العدد 47 - أردني | ||||||||||||||
محمد شما من المفارقة أن كثيراً من الأردنيين، ومن بينهم أعضاء في الوفد الأردني الذي بدأ المفاوضات مع إسرائيل في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1994، لم يكونوا قد سمعوا أو علموا بوجود أرض أردنية محتلة، من «الناقورة» إلى «مزرعة الغمر» و«وادي عربة». ففي الفترة الفاصلة بين 1948، العام الذي اندلعت فيه الحرب العربية الإسرائيلية، والعام 1950، قامت إسرائيل بالاستيلاء على أراضي الباقورة في شمال المملكة في الضفة الشرقية لنهر الأردن، فأصبحت جزءا محتلا من أراضي المملكة، وفي الفترة بين العامين 1968 و1970، قامت إسرائيل باحتلال أراض أردنية في وادي عربة تبلغ مساحتها الإجمالية 337 كيلو متراً مربعاً. آنذاك قدم الأردن شكاوى عدة للأمم المتحدة. يقول المؤرخ الإسرائيلي/ البريطاني من أصل عراقي "آفي شليم" في كتابه "أسد الأردن" إلى أن إسرائيل استولت، عقب حرب عام 1967، على أراض أردنية جنوب البحر الميت، وشيّدت سلسلة من المستوطنات الزراعية تخصصت في زراعة الزهور. ويضيف أن إسرائيل حفرت آباراً داخل الأراضي الأردنية لتزويد هذه المزارع بالمياه، وسطت على ما يزيد على 380 ميلا مربعا، أي ما يناهز مساحة قطاع غزة، بالإضافة إلى أراضٍ في الباقورة شمالا والغمر جنوبا. يتابع شليم: «طالب الأردن باسترجاع هذه الأراضي، وإنهاء استغلال ثرواته من المياه، بينما اقترح رابين في الاجتماع أن تعترف إسرائيل بالسيادة الأردنية على كل المنطقة مقابل استئجارها للمستوطنات الزراعية. لم يرفض حسين المقترح مباشرة وبدا وكأنه يود المساومة لكن علي شكري وصل في اليوم التالي إلى القدس بطائرة مروحية وسلّم رئيس الوزراء رسالة من الملك تحمل رفضا مطلقا لمقترحه. وقال الملك حسين إنه إذا لم يتسلم كامل مساحة المنطقة البالغة 380 كيلومترا مربعا فإنه لن يستطيع التوقيع على اتفاقية سلام. في البداية بدا وكأن كل شيء قد انهار، لكن روبنشتاين وهاليفي أُرسلا لإجراء جولة محادثات مكثفة وأخيرا توصلا إلى معادلة أنقذت الوضع». «الباقورة» الواقعة شمال المملكة، تعتبر موقعا استراتيجيا من حيث طبيعتها الجغرافية، حيث سكنها، قبل حرب حزيران/يونيو 1967، نحو سبعة آلاف شخص، يشكلون تجمعا من عدة عشائر، أما الآن فلا يتجاوز عدد القاطنين 600 نسمة – على ما يكتبه الكاتب مفلح عدوان في مقال بحثي- وتعود أصول عائلات أردنية كبيرة لهذه المنطقة هي: الشلموني والمنسي والخضراوي والبيطاوي والهلالي والرواشدة والدلكي والهنداوي والشامي والعباسي والنعيمي والقزق والمساعدة. أما «وادي عربة» فيشكل جزءاً من وادي الصدع العظيم الذي يقع بين البحر الميت شمالاً وخليج العقبة جنوباً بين الأردن و إسرائيل، وقعت في الوادي اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1994 . تلك المنطقة بحسب نقابة الجيولوجيين الأردنيين مليئة بخامات النحاس، حيث بعثت رسالة بتاريخ السادس من كانون الثاني 2007 إلى وزارة الطاقة تحثها فيها على ضرورة استغلال تلك الثروة. على أي حال، فقد أسفرت المفاوضات عن استعادة الأردن لسيادته على جميع الأراضي الأردنية المحتلة بعد حرب عام 1967، كما استعاد حصته «العادلة» من المياه من نهري اليرموك والأردن، وكل أراضيه المحتلة في الشمال والجنوب، بحيث يعود لممارسة سيادته عليها. المرجع في ترسيم الحدود، كان خط الانتداب الفاصل بين فلسطين والأردن، وهو الخط الذي وضع بعد زوال الحكم العثماني، إذ لم تكن هناك أي حدود فاصلة بين البلدين الذين تشكلا فيما بعد، ولكن انتصار الحلفاء على الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، أتاح للمجلس الأعلى للحلفاء في مؤتمر سان ريمو عام 1920، وضع العراق وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، ولكن لم يرد خلال ذلك المؤتمر أي ذكر لشرق الأردن في النص الرسمي لوقائع المؤتمر أو في البيانات. برزت في تلك المنطقة قضية «مزرعة الغمر تسوفار»، وهي مساحة تمتد داخل الحدود الأردنية في شكل طولي يشبه الأصبع كان الإسرائيليون يستعملونها، ولكن الأردن استعادها. ولكن لأنهم أنفقوا على مزارعهم التي أقاموها هناك مبالغ طائلة، فإنه تم الاتفاق على أن يستمر وجود الإسرائيليين فيها لمدة 25 عاما. يمتد خط حدود الأردن مع إسرائيل من نقطة واقعة على خليج العقبة بمساحة تبعد ميلين إلى الغرب من مدينة العقبة، مرورا بوادي عربة، فمنتصف البحر الميت نحو نهر الأردن شمالا حتى التقائه مع منتصف نهر اليرموك فالحدود السورية. كما تم تحديد الحدود البرية لخليج العقبة حسبما ورد في صك الانتداب، وبحسب الاتفاقية الموقعة عام 1946 بين حكومة شرق الأردن وفلسطين، تم تحديد الحدود الغربية للمملكة لأول مرة منذ تأسيسها. لكن، بعد التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود في شمال منطقة الباقورة، اصطدم خط الترسيم بقطعة أرض مساحتها 830 دونما، زعمت إسرائيل أنها مملوكة لها، غير أن المفاوض الأردني أصر على التفاوض عليها، وفي النهاية تم الاتفاق على السماح للإسرائيليين الذين يشغلونها بأن يستخدموها لمدة 25 عاما، مع الاعتراف للأردن بالسيادة عليها وخضوعها للقوانين الأردنية. المختص بالشؤون الإسرائيلية، غازي السعدي، يعتبر أن الأردن وبعد ترسيم حدوده مع إسرائيل، «أخذ أقل مما كان مفترضا»، فهو يرى أن «وادي عربة مستأجر لمدة 99 عاما لإسرائيل، ما يعني أن إسرائيل تستفيد منه، وتستفيد أيضا من منطقة الناقورة. أما الأردن فلا يستفيد من هذه الأراضي على الإطلاق، على الرغم من الاعتراف بسيادته عليها». ويرى أنيس القاسم، عضو اللجنة التوجيهية في الوفد الفلسطيني المفاوض، أن «الإشكال» يكمن في الآلية التي حددتها الاتفاقية المتمثلة «بالتجديد الأوتوماتيكي» لاستئجار أراضي الباقورة المحددة 25 عاما، ما لم يقم أحد الطرفين بإخطار الطرف الثاني في رغبته بالإنهاء. «وحتى إن أخطر الطرف الآخر بالإنهاء، فإن حالة الاستئجار لا تنتهي فورا بل تعني الدخول في مفاوضات جديدة». ويضيف القاسم أن تعبير "تأجير الأراضي" لم يأت في سياق نص المعاهدة، «إنما هو احتلال من دون تسمية، وبموافقتنا». غير أن وزير الخارجية السابق وسكرتير الوفد الأردني المفاوض في التسعينيات عبد الإله الخطيب، نفى أن تكون «مدة استئجار وادي عربة 99 عاما إنما 25 عاما»، قائلا: « نصوص المعاهدة تشير إلى أنها 25 عاما». كما نفى الخطيب الذي كان مشاركا في المفاوضات، ما قاله القاسم من أن هناك اتفاقا من النوع الذي تحدث عنه الأخير. بالنسبة للبحر الميت، فقد تم تحديد الحدود في منتصفه، كما ورد في صك الانتداب عام 1922، وتم البناء على ذلك في معاهدة وادي عربة، أما في منطقة الملاحات فقد تم تعويض الأردن عنها بمساحة مقدارها 7,4 كيلو متر مربع في وادي عربة. وفي جنوب المملكة، حيث قامت إسرائيل في الفترة ما بين عامي 1968 و1970 باحتلال أراض أردنية في وادي عربة وجنوب البحر الميت بلغت مساحتها 344 كيلو متراً مربعاً، فقد تمت أعادتها كاملة للأردن، واستعاد الأردن سيادته عليها مع إجراء بعض التعديلات المتماثلة على جانبي خط الحدود بحسب القانون الدولي. وينتقد القاسم الحكومة الأردنية التي يرى أنها تجاهلت النص المتعلق بالباقورة والمناطق الجنوبية، عندما قدمت المعاهدة لمجلس النواب. يقول: "رغم وجود سلام فإن منطقة جنوب البحر الميت ومحاذاتها ممنوعة أمام الأردنيين. وهذا ما لا تريد الحكومة أن يعرفه أحد". غير أن النائب محمد أبو هديب، اعتبر أن مجلس النواب لا يملك في هذا الإجراء سوى «قبول أو رفض المعاهدة كما هي من الحكومة»، لكنه لفت إلى أن المادة 33 من الدستور تشير إلى بطلان أي نصوص حال اختلفت شروطها السرية عن العلنية. «هذا يُعدّ مخالفة للدستور، وبالتالي تكون المعاهدة باطلة» بحسب أبو هديب. من جهته، شكك رئيس الوزراء الأسبق العين طاهر المصري في أن تكون الحكومة الأردنية قد أخفت نصوصاً من معاهدة السلام على مجلس النواب. |
|
|||||||||||||