العدد 7 - رزنامه
 

يستحضر التشكيلي العراقي قيس السندي، في معرضه «حروف لا تحترق» المقام على دار الأندى، الدمار الذي طال مكتبات بغداد منذ الغزو المغولي ودخول جيوش هولاكو إلى المدينة في العام 1258 التي أحرقت المكتبات وألقت بأمهات الكتب في نهر دجلة، وهي المأساة التي تكررت بعد الغزو الأميركي للعراق واحتلاله في العام 2003، إذ بدت أميركا –بقيادة بوش- هولاكو عصرياً بحلة جديدة هي أشد خطراً وفتكاً وأكثر قدرة على التخريب والتدمير. لقد اختلف الزمان، لكن المكان ظل نفسَهُ شاهداً على بشاعة الفعل وأثره الفجائعي، وشاهداً أيضاً على صلابة المدينة وقدرتها على إعادة بناء ما تهدّم والنهوض من جديد.

ويشتمل المعرض الذي افتتحه الشاعر جريس سماوي، على فيديو من فكرة وسيناريو وإخراج السندي نفسه، الذي حاول تصوير البشاعة المغولية/الأميركية من خلال وضع خزانة حديدية ذات مقطع علوي على شكل حرف مسماري تمتلئ بالكتب المحترقة والتي استحالت أجزاء من أوراقها رماداً أو شبه رماد، وكأنما هي نصب تذكاري لعشرات المكتبات العراقية التي تعرضت للاعتداء الكارثي، وهو ما يستفز المشاعر ويحرك الوجدان ويحث على التفكير ملياً بما ذهب أدراج الريح من علوم ومعارف، بسبب جهل القتَلة حضارياً.

ويضم المعرض أيضاً عدداً من الأعمال الإنشائية، إذ صنع الفنان من قماشة الرسم التي خطّ عليها أبياتاً من قصائد الشعر العربي الكلاسيكي، مقاربة شكلية للمثلث الذي يُعَدّ في الحضارة الرافدية رمزاً لخصوبة الأرض وتاريخها وثقافتها، ويتيح تركيبُ العمل للمُشاهد إمكانية تدوير قماشة الرسم بما يشير إلى استمرار عطاء الأرض وتجددها. وجاءت القصائد بخط منساب حسب اتجاه اللوحة، وبعضها قُلِبَ رأساً على عقب، ومنها ما تبعثر في فضاء اللوحة كيفما اتفق.

وفي زاوية أخرى من المعرض، وضع الفنان صندوقاً زجاجياً يحتوي على نفط خام رائحته تملأ المكان، وهو العمل الذي يقول عنه السندي: «عندما اكتُشف النفط في العراق في العام 1927 أصبح البلد حينها معروفاً بثروته النفطية، وباتت هذه الصفة تفوق شهرته كمهد للحضارات منذ آلاف السنين»، في إشارة إلى غلبة عنصر الاقتصاد (قوة المال) على الثقافة، وهيمنة النفط (المادة) على المعرفة (الروح). وفي الجهة الموازية لهذا العمل الإنشائي، ثمة صندوق تغرق في مياهه التي جلبها السندي معه من نهر دجلة بقايا كتب محترقة.

إلى جانب ذلك، يعرض السندي أسطوانات ثلاث في داخلها رماد لكتب جمعها الفنان من بقايا المحرقة التي طالت مكتبة كلية الفنون الجميلة ببغداد، وهو يعبّر عن ذلك بقوله: «مثلما يقوم بعضهم بحفظ رماد جثامين الأعزاء عليه، أشعر أن هذا هو حالي مع هذه الكنوز المعرفية المعتدى عليها».

معرض التشكيلي العراقي قيس السندي.. "حروف لا تحترق" مهما تبدل الغزاة
 
27-Dec-2007
 
العدد 7