكنولوجيا المتطورة، وتتوجه بها، أساسا، إلى أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من أسواق العالم المتقدم، وهو ما دفع الجانب الفلسطيني إلى محاولة تعزيز علاقاته بالدول العربية المجاورة، ومن هنا شهدت هذه المرحلة تعاونا تجاريا بين قطاع غزة ومصر، وبين الضفة الغربية والأردن. عناني يبدي قلقه من أن تتخلى إسرائيل عن السوق الفلسطينية، فتكف عن تزويدها بالحاجات الأساسية مثل الكهرباء والمحروقات والمواد الغذائية والمواد الأولية اللازمة للصناعة والزراعة، بخاصة وأن السلع الزراعية، والتي ما زالت تمثل الناتج الأساسي في السوق الفلسطينية، تعاني أصلا من تعدي المستوطنات والجدار العازل، فضلا عن عمليات التخريب المستمرة التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية والمستوطنون كنوع من العقاب الجماعي. "إذا بقيت الأمور على حالها"، يقول العناني "فإن الأردن ربما يجد نفسه مضطرا للحلول محل إسرائيل، في دعم الاقتصاد الفلسطيني." |
|
|||||||||||||