العدد 47 - كاتب / قارئ
 

تلوح في الأفق حاجة ملحّة لإعادة ترتيب المسيرة الأمنية، ووضع أمن المواطنين وسلامتهم على سلّم أولويات هذه المسيرة، بحيث تنسجم متطلبات الأمن مع المستجدات التي طرأت في الآونة الأخيرة على مستوى المجرم والجريمة، لأن هذا التطور الكمي والنوعي ربما أخذ بالجنوح إلى ما يمكن تسميته «الجريمة المنظمة».

فلا يعني ارتفاع نسبت الجريمة وثقة المجرم وتفننه واحترافه، في العموم، إلا قصوراً واضح من رجل الأمن بردع المجرمين وكبح جماح الجريمة.

إن التحديات التي تفرضها ظروف المرحلة تتطلب تطويراً مميزاً لأداء رجل الأمن تتناسب وحجم الجريمة ونوعها، بحيث يشعر المواطن بالاستقرار والأمان، وأن لا تطغى تحديات المجرم على سلبية رجل الأمن الذي يُفترض أنه خط الدفاع الأول في مواجهة كل التحديات التي تهدد استقرار المجتمع.

كذلك، فإن الحاجة الأكثر إلحاحاً هي تطور كفاءة رجل الأمن وتطور إمكاناته بشكل يتناسب مع ما تفرضه معطيات الديمقراطية، وما تتطلبه المؤسسة الأمنية من إصلاحات هيكلية، وإصلاحات تمس في جوهرها جذور الممارسة الأمنية.

كما أن الوقوف بجدّية على أسباب ظاهرة اتساع النشاط الجرمي في هذه المرحلة؛ بات أمراً ملحّاً ومطلباً إنسانياً واجتماعياً له تداعيات أمنية لا يمكن تجاهلها ولا يمكن معها التستر على حقيقة وضعنا الأمني، أو نفي وجود جريمة منظمة، لأن مواطننا واعٍ ويدرك كل الأخطار التي تهدد كيانه، وبالتالي فإن مصارحته بكل التحديات التي تحيط به تساعده على منع الخطر والبلاء الذي يهدد مصالحه.

وقد صار من اللازم والضروري؛ النظر بعين من الاهتمام والجدّية للانتقادات الموجّهة لتجاوزات وانتهاكات تحدث في سجون أردنية، تثيرها بين الحين والآخر تقارير منظمات وهيئات مختصّة بقضايا السجون، كما تكشف تقارير ومقالات صحفية عن وجود تجاوزات؛ فحوادث الشغب، وحالات هروب سجناء واختطافهم لبعض رجال الأمن، والإضرابات المتكررة عن الطعام، والتي تُطالِبُ بتحسين أحوال هؤلاء السجناء وظروف إقامتهم، كلها قضايا تتطلّب الانتباه لما يمكن أن يسيء إلى إنجازات الوطن في ملف حقوق الإنسان.

أما ما جرى قبل فترة من اضطرابات شاملة داخل عدد من السجون، وخطف رجال أمن، والتهديد والمساومة عليهم، ووجود أجهزة خليوية لدى السجناء؛ يتصلون بمن يريدون في هذا العالم، حتى إنهم اتصلوا بالقنوات الفضائية لشرح مطالبهم ومظالمهم، فهي مسألة غاية في الأهمية والخطورة إذا ما عرفنا أن ذلك يقع تحت قائمة الفساد بمعطيات التسيّب والرشوة وعدم المسؤولية المناطة بالقائمين على ملاحقة الفساد ومحاربة أوكاره، وكل ذلك يجري تحت أعين ومسمع المكلّفين برعاية شؤونهم، وعلى بُعد إشارة من المنظمات الراعية لهم والمُطالِبَة بحقوقهم.

ورغم أن السجون ربما تكون معقلاً ومرتعاً لتفريخ أصوليين وجماعات تكفيرية وجدت من المكان وضعاً ملائماً لزرع أفكارها في عقول بعض المساجين الذين ضاق بهم فضاء التفكير ليحتويه فضاء التكفير، إلا أن كثرة الانتقادات لما يحدث من تجاوزات وانتهاكات واتهام بالتعذيب في السجون الأردنية، يحرِّض جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان على الأردن، ومهما كانت هذه الانتقادات؛ حقيقية أو مبالغاً بها، فإننا مدعوون لإجراء هيكلة وإصلاحات تشمل في ما تشمل العمل الجاد بالمواثيق والعهود الكافلة لحق السجين، وتأهيل رجل الأمن وتدريبه على كيفية التعامل مع السجناء، حتى نصل إلى لغة ومنهج إصلاحي يحتذى.

إن المجتمع الواعي هو المجتمع الذي يستطيع أن يفجّر طاقات أبنائه الإبداعية، ويحفزهم على إرساء نظام العدل الاجتماعي، والأخذ في الحسبان كل الإمكانات المتاحة لتعزيز هذا النظام معتمداً على ذاته، بخاصة إذا ما اتفقنا على حق المواطن في أن يعيش في مجتمع لا تحكمه مشاعر القلق والرهبة والخوف، ولا تهدد استقراره فئات الخارجين على القانون.

عمار الجنيدي

نحو رؤية أمنية جديدة تناسب المرحلة
 
16-Oct-2008
 
العدد 47