العدد 47 - أردني
 

منصور المعلا

من بين القضايا التي تم التفاوض عليها بين الأردن وإسرائيل في مطلع العقد الماضي، بدت المياه محوراً رئيسياً في تلك المفاوضات.

كان هذا هو السبب في منح تشكيلة الوفد الأردني المفاوض في ملف المياه، عناية خاصة، إذ تم تجنيد أبرز الخبرات المحلية في مجال المياه، وترأس الوفد منذر حدادين، فيما ضم الوفد كلاً من محمد بني هاني وهاني الملقي ودريد محاسنة، والتحق في الوفد لاحقاً حازم الناصر ومحمد ظافر العالم اللذان أصبحا وزيري مياه في ما بعد، بعد نقل موقع المفاوضات من واشنطن إلى المنطقة. ومن ثم ترأس الوفد في إحدى المراحل محمد صالح الكيلاني وعمر عبد الله معاً، لجولة واحدة فقط، كما تمت الاستعانة بوثائق تاريخية تؤكد حق الأردن في مياه حوض اليرموك ونهر الأردن والأحواض الجوفية المشتركة.

بحسب أمين عام سلطة وادي الأردن الأسبق دريد محاسنة، الذي كان عضوا في الوفد الأردني في المفاوضات الأردنية الإسرائيلية، فإن أبرز المطالب الأردنية كانت الحصول على الحقوق المائية في حوض اليرموك ونهر الأردن بحسب وثيقة جونستون (1953)، والتي منحت الأردن 770 مليون متر مكعب من المياه سنويا، بينما كانت حصة إسرائيل منه 280 مليون متر مكعب، وما يتبقي لسورية ولبنان.

محاسنة بيّن أن الأردن حاول الحصول على حقوق اللاجئين والنازحين الفلسطينيين على الأراضي الأردنية التي استولت إسرائيل على حقوقهم بعد احتلالها أراضيهم، إلا أن المفاوضات الإسرائيلية مع الفلسطينيين ساهمت في إضعاف الموقف الاردني.

وفقا لمحاسنة، فإن الجانب الأردني اعتبر أن الاتفاقية مع إسرائيل ستوفر أرضية للتفاهمات مع الجانب السوري، الذي يشترك في روافد النهر والحوض، إضافة إلى حصول الأردن على تعويض عن المياه التي خسرها نتيجة لتحويل إسرائيل لروافد نهر الأردن في الستينيات، والحصول على نوعية مياه ملائمة في نهرَي اليرموك والأردن.

كانت إسرائيل أقدمت في العام 1965 على تدمير مشروع لتحويل مجرى نهرَي الحاصباني والوزاني في لبنان، الذي كان يتم تنفيذه وفقا لقرار القمة العربية التي عقدت في القاهرة العام 1964، تحت شعار «التصدي لإسرائيل في محاولاتها سحب مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب»، وذلك عبر قيام الدول العربية (لبنان وسورية والأردن) بالسيطرة على روافد نهر الأردن، وتحويل هذه الروافد تحت حماية قيادة عسكرية عربية موحدة.

أثناء اجتياح لبنان في العام 1978، سيطرت إسرائيل على نهر الوزاني الذي يغذي نهر الأردن، ووضعت مضخات وأنابيب لتوصيل المياه من نهر الحاصباني إلى شمال إسرائيل.

الوفد الأردني تطلع أيضاً للحفاظ على الأحواض المائية في وادي عربة، لمواجهة التنوع الزراعي الكبير في الجانب الإسرائيلي، والذي يتم عبر استغلال الأراضي لزراعة الخضراوات والموز والحمضيات على حساب الأحواض المائية المشتركة، إضافة إلى حل مشاكل انحسار المياه في البحر الميت من خلال إنشاء قناة البحرين (الميت – الأحمر)، والبدء في تنفيذ المشروع في المستقبل على حساب المشروع الإسرائيلي القاضي بشق قناة بين البحرين؛ المتوسط – الميت.

الأردن ذهب إلى طاولة المفاوضات وفي الذهن أن الاتفاق المائي بين الأردن وإسرائيل لن يحل مشاكل الأردن المائية في صورة جذرية، حسبما يرى بعضهم، فحل هذه القضية بحاجة إلى اتفاق جميع الأطراف، ما يعني إبرام اتفاق سلام شامل.

الأردن حصل بموجب الاتفاقية حول المياه، التي وقعها مع إسرائيل في ختام المفاوضات، على اعتراف إسرائيل بالحقوق الشرعية الأردنية في حوض اليرموك ونهر الأردن.

حصل الأردن أيضاً على حق إقامة السدود، حيث تم إنشاء سد تحويلي العدسية، وسد الوحدة على نهر اليرموك، والاتفاق على إنشاء سدود على نهر الأردن. كما حصل على حق التخزين في بحيرة طبريا، ما ساهم في وقف ذهاب مياه الفيضانات هدرا إلى إسرائيل.

الأردن استطاع الحفاظ على حقوقة المائية في وادي عربة بعد عودة السيادة الأردنية على الأراضي المحتلة في الوادي، إلا أن الاتفاقية لم توضح طريقة اقتسام المياه بين البلدين في سنوات الجفاف في بحيرة طبريا ونهر اليرموك، حيث اقصر النص على أن تقاسم المياه يرتبط بمعدلات جريان الطبيعي المياه في نهر اليرموك في السنوات الماطرة، مما أوجد نقاطاً للخلاف والاختلاف بين الجانبين أهمها ما حدث في العامين 1998-1999، ورتب ذلك على الأردن مديونية مائية لإسرائيل نتيجة الجفاف وجدوب المياه في نهر اليرموك.

كما لم يتمكن الأردن من تثبيت إمداده بالمياه الإضافية من إسرائيل في صورة أو بنص واضح ملزم بما مقداره 50 مليون متر مكعب إضافي سنويا، حيث نصت الاتفاقية على التعاون في هذا المجال، ونتيجة لهذا الأمر مانع الإسرائيليون في تزويد الأردن في البداية بالكميات الإضافية إلى أن تم الاتفاق في العام 1998 على تزويد الأردن بما مقداره 25 مليون متر مكعب سنويا يتم رفعها إلى 50 مليون متر مكعب عبر تنفيذ مشاريع مشتركة مستقبلية تحلية مياه أو توفير من الجانب الإسرائيلي.

اتسمت المفاوضات بالتعقيد والصعوبة، وعناد من كلا الجانبين بهدف عدم تقديم أي مرونة أو تنازلات. لكن جهود للقيادات السياسية في البلدين أدت دوراً كبيراً في التوصل لاتفاق لم يكن من السهل الوصول إليه عبر التفاوض الفني وحده.

من ناحية أخرى، ولاقتناع الجانبين بوجود ضرورة لاستمرار التشاور والتباحث في موضوع المياه، شكلت لجنة مائية مشتركة ترأسها من الجانب الأردني وعلى فترات كل من قصي قطيشات ودريد محاسنة ومحمد ظافر العالم.

على هامش المعاهدة حصل الأردن على مكاسب أخرى لم يكن الحصول عليها سهلاً قبل المعاهدة، كان أبرزها الحصول على دعم دولي وتمويل كبير لإنشاء مشاريع مهمة منها: تحسين شبكة مياه عمّان، وتطوير محطات الصرف الصحي في دير علا ومحطة الخربة السمراء، وتحسين محطات الضخ في زي، وإنشاء سد الموجب والعدسية.

وزير المياه الأسبق والنائب الحالي حازم الناصر، بيّن لـ«ے» أن الأردن «حصل على حقوقه كاملة من مياه نهر اليرموك ومن بحيرة طبريا»، واستدرك أن الأردن لم يتمكن من الحصول على حقوقه كاملة في وادي الأردن، لعدم بناء السدود حتى الآن.

**

نص المعاهدة في مجال المياه

المادة 6 - المياه: بهدف تحقيق تسوية شاملة ودائمة لكافة مشكلات المياه القائمة بين الطرفين:

1 - يتفق الطرفان بالتبادل على الاعتراف بتخصيصات عادلة لكل منهما وذلك من مياه نهري الأردن واليرموك، ومن المياه الجوفية لوادي عربة، وذلك بموجب المبادئ المقبولة والمتفق عليها، وحسب الكميات والنوعية المبينة في الملحق رقم (2) والتي يصار إلى احترامها والعمل بموجبها على الوجه الأتم.

2 - انطلاقاً من اعتراف الطرفين بضرورة إيجاد حل عملي، عادل، ومتفق عليه لمشكلاتهما المائية بهدف أن يشكل موضوع الماء أساساً لتطوير التعاون بينهما، فإن الطرفين يتعهدان، بالتعاون بالعمل على ضمان عدم تسبب إدارة وتنمية الموارد المائية لأحدهما، بأي شكل من الأشكال، بالإضرار بالموارد المائية للطرف الآخر.

3 - يعترف الطرفان بأن مواردهما المائية غير كافية للإيفاء باحتياجاتهما الأمر الذي يتوجب من خلاله تجهيز كميات إضافية بغية استخدامها وذلك عبر وسائل وطرق مختلفة. بما فيها مشاريع التعاون على الصعيدين الإقليمي والدولي.

4 - في ضوء أحكام الفقرة (3) أعلاه، وعلى أساس أن التعاون في المواضيع المتعلقة بالمياه تكون لمنفعة الطرفين، الأمر الذي من شأنه التخفيف من حدة ما يعانيانه من شح في المياه، وإن قضايا المياه على امتداد الحدود بينهما لا بد أن تتم معالجتها بوصفها وحدة كاملة، بما في ذلك إمكانية نقل كميات المياه عبر الحدود الدولية، فإن الطرفين يتفقان على القيام بالبحث عن وسائل من شأنها التخفيف من حدة شح المياه. وعلى العمل في ضمن أطر المجالات التالية:

أ - تنمية الموارد المائية الموجودة منها والجديدة، والعمل على زيادة وفرة كميات المياه، بما في ذلك تحقيق التعاون على المستوى الإقليمي، كما هو ملائم، وجعل ما يهدر من الموارد المائية بالحد الأدنى، وذلك من خلال مراحل استخدامها.

ب - منع تلوث الموارد المائية.

ج - التعاون المتبادل في مجال التخفيف من حدة النقص في كميات المياه.

د - نقل المعلومات والقيام بنشاطات البحوث والتطوير المشتركة في المواضيع المتعلقة بالمياه، فضلاً عن استعراض إمكانيات تعزيز عملية تنمية الموارد المائية واستخدامها.

هـ - يضم الملحق رقم (2) جميع التفاصيل المتعلقة بتنفيذ التزامات كلتا الدولتين بموجب أحكام هذه المادة.

اتفاقية المياه: مكاسب كبيرة لكنها منقوصة
 
16-Oct-2008
 
العدد 47