العدد 47 - ثقافي | ||||||||||||||
عواد علي بعد منافسة قوية مع عدد من الأسماء الأدبية الكبيرة المرشحة لنيل جائزة نوبل للآداب هذا العام، مثل: الجزائرية آسيا جبار، والهولندي سيس نوتبوم، والكندية مارغاريت أتوود، والتشيكي أرنوست لوستيغ، والمكسيكي كارلوس فوينتس، والرومانية هيرتا مولر، والكوري كو أون، منحت الأكاديمية السويدية الجائزة، يوم الخميس التاسع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، للروائي الفرنسي جان ماري غوستاف لوكليزيو( 68 عاماً). امتدحت لجنة نوبل في حيثيات قرارها الروائي لوكليزيو لما أبدعه من رويات المغامرات، وكتب للأطفال، وما كتبه من مقالات. وقال بيان اللجنة إنها اختارت «كاتب الانطلاقات الجديدة، والمغامرة الشعرية، والنشوة الحسية، ومستكشف ما وراء الحضارة السائدة». أجواء من الجدل ألقت بظلالها على الإعداد لجائزة هذا العام بعدما قال هوراس انداهل، الأمين الدائم للأكاديمية السويدية، في مؤتمر صحفي لإعلان اسم الفائز بالجائزة، إن الولايات المتحدة باتت معزولة أكثر مما ينبغي، ولم تشارك فى "الحوار الكبير" للأدب. أثار رأيه ردود فعل غاضبة من جانب كتاب ونقاد أميركيين، اتهموا لجنة نوبل بالانحياز ضد المؤلفين الأميركيين، رغم أن الجائزة مُنحت العام 1993 للروائية توني موريسون. ولد لوكليزيو في نيس جنوب فرنسا العام 1940 من أم فرنسية وأب بريطاني ذي أصل موريسي، يعمل طبيباً استعمارياً مع الجيش الإنجليزي في غابات إفريقيا. قبل التحاقه بوالده عام 1948 في نيجيريا، نشأ في كنف أمه وجدته، حيث كان لتلك المرحلة أكبر تأثير على اتجاهه نحو الكتابة، فقد اكتشف فيها الكتب التي تملأ أرجاء منزل الأسرة، إضافة إلى امتلاك الجدة مخزوناً كبيراً من الحكايات. يقول لوكليزيو عن نشأته: "الحرب واقع شرس. لم تكد طفولتي تفرغ منها حتى بدأتْ مراهقتي تتفاعل مع حرب أخرى، هي الحرب الكولونيالية، وكنت معنيًّاً بها على جبهتين: فمن ناحيتي البريطانية، كان البريطانيون يحاربون ماليزيا؛ ومن ناحيتي الفرنسية كانت فرنسا في حرب مع الهند الصينية أولاً، ثم الجزائر. عشت باستمرار في قلب ضجيج الحروب، مهدَّدًا بالرحيل ومقتنعًا بأنها حروب ظالمة. هذا الواقع شقَّ درباً لقلمي". لقب بـ "كاتب الترحال"، و"هندي في المدينة"، و"الوحدوي الرائع" (نسبة إلى المذهب الوحدوي القائل بوحدة الوجود)، وكلها ألقاب تشهد على شغفه بالطبيعة وبالثقافات القديمة والفضاءات البعيدة، إلى حد أنه ابتكر في أعماله عالماً من نسج خياله، حيث حضارة المايا تتحاور مع هنود الأمبيرا البنميين، وبدو الجنوب المغربي يختلطون بالعبيد الهاربين من جزيرة موريشيوس. وظل منجذباً إلى كل ما هو هجين وخلاسي ومهمل، وإلى كل ما تعرض للتهميش والإبادة في الثقافات والحضارات الإنسانية. تعبق أعماله المترجمة إلى لغات عديدة بتوق إلى العوالم الأولى البدائية. وكان حتى الثمانينيات كاتباً مبدعاً طليعياً وثائراً عالج في كتاباته الجنون واللغة والكتابة، قبل أن ينتقل إلى أسلوب أكثر هدوءاً وصفاءً، تصدرته مواضيع الطفولة، والتوق إلى الترحال، والاهتمام بالأقليات. يُعد لوكليزيو كاتباً غزير الإنتاج، فقد أصدر حتى الآن أكثر من عشرين رواية ومجموعة قصصية، هي: المحضر الرسمي، والحمى، والطوفان، والأرض المحبوبة، والحرب، والعمالقة، وصحراء، ورحلات في الجانب الآخر، والنشوة المادية، وسبل الهروب، وثلاث مدن مقدسة، والباحث عن الذهب، وبوانا، الربيع وفصول أخرى، وسمكة من ذهب، والمجهول على الأرض، وموندو وقصص أخرى، نجمة تائهة، ورحلة إلى رودريغس، والعزلة، وقلب يحترق، وثورات، وصدفة، وروايته الأخيرة "لأزمة الجوع" الصادرة العام 2008. و ترجمت إلى العربية ثلاثة من أعماله هي: صحراء، والربيع وفصول أخرى، وسمكة من ذهب. كرّس لوكليزيو العديد من الكتب حول المكسيك والهنود الحمر، منها ترجمات عن النصوص القديمة "نبوءات شيلام بالام"، "علاقة ميشوكان" "الحلم المكسيكي"، "أغاني العيد"، و"ديغو وفريدا". وأصدر مع زوجته كتاب "أناس الغمام" رويا فيه حكاية رحلتهما في الصحراء الغربية. وفيه يقول: "كنت أذهب صوب المجهول، فيما كانت جمعية تعود نحو ماضيها". في العام 1988 وقع لوكليزيو في مواجهة مع الأوساط الصهيونية في فرنسا، التي عدته "مشبوهاً "على غرار جان جينيه، ومعادياً للسامية! بعد أن نشر فصلاً من روايته "نجمة تائهة"، التي كان يعمل على كتابتها، في مجلة الدراسات الفلسطينية، تناول فيها مأساة اللاجئين الفلسطينيين العام 1948، والمراحل الأولى من تشكّل المخيم الفلسطيني، هذه المأساة التي يعتبرها أكبر مأساة للاجئين في القرن العشرين. تدور روايته الأولى "محضر" حول حياة آدم بولو الهامشية، وتزجيته أوقات الفراغ في مدينة نيس، مديراً ظهره لطقوس الحياة البورجوازية، وللمواضعات الاجتماعية التي تمتص حيوية الشباب وتدخلها في قوالب جامدة. في روايته "سمكة من ذهب" ظل لوكليزيو وفياً لكتابته ولروحه: روح تفلت من هذا العالم كي تجد ملجأها الوحيد في الفطرة الأولى. !وكتبت فصولها بقدرة عالية على السرد كما لو كانت شلالاً يتدفق بلا توقف. وتحتوى رواية «صحراء» على صور رائعة للثقافة المفقودة في صحراء شمال إفريقيا، تتناقض مع صورتها في أوروبا التي تراها بعيون لا ترغب في رؤية المهاجرين.
|
|
|||||||||||||