العدد 47 - أردني | ||||||||||||||
احتج صحفيون وكتاب على بعض الامتيازات المالية التي منحها النواب لأنفسهم، قائلين إن النائب مثله مثل غيره يقوم بواجبه ويمارس عمله ويتلقى راتبه لقاء ذلك، ولا يجوز له أن يكون استثناء في التعامل. الواقع أنه فات الزملاء الصحفيين أن النائب والوزير وغيرهم من كبار المسؤولين لا يمارسون عملهم، فهم يقومون بالواجبات «الملقاة على عاتقهم»، فالعامل والمزارع والموظف والجندي يقومون بأعمالهم ،لكن أياً منهم لا يقول إنه يقوم بالواجبات الملقاة على عاتقه. وبهذا فإن النواب والوزراء يتلقلون «بدل عاتق». مهمات النائب لا تتوقف عند هذا الحد، فهي تتطلب منه المزيد من الإنفاق المالي بحكم موقعه ،وبحكم علاقته بناخبيه وأبناء دائرته. في الموروث الشعبي الأردني شيء قريب من هذا، فقد حلت في ما مضى مسألة تمويل «ممثل الشعب» بما يمكنه من الإنفاق على شؤون عمله، والمرجع في ذلك هو دوماً معلمة التراث لأستاذنا روكس العزيزي. فقد اعتقد الناس منذ زمن طويل بضرورة مساعدة زعمائهم وشيوخهم على المروءة، وجعلوا لذلك مخصصات يتعين عليهم توفيرها للزعيم وسموها «كبرة الشيخ» وهو مصطلح لا علاقة له بالكبر والتكبر، بل يتصل أساساً بمسألة المروءة المشار اليها. تتكون الكَبْرة من قسمين، الأول يمكن تسميته «الكبرة الثابتة» وهي قطعة أرض مميزة تخصص للزعيم اعترفاً بدوره، والثاني «الكبرة الجارية» وهي ما يقدمه الناس لمضافة الزعيم كي يقوم بواجبات الضيافة، وتتكون من الذبائح وعليق الخيول والرز والسمن والجميد والحلاوة والتمر، وقد جعلوا لهذا أساساً عرفياً (قانونياً) فقالوا: «من خلاك للضيف خلاك للسيف». هناك إذن ارث ثقافي يفيدنا الآن وذلك بعد إيجاد المعادل الموضوعي المعاصر، لكل عنصر من عناصر الكبرة التقليدية ومكوناتها. تبقى نقطة خلاف واحدة تتعلق بالوضوح عند أسلافنا، فالزعيم آنذاك لم يكن يقول إنه لا مطمح ولا مطمع له، وإن الزعامة أفقرته لأنه ينفق عليها من جيبه، والجميع كانوا يعرفون أن ما ينفقه الزعيم هو مال عام ينفق في مجالات مكشوفة تماماً امامهم وفي سبيل خدمتهم. **
لا وعظ دون إرشاد يقول الكاتب في مستهل مقالته: سوف لن نمل من التكرار أن كذا وكذا.. وفي مقالة لاحقة تجده يقول: للمرة الألف نقول إن.. وفي موقع ثالث يذكّر القارئ بقوله: سبق أن قلت أكثر من مرة في هذه الزاوية أن.. يا أخي إذا كنت أنت لا تمل فهذا حقك، ولكن من قال لك أننا نحن لا نمل؟. يسرح الكاتب أحياناً ويعتقد وهو يكتب أنه خطيب أمام قوم وعليهم الاستجابة له، وإلا فإنهم لا يفقهون، وعليه بالتالي أن يستمر في وعظهم!. |
|
|||||||||||||