العدد 47 - استهلاكي | ||||||||||||||
مع انخفاض درجات الحرارة واقتراب موسم الشتاء، يضاف هَمٌّ جديد إلى هموم الأسر الأردنية التي مرّت بصيف قاسٍ ارتفعت فيه الأسعار بوتيرة متصاعدة أكثر حدة من درجات الحرارة. ويراود أربابَ الأسر شعورٌ مختلط بين الخوف والرجاء. خوف من أن تبقى أسعار المحروقات على حالها، ورجاء بأن تواصل أسعار النفط العالمية انخفاضها ليتبعها انخفاض مماثل على الأسعار محليا. وارتفعت أسعار المحروقات بشكل صاروخي الصيف الفائت، وصل معه ليتر الديزل والكاز إلى مستويات قياسية تجاوزت 70 قرشا للتر. الكاز والديزل هما أكثر ما تستخدمه العائلات الأردنية للتدفئة، مع ارتفاع استخدام الكهرباء ووسائل أخرى «غير تقليدية» مثل الحطب وجفت الزيتون. لكن الخيارات أمام العائلات الأردنية أصعب هذه السنة. العام الماضي شهد إقبالا واسعا على استخدام الكهرباء التي قال مستخدموها إنها آمن وأرخص نسبيا. لكن هذا العام، ومع «تعديل» الحكومة لتعرفة الكهرباء بنسبة 20 بالمئة على «الشريحة» الثانية فما فوق، والتي يزيد استهلاكها على 160 كيلو واط شهريا، فإن استخدام مدافئ الكهرباء سيصبح مكلفا جدا. أسعار الحطب كانت شهدت العام الماضي ارتفاعا ملحوظا قفز عبره سعر الطن من 50 دينارا إلى ما يزيد على 300 دينار للحطب الأردني، وإلى ما يزيد على 150 دينارا للحطب السوري المهرب. رامي عبد العزيز، موظف في القطاع الخاص، محتار هذا العام. يقول: "أخشى أن يأتي الشتاء بسبب غلاء المحروقات. استغنينا في العامين الماضيين عن استهلاك الديزل واستبدلنا به الكهرباء، لكنها أصبحت مكلفة جدا هذا الصيف، فما بالك بالشتاء". يضيف رامي وهو يبتسم: "جلسنا أنا والوالدة نفكر في خياراتنا، فلم نجد شيئا خفيفا على الجيبة. وعندما اقترحت امي تركيب مدفأة على الحطب قلت لها إن سعر الحطب مرتفع جدا، فضحكت قائلة إنه ليس لدينا هذا العام سوى الإقامة في المطبخ وتشغيل فرن الغاز والتدفؤ به". تجار المدافئ الكهربائية والمكيفات أكدوا العام الماضي أن مبيعاتهم قفزت 50 بالمئة خلال فصل الشتاء، لكن شكل الطلب هذا العام لم يتحدد بعد. يقول تاجر أدوات كهربائية في شارع مادبا: "كنا نأمل تحسن البيع هذا الشتاء أسوة بالصيف الذي دفعت موجاته الحارة المتلاحقة المواطنين إلى شراء المكيفات والمراوح. الله وحده يعلم كيف ستكون الأمور هذا الشتاء". محمد عبد اللطيف، من سكان مادبا، اشترى «موقدة حطب» مستعملة ومنشاراً خشبياً لتصبح الغابات الحرجية ملاذه الدائم، إذ يحطب منها ما لا يستطيع شراءه -ولكن يقدر على حمله- من أشجار خضراء حرجية ومثمرة. مستودعات الحطب العام الماضي انتشرت في بيوت الأردنيين رغم تحذيرات حكومية من التحطيب الجائر. وانتشرت ظاهرة تقطيع الأشجار في محافظات مثل: معان، والطفيلة، والزرقاء، وإربد، وحتى العاصمة عمّان بعد أن كانت مقتصرة على بعض المحافظات، كعجلون وجرش. «الجفت» المستخلص من بقايا عصر ثمار الزيتون والذي كان يُلقى في النفايات، أصبح مادة باهظة الثمن في فصل الشتاء، فقد أقدم العديد من التجار على فتح شركات صغيرة خاصة ببيع وتداول مادة الجفت التي باتت تُستخدم لغايات التدفئة. يستذكر الحاج أبو وصفي من عجلون: «الله يرحم أيام ما كانوا يرموا الجفت بالزبالة ويترجّونا ناخذه منهم». ويضيف: «برد وجوع زمان بدُّه يرجع السنة، ويعرف الناس قيمة الدفء الذي لم يكن متوفرا لنا في أيام الصبا. أيام الجوع والبرد رجعت». المحلل الاقتصادي هاني الخليلي قال إن خيارات المواطنين هذا الشتاء محدودة جدا، لأن أسعار المشتقات النفطية ما زالت مرتفعة. وأضاف أن استخدام المكيفات الكهربائية التي تتمتع بخاصية توفير الطاقة قد يكون الحل الأكثر نجاعة وكفاءة هذا الشتاء. الخليلي ينصح المواطنين بتركيب المكيفات التي تستخدم تقنية invertal، وهي تتميز بتوفير طاقة 33 بالمئة أكثر من المكيفات العادية. يُذكر أن الحكومة قررت صرف مساعدات تحت اسم "معونة الكاز" للمستفيدين من صندوق المعونة الوطنية، إضافة إلى كل شخص يقل مقدار دخله السنوي عن 1000 دينار. من المتوقَّع أن يبلغ إجمالي تكاليف هذه الآلية 40 مليون دينار، وستقدم الحكومة وفقا لذلك دعما لمادة الكاز لفترة 4 أشهر تغطي المدة من تشرين الثاني/نوفمبر 2008 حتى نهاية شباط/فبراير 2009، عبر صرف 100 لتر شهريا من المادة للعائلات المستفيدة. وما بين حديث الحكومات المتعاقبة عن الوقود النووي والزيت الصخري ومعونات مختلفة، فإن المواطن الذي لم يعتد الاهتمامَ بهذه التفاصيل، يجد نفسه مجبراً على متابعة أي أخبار قد يكون فيها ما يدفئه من برد قارس، وضربات موجعة على قُوْته وقُوت عائلته. |
|
|||||||||||||