العدد 47 - كتاب | ||||||||||||||
تعرضت بورصة عمّان خلال الأسبوع الأخير المنتهي يوم الخميس، الثامن من الشهر الجاري، إلى تدهور حاد في أسعار غالبية الأسهم المتداولة، بما فيها تلك المسماة بالقيادية، وفي القطاعات الاقتصادية كافة، وبمستويات هبوط غير مسبوقة طيلة الأيام الأربعة الأولى من الأسبوع، وبنسبة انخفاض 14.3 بالمئة، تلاه تحسن عابر في اليوم الأخير من الأسبوع بنسبة 2 بالمئة، لتصبح محصلة نسبة الانحدار السعري خلاله 12.3 بالمئة، وهي نسبة شطبت كل معدلات الارتفاع أو قفزات الأسعار في الأرقام القياسية المرجحة بالأسهم الحرة منذ بداية 2008، وليتحقق بدلاً منها انخفاض بنسبة 5.4 بالمئة، خلال ما مضى من 2008، مقارنة بالفترة نفسها من 2007، بحيث يصبح من المنطقي وصف هذا الأسبوع بالأسود، وأن توصف الأيام الأربعة الأولى منه بأنها الأكثر سوءاً في تاريخ البورصة الأردنية. وقد تضافر أكثر من سبب، كل على حده، أو بالتراكم، أسباب خارجية، وأكثر عوامل محلية نجم عنها هذا الإعصار الشبيه بـ«تسونامي». ولم يكن هناك مناص من أن تتأثر سلباً مختلف جوانب الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية الأردنية بتداعيات أعمق أزمة اقتصادية ومالية ونقدية أصابت الاقتصاديات الرأسمالية في مرحلة عولمتها في العمق، وما تزال، والتي أعادت إلى الأذهان والى أجندة الأحداث، ذكرى تدهور أسعار الأسهم السريع في بورصة نيويورك يوم الخميس الأسود 29 تشرين الأول 1929، وبنسبة انخفاض 22.6 بالمئة، في يوم واحد ليغطس الاقتصاد الأميركي بعدها في فترة الركود الطويل حتى 1933 وتبرز تداعياته الصعبة والقاسية المتمثلة في ارتفاع أرقام ومعدلات الفقر والبطالة وتعميم التناقضات الاجتماعية والاختلالات الاقتصادية والمالية والنقدية. تصريحات وزراء ومسؤولين حكوميين بأن البورصة والاقتصاد الأردني لن يتأثرا سلباً بالأزمة الأميركية الخانقة تعتبر مجانبة للصواب، ومضرة، ومضللة حتى مع افتراض حسن النية والرغبة من بعضهم بنشر أجواء التطمين وتجنب حالات «الفزع»، إذ اثبت التدهور الحاد والمتسارع، بعد مواقف وتصريحات كهذه خطل أو خطأ، إنْ لم نقل خطيئة مواقف وتصريحات كهذه، لا تزيد عن كونها «برشامة مسكنة مؤقتة لا أكثر»، يكون الضرر والخسائر بعدها أضعافاً مضاعفة. وخلافاً لتقديرات وتقييمات العديد من المتعاملين والوسطاء والمحللين المرحبة والمهللة، بما كان يتحقق من ارتفاعات قياسية في أسعار بورصة عمّان ومؤشرات أدائها خلال فترات زمنية قصيرة، واعتبارها تعكس نجاحاً وإنجازاً، فإننا في أكثر من مقالة ودراسة وتحليل منشور اعتبرنا الارتفاعات السريعة والمتسارعة هذه في الأسعار وفي الأداء، بأنها غير موضوعية وغير مبررة علمياً، وبأنها أقرب إلى «الفقاعة»، الناجمة عن مسلسل من مضاربات بعض رجال الإدارة والمتمولين والوسطاء وكبار المساهمين الأردنيين وغير الأردنيين، في أجواء وظروف إجراء تغييرات وتعديلات تشريعية وتنظيمية انفتاحية يشوبها الاختلالات وتحيط بها الاعتبارات المصلحية الضيقة، وتوقعنا بأن فقاعة كهذه سوف يكون مصيرها الذوبان في أي وقت، ولأي سبب محلي أو خارجي في حركة تصحيحية قاسية وحادة، طالما لم تتم معالجة هادئة مسبقة لها تقتلع الأسباب التي أدت إليها من جذورها بعيداً عن الترحيب والتفاخر بنسب وأرقام متورمة مفتعلة في جانب كبير منها والاستفادة منها مِمَّنَ افتعلها. إلى جانب ذلك، كانت هناك توجهات وسياسات أدت إلى تعميق ارتباط الاقتصاد الأردني بالاقتصاديات الرأسمالية الأميركية والدولية، وعملت على انخراطه واندماجه فيها، واعتبار ذلك في منطلقات الليبرالية المفرطة في يمنيتها ضرورة للنمو والتقدم، فإن الكثير من التغييرات السلبية هنا تمت من خلال إجراء تعديلات متتابعة في قوانين الشركات والبنوك وهيئة الأوراق المالية وفي الأنظمة والتعليمات الصادرة بمقتضاها، تضمنت مستجدات انفتاحية أو انغلاقية غير ملائمة فتحت الطريق واسعاً أمام تجاوزات ومضاربات ممهدة لأزمة أو أزمات لاحقة، وتوازن هذه مع تلك التي برزت في الساحة الدولية وتجاوزتها في أكثر من حالة. من ذلك، وعلى سبيل المثال، اللجوء إلى اعتماد نهج «الاكتتاب الخاص»، والتوسع في الرسملة بعد شطب ضريبتها، وتشجيع الاكتتابات الحصرية الكبيرة، وابتداع عنوان «الشريك الاستراتيجي» لها، فرص الخصخصة بما نجم عنها من زيادة ثقل وقدرة كبار المساهمين والمتعاملين في التأثير الذاتي في واقع واتجاه الأسعار. كما أن السماح للوسطاء بإدارة محافظ خاصة بهم، وتضاعف أعدادهم ساهم في ذلك، وبعد أن كان من غير المقبول إدراج أسهم الشركات المساهمة الجديدة قبل مرور سنتين من تأسيسها، ونشر قوائمها المالية خلالها، وهو الإجراء الأكثر منطقية، فإن المستجدات الأخيرة في البورصة سمحت بالإدراج السريع، وأيضاً «بتعويم أسعارها» وقبل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ولتكون المضاربة سيدة الميدان. كما تضمنت التعديلات في الأنظمة والتعليمات السماح للشركات «بشراء أسهمها»، وأيضاً السماح بعمليات «التمويل على الهامش»، والتداول بأجل ليكون ذلك مدخلاً واسعاً لارتفاعات مفتعلة في أرقام مؤشرات البورصة. والمفارقة أن إدارة البورصة وهيئة الأوراق المالية، تراجعت بسرعة، وربما تحت ضغوط، عن قرار صحيح لها بضرورة اقتصار التداول على الأساس النقدي فقط. وخلافاً لأصوليات كانت متبعة ومحترمة في الماضي أجازت الليبرالية الجديدة وشجعت قيام وحدات الجهاز المصرفي بمنح المتاجرين بالأسهم قروضاً تواصلت في الارتفاع ليصل مجموعها حالياً إلى 500 مليون دينار «عدا عما يتم استخدامه لهذا الغرض من قروض ممنوحة تحت عناوين وأهداف أخرى»، وسارعت أيضاً إلى إلغاء ضريبة التوزيع بنسبة 10 بالمئة، بحجة «تشجيع الاستثمار!!» أزمة البورصة، وأزمة الاقتصاد الأردني، تتطلب تغييرات واسعة في المناهج والسياسات المعتمدة التي كانت سبباً رئيسياً في حدوثها إلى جانب إجراء تغييرات موازية في الطواقم التي وضعتها ونفذتها. |
|
|||||||||||||