العدد 47 - حريات | ||||||||||||||
نور العمد لم تتأخر مديرية الأمن العام في الرد على تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» أعلنته في مؤتمر صحفي عقدته في عمّان في 8 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وطالبت فيه بوضع حد «لممارسة التعذيب المنتشرة والمستمرة في السجون الأردنية». رد «الأمن العام» يعكس اهتماما بما تنشره منظمات دولية عاملة في مجال حقوق الإنسان، ويشير إلى اهتمام رسمي بما يقال حول الأردن في مجال انتهاكات هذه الحقوق بدلا من سياسة التجاهل والاتهام التي كانت سائدة في أوقات مضت. المنظمة، قالت إنها أعدّت تقريرها المعنون «التعذيب والإفلات من العقاب في السجون الأردنية: فشل الإصلاحات في مواجهة الإساءات المنتشرة»، استنادا إلى زيارات قام بها مسؤولون فيها لسبعة من بين عشرة سجون أردنية في تشرين الأول/أكتوبر 2007، وفي نيسان/أبريل 2008. بحسب التقرير، قابلت المنظمة 110 سجناء بصفة عشوائية، باستثناء مُحتجزين إداريين تم تحديدهم من جانب المنظمة، وسجناء إسلاميين كانت المنظمة طالبت بالتحدث إليهم، إضافة إلى مدراء سجون وعاملين طبيين. كما أجرت محادثات مع مسؤولين في وزارة الداخلية ومديرية الأمن العام وإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل. الباحث الرئيسي في المنظمة وكاتب التقرير كريستوف ويلكي، قال خلال المؤتمر الصحفي المشار إليه، إن المنظمة لا تسعى إلى تشويه صورة الأردن، وأكد أن عمل المنظمة يندرج في إطار تقديم الحقائق. ويلكي كشف أن مسؤولين في وزارة الداخلية ومديرية الأمن العام اطلعوا على التقرير قبل عقد المؤتمر الصحفي، وأوضح أن مسؤولين في الأمن العام «أوضحوا أن ما أشار إليه التقرير من تجاوزات هي ممارسات فردية وغير منهجية»، وفي هذا اعتراف ضمني على وجود تجاوزات وتعذيب داخل السجون الأردنية. كانت الحكومة استبقت إعلان المنظمة عن إطلاق تقريرها بالإيعاز للجهات ذات العلاقة المباشرة بـ«دراسة التقرير» الذي قالت إنها تسلمت نسخة منه. وبحسب تصريحات صحفية أدلى بها وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال ناصر جودة، فإن رئيس الوزراء نادر الذهبي أوعز إلى الجهات المعنية، وبخاصة مديرية الأمن العام، بدراسة التقرير الذي كانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» قررت إصداره حول أوضاع السجون في الأردن، وتزويده مباشرة بالنتائج التي يتم التوصل إليها حيال ما ورد في التقرير. التقرير دعا الحكومة إلى «التدقيق في اختيار آليات للتحقيق والتأديب والمقاضاة بحق الجناة، لا سيما الالتزام بنقل سلطة التحقيق في الانتهاكات داخل السجون إلى الادعاء المدني». المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة، سارة ليا ويتسن، قالت: «إن التعذيب في سجون الأردن منتشر، حتى بعد مرور عامين على دعوة الملك عبد الله الثاني إلى ضرورة فرض إصلاحات من أجل وقف التعذيب نهائيا». وأوضح ويلكي أن سياسة التعذيب في السجون «غير ممنهجة». وتابع: «قد تتم عملية التعذيب بحضور ومشاركة مدراء السجون، ولكن بناء على التقرير لم يتعدَّ الأمر سوى حالتين». وبيّن التقرير أن أكثر أشكال التعذيب انتشارا هو الضرب بالكابلات الكهربية والعصي والتعليق من المعاصم إلى قضبان معدنية لساعات. وأشار إلى أن «هيومن رايتس ووتش» توصلت إلى أدلة على أنه أحيانا تم إنزال عقاب جماعي بسجناء التنظيمات والسجناء الإسلاميين المتهمين والمحكومين في جرائم ضد الأمن الوطني. وقال إن حراس السجون يقومون بتعذيب النزلاء، في ظل إفلات شبه كامل من العقاب، لأن ادعاء الشرطة وقضاة الشرطة في محكمة الشرطة لم يبذلوا إلا القليل لمقاضاة زملائهم من الضباط. وأكد أن أوضاع السجون ما زالت سيئة، بخاصة الأوضاع الصحية والغذائية والزيارات، رغم برنامج الإصلاح الطموح – وإن مُنح اهتماماً متواضعاً – الذي «يُركز بإفراط» على بناء السجون الجديدة. مديرية الأمن العام، وعلى لسان الناطق الإعلامي باسمها الرائد محمد الخطيب، لم تنفِ الوقائع، بل شككت في جدوى بعض آليات الاستقصاء والاستنتاج التي لجأت إليها المنظمة الدولية. الخطيب اعتبر أن «عنوان التقرير جاء مثيرا، ويناقض الجهود كافة المبذولة من أجل إصلاح وتطوير مراكز الإصلاح والتأهيل"، وأضاف: "أن ذلك لن يثني مسيرة الإصلاح والتطوير ومواصلة تحقيق المزيد من التقدم بهذا الصدد من قبل مديرية الأمن العام". الناطق باسم الأمن العام يرى أن «التقرير مبني على منهجية غير علمية»، وقال إن معد التقرير اعتمد على مقابلات مع 110 نزلاء في جميع مراكز الإصلاح بشكل انتقائي، وهذا الرقم لا يشكل أكثر من نسبة 0.002 من عدد النزلاء الذين يتوافدون على مراكز الإصلاح والتأهيل سنوياً (أي نزيلان لكل ألف نزيل). وتساءل الخطيب: كيف يمكن لمعد التقرير أن يحدد من دون وجود طبيب شرعي، آثار ضرب من جانب رجال الشرطة. مدير مركز الأردن الجديد للدراسات، هاني الحوراني، قال إنه على الرغم من قصور حجة النقد الواردة في تقرير «هيومن رايتس ووتش»، فلا شك أنه بمجرد السماح لمندوبي المنظمة بزيارة السجون وتفقدها بصورة دورية وإجراء مقابلات مع السجناء، يكون الأردن قد خطا خطوة إيجابية تسجل للحكومة وللجهات المشرفة على السجون. وأضاف: «من يقرأ التقرير، سيجد أنه كان هناك تعاون، رغم ورود نقاط وملاحظات ساخطة في طياته»، وطالب مديرية الأمن العام بأن «تتحلى بصدر رحب تجاه التقرير، والمواظبة على تحسين أوضاع السجون ومعالجة النقاط الواردة فيه، والتخلي عن ردود الفعل الغاضبة». المحامي عبد الكريم الشريدة، من المنظمة العربية لحقوق الإنسان، عبّر عن أسفه لعدم سماح الحكومة لمنظمات المجتمع المحلي والمراكز الحقوقية بالدخول إلى السجون الأردنية وتقييم أوضاعها، وأضاف: «لا شك أنه شيء إيجابي أن يتم السماح للمنظمات الدولية بأن تزور السجون في البلد وتطّلع على أوضاعها، لكن من المؤسف أن يقتصر هذا الاطلاع على المنظمات الدولية، فيما لا يُسمَح للمنظمات الحقوقية المحلية بالدخول إلى السجون». وانتقد الشريدة ما أسماه «ضعف الدور الرسمي الأردني في الرد على هذه التقارير». الناشط في مجال حقوق الإنسان فوزي السمهوري يرى أنه يجب عدم مقارنة الأردن بأي دولة تُقدم على انتهاك حقوق الإنسان بشكل عام، ولا تقبل التعاون مع المنظمات غير الحكومية المحلية أو الدولية، الراغبة بالكشف على أوضاع السجون فيها. رئيس المركز الوطني لحقوق الإنسان عدنان بدران، اعتبر أن "عدم إدخال أي من المنظمات الدولية إلى السجون أيٍّ كانت للكشف عن أي تجاوزات دليل أن البلد غير ديمقراطي، لكن في الأردن يحدث عكس ذلك، فلا يوجد أي هجوم علينا من أي أحد كوننا نتمتع بالديمقراطية والشفافية عندما سمحنا لمنظمات دولية وغير حكومية بالدخول إلى السجون وانتقاد الأوضاع فيها. فمن مصلحة الأردن أن يحسّن صورته أمام العالم، وهذا دليل أن الأردن من الدول المتقدمة في حقوق الإنسان، أما بالنسبة للدول التي لا تسمح لهذه المنظمات بدخول سجونها فإن منظماتها المحلية ستوجّه النقد لها". بدران يرى أن المطلوب الآن "ليس التعامل بذكاء مع التقرير، بل وضع حد لكل الانتهاكات والتجاوزات على حقوق السجناء، وأن تكون هذه الأماكن مراكز إصلاح وتأهيل، لا سجوناً، لأن هذا من صالح الأردن". |
|
|||||||||||||