العدد 1 - ثقافي
 

تأخرت وزارة الثقافة الأردنية سنوات في توسيع دائرة خدماتها الثقافية وانشغلت بمجرد دعم "المثقفين" بنشر مؤلفاتهم، أو منح جوائز، أو رعاية نشاط، حتى حولت كثيراً منهم إلى مرابطين في مكاتبها بحثاً عن عطاياها. وقد تحولت الوزارة في الآونة الأخيرة إلى لعب دور اجتماعي مؤثر من خلال خطة تنمية ثقافية هدفها "الناس" أينما كانوا؛ فاستهدفتهم للمرة الأولى في تاريخها بمشروع وطني هو مكتبة الأسرة الأردنية ومهرجان القراءة للجميع 2007. فكانت الدولة العربية الثانية بعد مصر في هذا المجال.

ويرمي المشروع، في مراميه البعيدة، إلى معالجة مسببات عزوف الناس عن القراءة، كغلاء ثمن الكتاب في وضع اقتصادي يضيق على المواطن بأولوياته، ثم تعويد النشء على القراءة والتأكيد على أهميتها، خاصة أن وزارة التربية والتعليم تعامل حصص المطالعة كوقت فراغ ضائع لا بد من الاستفادة منه بما ينفع من علوم أخرى.

وعلى الرغم من جلال الفكرة وسمو أهدافها ، وهي توفير الكتاب بسعر رمزي وبأعلى المواصفات، وضمان وصوله متزامناً إلى جميع محافظات المملكة في "مهرجان القراءة للجميع"، إلا أن منَ ْ وضع الخطة لم يُقدِّر بعد أهمية المشروع وآفاقه، فخصص له ميزانية أقل من ميزانية ما يسمى "التفرغ الإبداعي" لعشرة من الكتاب الأردنيين! وفي هذا إجحاف كبير كان على الوزارة الالتفات له. فلا ريب في أن للمثقف الأردني حقاً على الدولة لرعايته وتشجيع إنتاجه، إلا أنه لا يجوز أن يخصص لعشرة من الكتاب 150 ألف دينار، بينما يخصص لمشروع هو الأهم في تاريخ وزارة الثقافة 40 ألفا فقط، رفعها وزير الثقافة من بنود أخرى لتتساوى مع مخصصات منح التفرغ.

وما فتئت الدولة تتحدث، من أمد بعيد، عن تنمية سياسية واجتماعية وثقافية. غير أن ما كان غائباً في جميع الأحوال، هو الاعتقاد بأنْ بأن لا فرص عمل ولا تحسين دخل مع الجهل، ولا قيادات شابة بلا ثقافة أو معرفة خارج حدود الكتاب المدرسي المقرر، أو حتى ما "يمليه" المدرس الجامعي على طلبة. وذلك هو ما يجعل الكتاب في أهمية الخبز والماء في مجتمع المعرفة الذي تسعى الدولة إلى الوصول إليه.

و"مشروع مكتبة الأسرة" فكرة رائدة بدأتها دولة مصر عام 1993، وشعارها "المعرفة بلا حدود"، وهي حق للناس جميعاً. وتهدف إلى إيصال الكتاب بسعر زهيد إلى كل مواطن تحول ظروفه الخاصة أو العامة دون اقتنائه، وأهمها غلاء الكتاب أو عدم توفره في ظل مركزية التوزيع التي تتجاهل الأقاليم والمناطق الصحراوية والقرى النائية لأسباب تجارية، وغياب المكتبات العامة في النجوع البعيدة. فاستعاضت الدولة عن ذلك بمهرجان القراءة للجميع في أنحاء مصر كلها.

وعلى الرغم من حرص د. عادل الطويسي وزير الثقافة، رئيس اللجنة الوطنية العليا لمشروع مكتبة الأسرة الأردنية، على الاطلاع على تجربة مصر الرائدة، بإيجابياتها وبعض السلبيات في آلية العمل فيها، ثم التنسيق معها لتوفير بعض إصداراتها المميزة، إلا أنه لا يمكن المقارنة بين المشروعين، لا من حيث الميزانية ولا الكوادر العاملة، ولا عناوين الإصدارات أو عدد النسخ. فمشروع مصر يتوجه إلى شعب تعداده أكثر من عشرة أضعاف سكان الأردن.

ثم إن الوزير اعتمد على كوادر وزارته لإنجاز المشروع الرائد، وهو ما جعل طموحه يصطدم كثيراً بقيود بيروقراطية العطاءات والحسابات وذهنية الموظف لمعظم القائمين بأعماله اللوجستية، وعدم تخصيص كادر يؤمن بالمشروع. ولولا إصراره على عدم الفشل، ومتابعة التفاصيل يومياً، لما قدر لهذا الحدث الوطني أن يتم في الوقت المحدد. ومن المؤسف أن لا تقدر الحكومة أهمية هذا المشروع وتعتبره من أهم إنجازاتها.

ولكن ما يدعو للأسف الحقيقي هو عزوف القطاع المالي والمصرفي والشركات الكبرى والمؤسسات الخاصة والعامة في الأردن عن رعاية هذا الحدث الكبير والمشروع الوطني الحيوي. فقد توجهت اللجنة الوطنية إلى هذه المؤسسات، لتوسيع الإصدارات، فلم يكلف بعضها نفسه عناء الرد، بل إن شركة كبرى أقامت إفطارا لموظفيها في رمضان بمبلغ 96 ألف دينار وربحت ملايين الدنانير في أيام العيد، تبرعت بعد عدة محاولات بمبلغ ألفي دينار لمشروع وطني. وحسناً فعل وزير الثقافة حين رد تبرعهم إليهم. غير أن مؤسسات أخرى لا يصل عددها أصابع اليد الواحدة استجابت بمبالغ صغيرة متفاوتة، وهو ما يعكس أزمة عدم وعي الأهمية بنشر الثقافة العامة للمواطن، وتبني المشروعات الثقافية.

ومع أن الإصدار الأول لمشروع مكتبة الأسرة الأردنية يطمح إلى تأسيس سلاسل معرفية تغطي اهتمام أفراد الأسرة وميولهم،إلا أن كثيراً من المعيقات حالت دون التوسع في إصدارات هذه السلاسل، ولعل أهمها الحصول على حق النشر وما يتأتى عنه من حق الملكية الفكرية، كما حصل مع ورثة مؤنس الرزاز، أو عدم الوصول إلى عنوان أصحاب الحق أحياناً. وعدم وجود كادر متفرغ للتدقيق والمتابعة مما جعل العمل في المشروع مضنياً إلى أبعد الحدود.ورغم ذلك تمكن المشروع من التأسيس لسلاسل تغطي جميع حقول المعرفة، مهارات الحياة والعلاقات الأسرية النفسية، والتواصل بين الأجيال والحوار وقبول الآخر، ثقافة الشباب،وأدب الطفل، والإبداع العربي والعالمي، والتراث والفكر وسير وأعلام، والتاريخ، والعلوم. وتشمل السلاسل خمسين عنواناً طبع من كل منها خمسة آلاف نسخة، أي ما مجموعه ربع مليون كتاب.

وما يحتاجه مشروع وطني بأهمية مشروع مكتبة الأسرة من حيث أهدافه ونتائجه على المجتمع هو إيمان الحكومة به أولاً، ودعمه في السنوات القادمة لتوسيع مجاله، ومساندة وسائل الإعلام له للتوعية بأهميته. ويكفي أن سعر الكتاب فيه لن يزيد على 35 قرشاً لكتاب "نمر بن عدوان" لروكس العزيزي مثلاً الذي يباع بعشرة دنانير في السوق المحلي، أو "تاريخ الأنباط" لإحسان عباس أو "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ، أو "حياة محمد" لمحمد حسنين هيكل، و"الشيخ والبحر" لهمنجواي، و"تساؤلات الحامل والاضطرابات النفسية عند الطفل"، وعشرات من المؤلفات الإبداعية والتثقيفية الأخرى.

كاتبة وروائية أردنية

مكتبة لكل أسرة والقراءة للجميع – ليلى الأطرش
 
08-Nov-2007
 
العدد 1