العدد 47 - ثقافي
 

مراجعة: كريس توينسينغ *

لماذا الحرب؟

المنطق الثقافي لحروب العراق والخليج والسويس

المؤلف: فيليب سميث

الناشر: جامعة شيكاغو، شيكاغو

سنة النشر: 2005

عدد الصفحات: 264

هل يمكن لأحد أن يشرح، الآن في العام 2008، لماذا أمر الرئيس جورج بوش بغزو العراق في العام 2003؟ الأسباب المعلنة: أسلحة الدمار الشامل، الارتباط الغامض مع القاعدة، والتدخل الإنساني. لم يقدَّم سوى القليل من المنطق، حتى في ذلك الوقت، لمتصلبي الرؤوس من طلبة العلاقات الدولية. وبالتأكيد، فإن هؤلاء الخبراء أجابوا بأن الأسباب المعلنة ليست سوى أغطية من دخان، فلا بد أن الحرب على العراق كانت لأسباب أخرى: تأكيد سيطرة الولايات المتحدة على نفط الخليج، ربما، أو رغبة المحافظين الجدد لردع أي تحديات مستقبلية للهيمنة الأميركية على العالم.

يمثل كتاب "لماذا الحرب؟" لفيليب سميث إجابة آسرة عن نظريات مادية حول السبب الذي تشنّ فيه الديمقراطيات الحديثة الحروب. فالحروب ليست حلا عنيفا حتميا لنزاعات بين الدول حول موارد تتميز بالندرة، كما يقول، ولا هي مجرد نتاج مشتق من تنافس نخب داخلية في الدول، فالنظريات الواقعية والمادية، فشلت في تقدير أن قادة الدول الديمقراطية ينبغي أن يدخلوا في حوار مع المجتمع المدني، قبل وضع الدبابات في طائرات هيركوليز 130. من خلال الحوار المفتوح فقط، يمكن للقيادة السياسية قياس شرعية مغامرة عسكرية مقبلة لدى الجمهور. فالحرب قد تُشن من دون شرعية، لكن الكلفة الإنسانية والمالية، يجب أن تكون قد بُحثت تفصيلا من قبل، وبخاصة إذا تعدّت الحرب كونها "نزهة". فالرؤساء ورؤساء الحكومات يجب أن يحصلوا على "تفويض ثقافي" لشن حروبهم، للحكم على ما إذا كانت تستحق التضحيات أم لا (ص 11).

يتتبع سميث هذه الفرضية الأساسية باستطراد غير مبرر، عبر حقول الأنثربولوجيا والسيمياء، كانت نتيجتها أن مواطني البلدان الديمقراطية يفسرون الأحداث من خلال أربعة أنواع أساسية من السرد المتماسك، أكثرها شيوعا المحاكاة المتدنية، والتي تعدّ فيها أفعال الآخرين، مثل "أفعالنا"، عادية وتخلو من الإثارة. في المقابل، فإن المأساة والقصة الرومانسية تقدم معادلا أخلاقيا للأطراف الفاعلة المختلفة. القصة الرومانسية تمثل الظرف الأفضل للحرب، لأن البطل ينظر إليها بوصفه مقاتلا من أجل قضية نبيلة. غير أن الحرب تجد أفضل سردية لها في الحالة الرؤيوية لصراع الحياة والموت بين خير مطلق وشر مستطير، والمشاركون جميعا في الخطابات الخاصة بالأزمات، بما في ذلك الدولة، يقومون باختيار "تخميني للنوع" (ص 27) – تقدير حول أي خط قصصي هو الأكثر صدقية كمبرر تاريخي – في الوقت المناسب، وعادة ما يقوم على معلومات مجتزأة. أما دعاة الرد بالحرب فإنهم يسعون إلى "تضخيم" شأن النوع الأدبي الذي يدعم الخطاب، فيما يعمل خصومهم على النقيض من ذلك (انظر، مثلا، ص 29).

بعد ذلك، يجمع سميث براهين من المؤسسات الإعلامية القومية الأساسية في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا، على التوالي، لإظهار تماثل بين كل من النوع السردي السائد لدى أمة ما، وبين الموقف العسكري لكل من هذه الدول في حرب السويس وحرب الخليج وحرب العراق. في العام 1956، صورت الصحافة البريطانية والفرنسية جمال عبد الناصر على أنه "هتلر النيل"، و"متعصب جليدي" (ص 76) لا يمكن التنبؤ به، وخبيث في صورة واضحة، في الوقت نفسه، في حين أن مجلة "تايم"، وفي حالة من المعادلة الخفيفة لذلك، رأت فيه رجلا مخلصا يكرس نفسه لتحسين وضع بلاده المفقرة، وشعبه اليائس" (ص 65). يلاحظ سميث في ذلك توازيا، لدى تقييم صدام حسين بعد ذلك بخمسة وثلاثين عاما، حيث أجهدت مجلة "تايم" نفسها لإثبات أن رجل العراق القوي "قد جعل العالم كله يهتز ويفقد إرادته، أمام سلطته" (ص 105). بحلول العام 2003، وبعد ثلاث عشرة سنة من الحصار والاحتواء، تشكل خيار سردي خليجي وعبر أطلسي، فيما كانت فرنسا متشككة في "التهديد المصيري" الذي يمثله العراق، حتى إنها عارضت قرارا بتفويض مجلس الأمن الدولي بشن حرب، في حين واصل رئيس وزراء بريطانيا توني بلير تشجيع السياسيين المنفيين على إعادة رواية سردية إدارة الرئيس بوش الرؤيوية.

لا يقدم سميث مخططه هذا للتعويض عن أي نظريات واقعية أو مادية مرجعيتها المصالح والجغرافيا السياسية، بل يعدّ الثقافة "سببا مساعدا، وإن لم يكن كافيا للحرب" (ص 11). وفي إمكان المرء أن يحتجّ على أن تبنّيه لأي أسباب لاختيار سردية الحرب، لا يكون مقنعا إلا بقدر ما يكون النوع الأدبي السائد مستقلا عن الدولة. ولا يقدم سميث، سوى مثال واحد، قابل للجدل، حول مجتمع مدني دفع حكومته للعدوان: الرد المبدئي الضعيف لجورج بوش الأب على غزو الكويت، والذي تصاعد إلى أن أصبح رؤيوياً بعد أسبوع من المقالات الساخنة. إضافة إلى ذلك، هل كان بوش الابن سيدفع ثمنا سياسيا لو أنه "تجاهل" العراق؟ سميث لا يعتقد ذلك، فهو يقتطف مقالة نُشرت في مجلة "تايم" في 21 نيسان/أبريل 2003، ترى أن "الثمن كان خيبة أمل لصقور الإدارة وواحد أو اثنين من كتاب صفحات الرأي" (ص 156). غير أنه قدم إثباتا مقنعا بعد ذلك بأن الثقافة – تحديدا، الموضوعات الرؤيوية التي عبأت الخطاب الأميركي في الفترة التي أعقبت 11 أيلول/سبتمبر حول العالم الإسلامي – كانت العامل الأساسي في جعل اختيار بوش للنوع الأدبي الرؤيوي الخاص بصدام حسين، يقابَل بتلويح حماسي بالإعلام، في حين أن ضربات بيل كلنتون الصاروخية في العام 1998، ردا على تسهيلات مزعومة للقاعدة في العراق، قوبلت مثلاً بضحكات مكبوتة حول مونيكا لوينسكي.

يستحق كتاب "لماذا الحرب؟" عناية خاصة من جانب الدبلوماسيين ومؤرخي الأدب وأخصائيي العلوم السياسية وعلماء الدراسات الأدبية، الذين يمكنهم أن يجدوا فيه مشروعا محفزا لفكر طلبتهم الجامعيين وطلبة الدراسات العليا. وبسبب موضوعه، كان يمكن لهذا الكتاب أيضا، أن يستقطب جمهورا من خارج الحقل الأكاديمي، لكن اللغة المتخصصة للفصول الأولى للكتاب كانت ستؤكد لهم غير ذلك.

سيكون الأسف أكبر، لو أن المرء افترض أن الاختبار النهائي لفرضية سميث يكمن في قيمته التنبؤية، ففي المواجهات التي تحدث بين حين وآخر بين الغرب وجمهورية إيران الإسلامية، هنالك أزمة قيد التشكُّل مع العناصر الجاهزة لتشكيل سردية رؤيوية. وهنالك الصدمة الأميركية النائمة لأزمة الرهائن، والزعيم الإيراني الذي يبدو وكأنه تدرب في هوليوود على دور "المتعصب الجليدي"، والقوة العظمى الجريحة، والنكرة اللامبالية التي يقال إن طموحها يشمل الحصول على آلة ليوم القيامة. فإن كان للغرب أن يختار نوعا أدبيا رؤيويا حيال إيران، فإن من شأن الواقعيين والمنشقين من ذوي التوجه اليساري، أن يجدوا في متناولهم الكثير من الحقائق التي تقلل أهمية السردية. وفي النهاية، فإن كتاب سميث يشير إلى أن الحقائق – بنفسها ولنفسها – قد تثبت أنها غير قادرة على مقاومة اندفاعة الثقافة السياسية. إنه تحليل أنيق شديد الإرباك.

*مشروع أبحاث ومعلومات الشرق الأوسط، واشنطن.

بالتعاون مع:

المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

الحرب تحتاج تفويضاً ثقافياً قبل شنِّها
 
16-Oct-2008
 
العدد 47