العدد 47 - أردني | ||||||||||||||
نادية سعد الدين بلور الأردن رؤيته لقضية اللاجئين في معاهدة السلام مع إسرائيل المبرمة في السادس والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) 1994، وتمثلت في الفقرة ج من المادة الثامنة التي أتت على ذكر توطين اللاجئين والنازحين بالإشارة إلى "سعي الطرفين لتسوية المشاكل البشرية في المحافل والمنابر المناسبة وبمقتضى أحكام القانون الدولي بما في ذلك ما يلي :من خلال تطبيق برامج الأمم المتحدة المتفق عليها وغيرها من البرامج الاقتصادية الدولية المتعلقة باللاجئين والنازحين بما ذلك المساعدة على توطينهم". يستند الأردن في مفهومه للاجئ الفلسطيني إلى تعريف وكالة الغوث الدولية (الأونروا) التي تشكلت رسمياً بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول (ديسمبر) 1949 لتقديم خدمات الإغاثة والتشغيل للاجئين الفلسطينيين. ويعتبر مسألة تحديد وتعريف اللاجئين الفلسطينيين موضع جدل ونقاش من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي أدى إلى توقف المفاوضات الثنائية ومفاوضات متعددة الأطراف حول اللاجئين التي تمخضت عن مؤتمر مدريد للسلام. وتُعرف الأونروا اللاجئ الفلسطيني بأنه "الشخص الذي كانت إقامته الطبيعية في فلسطين لمدة لا تقل عن سنتين قبل الحرب الإسرائيلية - العربية العام 1948، والذي فقد بيته وسبل معيشته نتيجة الصراع، وبحث عن ملجأ في المناطق التي تضم اليوم الأردن وسورية، ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة، إضافة إلى المتحدرين المباشرين من اللاجئين المسجلين، باعتبارهم جميعاً مستحقين لمساعدات الوكالة. يقول أنيس القاسم (خبير قانوني) في هذا السياق: "بعد معاهدة وادي عربة برزت أصوات ترى بأن الهم الفلسطيني يشكل العَقبة والثقل الأكبر على كاهل الأردن، فإذا كان هذا الأمر صحيحاً، فقد كان من الأجدى التمسك في معاهدة عربة بحق عودة اللاجئين وليس التنازل عن أبسط حقوقهم في العودة وعن القرار 194 الذي ينص على حق العودة والتعويض والتساوي بينه وبين إسرائيل بالإشارة إلى معاناة الجانبين من حركة السكان في المنطقة، أي انه يعادل "العبء" اليهودي على إسرائيل التي تجلب اليهود من مختلف بقاع العالم لتوطينهم في فلسطين وتشكيل "دولة" بالعبء الذي تحمله الأردن رغم أن حركة تهجير الفلسطينيين كان فيها تفتيت أمة. يشكك القاسم بتمسك الأردن بحقوق مواطنيه ممن يحملون الجنسية الأردنية، مشيراً إلى قانون تنفيذ المعاهدة الذي صدر عن الكنيست العام 1994 "يقضي القانون بسحب حقوق الأردنيين من أصل فلسطيني باعتباره تطبيقاً لقانون الغائب الإسرائيلي، بما يلغي حق الأردني من أصل فلسطيني في المطالبة بأملاكه، وحينما احتج الأردن وطلب إيضاحاً من إسرائيل حول ذلك، لم يتلق جواباً رسمياً منها حتى الآن". ويشار في هذا السياق إلى تقديرات فلسطينية لحجم الأملاك العربية في فلسطين المحتلة العام 1948 بما فيها من أراض وأوقاف إسلامية ومسيحية تصل إلى أكثر من 94,3 بالمئة فيما يقدر حجم الممتلكات التي حسبت بأسعارها القديمة وبما يطرأ عليها من تغيير بحوالي 537 مليار دولار. يذكر أن بعض الدول المضيفة للاجئين تورد حق عودة اللاجئين وتعويضهم، بالتساوق مع المطالبة بتعويضها عن حجم الإنفاق الذي تكبدته طوال استضافتها للاجئين، ومنها الأردن الذي قدم حسب عضو سابق في الوفد الأردني المفاوض في المتعددة الأطراف والثنائية الخاصة باللاجئين (فضل عدم ذكر اسمه) "قائمة للتعويضات في الحل النهائي يقدر حجم تعويضها بنحو 5 مليارات دولار بناء على أرقام الميزانية السنوية، فيما يصل المبلغ اليوم بحوالي 10 ملايين دولار، بالتزامن مع التأكيد على الموقف الأردني الثابت من ضرورة إيجاد حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين". وقد شكلت قضية اللاجئين أحد أبرز القضايا في المفاوضات المتعددة التي ضمت الأطراف الرئيسية: الأردن، ومصر، وفلسطين، وإسرائيل، وعدداً من الدول الأخرى، فيما انبثق عن مجموعة اللاجئين متعددة الأطراف لجنة رباعية لمعالجة موضوع النازحين استناداً إلى القرار 338 الذي ينص على عودتهم والتي توقفت عن الانعقاد بسبب الموقف الإسرائيلي خلال المفاوضات الرافض لعودة اللاجئين والعمل على طرح مشاريع التوطين أو إيجاد حلول لقضيتهم خارج إسرائيل الأمر الذي يرفضه الفلسطينيون والأردنيون معاً. بحسب المصدر، فإن "المفاوضات الأردنية الإسرائيلية اتفقت حينها على دخول الأردن والأطراف المعنية كافة في مفاوضات الحل النهائي، كما جرى الاتفاق على عودة النازحين تدريجياً حيث أعد الأردن قوائم سلّمت إلى الراعي الفرنسي إلا أن إسرائيل رفضتها. وقد تضمن الاتفاق عودة 2000 - 3000 من النازحين إلى الأراضي المحتلة العام 1967 ضمن إطار لم شمل العائلات أينما كانت العائلة حتى لو كانت داخل أراضي 1948. وقد كان لم شمل العائلات بنداً إنسانياً اتفقت عليه اللجنة التي ضمت كل الأطراف المعنية برعاية فرنسية". وقد "ضمت السجلات الأولية حينها حوالي 200 ألف اسم على أن تشمل الدفعة الأولى منها حوالي 20 ألف اسم تعود كل عام مع العلم أن أعداد النازحين حسب الإحصائيات الأولية وحسب اللجنة العليا لإغاثة النازحين وسجلات دائرة الشؤون الفلسطينية يقدرون بمئات الآلاف". يؤكد الأردن الرسمي رفضه للتوطين، ولأية حلول للقضية الفلسطينية تفرض على حسابه. في هذا السياق يرى رئيس الوفد الأردني المفاوض سابقاً في المتعددة الأطراف والثنائية الخاصة باللاجئين العين مروان دودين أن "معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية أنهت بلا عودة ما يمكن تسميته بالازدواجية غير المطلوبة والإشكالية غير المريحة في علاقة الأردن بإسرائيل وبمستقبل فلسطين، من خلال توفير علاقات واضحة بينه وكل دول الجوار بما فيها الدولة الفلسطينية، مثلما أغلقت المعاهدة الباب أمام طروحات الوطن البديل". أضاف دودين "المصلحة الأردنية تكمن في قيام الدولة الفلسطينية بأسرع ما يمكن، وبالتالي فإن تأخير التوصل إلى حل يؤدي إلى تأخير حسم مسائل مهمة متصلة مباشرة بكيان الأردن ومنها قضية اللاجئين الفلسطينيين"، لافتاً إلى أن "حدة الصراع العربي – الإسرائيلي لا تنتهي إلا بتوصل الفلسطينيين والإسرائيليين إلى حل ينتهي باتفاقية سلام ملزمة". وقال دودين إن على "الأردن الاستمرار في أجندته الوطنية دون انتظار الحل الدائم، لأن أسس الاستقرار متوافرة فيه على أحسن وجه"، غير أن "هناك جانباً نفسياً وشخصياً وإنسانياً يجعل الأردن غير قادر على استكمال شعور السلام والأمن إلا إذا تحقق للجانب الفلسطيني حل يرضى به". فيما يرى عضو مجلس الشورى السابق في جبهة العمل الإسلامي عبد اللطيف عربيات ضرورة "اتخاذ الأردن الرسمي موقفاً حاسماً وثابتاً بعيداً عن أية ضغوط، حيال عدم السماح لاستخدامه بلداً ثانياً لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين"، معتبراً أن أي "تراخٍ أو مرونة تجاه ذلك الأمر سيلحق الضرر به". وقال عربيات إن "على الأردن التنبه للمحاولات المتواترة الساعية إلى حل قضية اللاجئين على حسابه"، معتبراً أن "المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الجارية لن تسفر عن شيء يلبي الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، فالموقف الإسرائيلي واضح ومعروف بشأن رفض عودة اللاجئين إلى ديارهم وإنما السعي لترحيل الموجودين في الأراضي المحتلة". في واقع الامر، لم يكن مسار المواقف الأردنية من قضية اللاجئين الفلسطينيين بعيداً عن الموقف العربي الذي شهد تمايزاً ملحوظاً ضمن مفهوم "مرحلية تحقيق الأهداف"، والتمسك بالقرار 242 وينص على انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967 رغم أنه لا يمثل حلاً عادلاً لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. وقد تجسد ذلك التغير في موقف بعض الدول العربية من فشل مباحثات قمة كامب ديفيد الثانية برعاية الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون وحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود باراك والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بما يوحي بتحميل الجانب الفلسطيني مسؤولية الفشل، رغم أن اللاءات "الباراكية" بشأن القدس واللاجئين والمستوطنات الكبرى هي التي تسببت في الإخفاق بحسب بعض المحللين الإسرائيليين كعوزي بنزيمان. حيث عرضت إسرائيل تنازلات رمزية بإعادة بضعة آلاف من العائلات تحت شعار جمع شمل العائلات وتشكيل صندوق دولي لتعويض اللاجئين وتوطينهم في البلاد المضيفة، مع تخلي إسرائيل عن مسؤوليتها تجاه قضيتهم. وقد تواتر توظيف مفهوم "لم شمل العائلات" كموقف إسرائيلي طـُرح خلال المفاوضات الثنائية والمتعددة الأطراف الخاصة باللاجئين التي تمخضت عن مؤتمر مدريد 1991، مما تسبب في فشل الاجتماعات واقتصار عقدها على بضعة مرات فقط، فيما اعتمد ذات النهج الوزراء». الأردن حرص على إعلان رفضه لبعض المقترحات التوطينية، غير أنه، وافق مع الدول العربية، على خطة خريطة الطريق التي تغفل حق عودة اللاجئين بإقامة دولة مؤقتة تحل محل الوضع النهائي، دون توضيح طبيعة الدولة وحدودها وصلاحياتها ومساحتها وكيفية تطبيق عودة اللاجئين إليها. بينما أعلن شارون موافقته على الخطة مع 14 تحفظاً بشأن رفض حق العودة، والتأكيد على أن الدولة الفلسطينية سوف تشكل الحل الوحيد لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين واستيعابهم. كما أعلن الأردن رفضه لرسالة الضمانات الأميركية التي وجهها بوش إلى شارون في 14 نيسان (إبريل) 2004 التي أقرها الكونغرس في 24 حزيران (يونيو) 2005 بأغلبية 407 أصوات ومعارضة 9 أصوات، ونصت على معارضة أميركية "لعودة اللاجئين إلى داخل إسرائيل"، وتعهد بعدم إجبار إسرائيل على الانسحاب إلى حدود حزيران (يونيو) 1967 والإبقاء على الكتل الاستيطانية الكبرى. وهي بذلك تنسف قضايا مفاوضات الحل النهائي المتعلقة باللاجئين والقدس والحدود والمستوطنات والمياه. |
|
|||||||||||||