العدد 47 - كتاب | ||||||||||||||
بتاريخ 26/10/1994، تمّ التوقيع على معاهدة وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، وصوت مجلس النواب عليها بتاريخ 6/11/1994 بأغلبية 55 صوتاً ضد 24، وبتاريخ 9/11/1994 صوت مجلس الأعيان عليها بأغلبية 32 صوتاً، وصدر قانون المصادقة عليها ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 10/11/1994. تناولت المادة الثامنة من المعاهدة مسألة "اللاجئين والنازحين". ومن قراءة النص يتبين النكوص الشديد في الموقف الأردني من قضية اللاجئين. فقد نصت الفقرة الأولى على انه "اعترافاً من الطرفين بالمشكلات الإنسانية الكبيرة التي يسببها النزاع في الشرق الأوسط بالنسبة للطرفين، وبما لهما من اسهام في التخفيف من شدة المعاناة الإنسانية، فانهما يسعيان الى تحقيق مزيد من التخفيف من حدة المشكلات الناجمة على صعيد ثنائي". يلحظ - أولاً - من هذا النص أنه اعتبر مشكلة اللاجئين مجرد مشكلة "إنسانية" وليست ذات بعد سياسي، وكأن النزاع في الشرق الأوسط هبط من خارج المنطقة، وأدى للتسبب بهذه المشكلات الإنسانية. النص في الواقع يقترح أن مشكلة اللاجئين هي أقرب ما تكون لحدوث هزة أرضية أو زلزال قوي وقع في المنطقة. ونعلم أن هذا غير صحيح على نحو مطلق، وما حدث هو إفراغ فلسطين من أهلها لإفساح المجال للمستوطنين الأوروبيين. ويلحظ - ثانياً - أن الأردن ساوى نفسه بإسرائيل؛ بينما تؤكد الوقائع أن الأردن، وهو بلد محدود الموارد، قد وقع تحت أعباء هائلة من تدفق اللاجئين الفلسطينيين عليه، بينما انتعشت إسرائيل من تدفق المستوطنين الأوروبيين عليها، لا سيما أن المنظمات الصهيونية كانت تموّل عملية الهجرة والاستيطان. وكان تدفق اللاجئين الفلسطينيين على الأردن يتم في عملية كاسحة غير منتظمة مما أحدث ارباكاً شديداً في أجهزة الدولة، بينما كانت الوكالة اليهودية قد استعدت لاستقبال المستوطنين الأوروبيين، فضلاً عن أنها وضعت يدها على مساكن ومزارع ومحلات الفلسطينيين. أنهم ورثوا بلداً كامل المواصفات، بينما لجأ الفلسطينيون الى بلدٍ نامٍ وحديث العهد وشحيح الموارد الطبيعية. كان حرّياً بالمفاوض الأردني أن يصرّ على مسؤولية إسرائيل في خلق هذه المشكلة، والتي ما زالت تشكل جوهر الصراع، وأن يتمسك بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وأن يحتفظ لهؤلاء اللاجئين بحقهم في المطالبة بأملاكهم والتعويض عنها. وليس من المستساغ القول بأن هذه المطالبات كانت سترفضها إسرائيل، ذلك أن مثل هذه الأقوال تدل على أن المفاوض الإسرائيلي قد هزم المفاوض الأردني قبل أن يصلا الى طاولة المفاوضات. على المفاوض العربي - بشكل عام- أن يناضل بذكاء وحنكة لفرض وجهة نظره، ذلك أن رغبة إسرائيل في التسوية السياسية ليست بلا ثمن، إذ إن تحييد أطول جبهة مع إسرائيل لن يمرّ بلا مقابل، وأن التعاون الأمني بين البلدين ليس مجانياً، وإن إدخال إسرائيل الى العالم العربي عبر البوابة الأردنية ليست هدي’ أو عطية، وإسرائيل تعلم ذلك وتدرك المكاسب التي أنجزتها من خلال التسوية السياسية مع الأردن. من المؤكد والمعلوم أن الأردن قد أُرهق بالعبء الفلسطيني. على سبيل المثال، فإن مشروع الأجندة الوطنية الذي كلف الأردن ملايين الدولارات واستهلك جهد خيرة الكفاءات الأردنية قد تمّ تجميده لأسباب تتعلق بالقضية الفلسطينية. وليس سرّاً أن قانون الانتخابات قد صيغ على النحو الذي هو عليه من تشوّهات بسبب "العامل الفلسطيني". فإذا كان الحال كذلك، ألا يجدر بالجانب الأردني أن يكون أكثر تمسكاً بحقوق مواطنيه من أصول فلسطينية ومساعدتهم على العودة الى وطنهم، وبالتالي يتمكن الأردن من تصويب قانون انتخاباته ويقترب بذلك من الديمقراطية الصحيحة، ويستأنف عمله في الأجندة الوطنية التي هي برنامج مستقبلي يدخل الأردن من خلالها الى القرن الواحد والعشرين؟ |
|
|||||||||||||